أسامة عجاج يكتب: مخطط نتنياهو للهروب إلى الأمام.. اتهامات كاذبة لمصر

أسامة عجاج
أسامة عجاج

لم يكن فى الأمر أى جديد، فخلال الأشهر الماضية يخطط نتنياهو لتمديد العدوان على غزة أطول فترة ممكنة بعرقلة التوصل إلى اتفاق نهائى لوقف إطلاق النار، خاصة بعد أن فشل فى تحقيق أىٍ من أهدافه الثلاثة المعلنة للحرب، وهى القضاء على حماس والافراج عن المعتقلين وضمان أمن إسرائيل من خلال ترتيبات تخص وضع قطاع غزة تمنعها من أن تمثل أى خطورة من جديد، يُضاف إلى ذلك أن نتنياهو سعى إلى مواجهة مع الحليف الاستراتيجى له أمريكا من خلال عدم الاستجابة لكل مطالب واشنطن رغم كل الدعم الذى يتلقاه من واشنطن سياسيًا وعسكريًا،

والجديد أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يفتعل أزمات مع العواصم الأهم فى التأثير على مسار الاحداث وهى بالترتيب مصر والاردن وقطر، والوقائع أكثر من أن تُعد وتُحصى، ولعلنا فى هذا التقرير نتوقف عند المزيد منها وهى كالتالي: 

حصار إسرائيلى بامتياز

العنوان الأول: إثارة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الاسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية حول مسئولية مصر فى منع دخول المساعدات الانسانية إلى غزة وهو ما نفته مصر جملة وتفصيلًا من خلال الرد الموثق من رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان اعتمادًا على عدد من المؤشرات التى تؤكد كذب هذا الادعاء ومسئولية إسرائيل عن الحصار وهى كالتالى: 

١-التصريحات العلنية من كبار المسئولين الإسرائيليين وفى مقدمتهم نتنياهو ووزير الدفاع بعدم سماحهم بدخول المساعدات إلى القطاع خاصة الوقود باعتبار ذلك جزءًا من الحرب على القطاع، وعلى النقيض من هذا الموقف هناك تصريحات من القيادة المصرية وكبار المسئولين بأن المعبر مفتوح بلا انقطاع مطالبين الجانب الاسرائيلى بعدم منع تدفق المساعدات الانسانية والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها، كما أن الموقف الأمريكى شاهد عليى ذلك، ومن ذلك مطالبة الرئيس الامريكى بايدن لتل أبيب بفتح معبر ابو سالم وهو ما أعلنه مستشاره للأمن القومى جيك سوليفان فى الثالث من ديسمبر باعتباره بشرى سارة دون أن يتحقق ذلك.
٢- زيارات كبار المسئولين، وفى مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة إلى معبر رفح على الجانب المصرى دون أن يتمكن اىٌ منهم من العبور إلى الجانب الآخر نظرًا لمنع الجيش الإسرائيلى لهم او تخوفهم على حياتهم بسبب القصف الإسرائيلى المستمر.
٣- المفاوضات التى جرت حول الهدنة الانسانية التى استمرت أسبوعًا كاملًا بمشاركة واشنطن والقاهرة والدوحة والتى شهدت تعنتًا شديدًا من الجانب الاسرائيلى فى تحديد حجم المساعدات التى تسمح قوات الاحتلال بدخولها باعتبارها المسيطرة عليه عسكريًا.
٤- سعى القاهرة لمعالجة مصر التعمد الاسرائيلى المستمر لتعطيل دخول المساعدات فى معبر كفر ابو سالم، حيث كلفت الشاحنات المصرية بسائقيها، المصريين بالدخول بعد التفتيش مباشرة إلى القطاع لتوزيع المساعدات على السكان بدلًا من نقلها على شاحنات فلسطينية.
٥- استخدام الجغرافيا فى الرد على الأكاذيب الإسرائيلية، ومنها أن سيادة مصر تمتد فقط إلى الجانب الخاص من أرضها، بينما الجزء الآخر يخضع لسلطة الاحتلال الفعلية وهو ما وضح من تفتيش المساعدات الإنسانية التى دخلت القطاع، والذى يتعرض لتفتيش من جانب الجيش الإسرائيلى فى معبر كفر ابو سالم قبل السماح لها بالدخول مع وجود ستة معابر بين القطاع وإسرائيل، فإذا كانت ترغب فى توصيل المساعدات فعليها فتحها فورًا.  
٦- الكشف عن رقم قد يغيب عن الكثيرين بأن التجارة بين إسرائيل وتل أبيب وصلت لأكثر من ٤ مليارات دولار هى بالأساس لصالح القطاع التجارى والصناعى الإسرائيلي.         
الملف الثانى: ولم تجدِ تل أبيب نفعًا من هذا الاتهام الكاذب، فبدأت فى تناول ملف تهريب الأسلحة كما جرت العادة، فجاء الرد مزلزلًا وكشف عن الكذب الإسرائيلي، فكل دول العالم تدرك تمامًا حجم الجهد الذى قامت بها القاهرة خلال السنوات العشر الاخيرة لتحقيق الأمن والاستقرار فى سيناء وكذلك لتعزيزه على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة بعد المعاناة الشديدة لها من الأنفاق خلال تلك المواجهات مع العناصر الارهابية ناهيك عن امتداد الجهد المصرى لعمل منطقة عازلة بطول ٥ كيلو مترات من مدينة رفح حتى الحدود مع غزة، حيث تمكنت مصر من تدمير ١٥٠٠ نفق وتقوية الجدار الحدودى مع القطاع الممتد ١٤ كيلو عبر تعزيزه بجدار خرسانى طوله ستة أمتار فوق الارض ومثله تحت الارض، فهناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية تجعل أى عملية تهريب أمرًا مستحيلًا، الملف الثالث: محور فيلادلفيا هو ما اعتبرته مصر فى ردها على الاتهام الكاذب النيابى سببًا مهمًا للترويج لمثل هذه الأكاذيب هو تبرير تواجدها فى محور فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين واعتبرته مخالفًا للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية المُوقعة بين البلدين، وأكدت أن أى تحرك بهذا الاتجاه سيؤدى إلى تهديد خطير للعلاقات بين البلدين، فمصر دولة تحترم تعهداتها والتزاماتها، وفى نفس الوقت قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها ولن ترهنها فى ايدى مجموعة من القادة المتطرفين ممن يسعون إلى جر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار، وينضم هذا إلى خطوط مصر الحمراء والذى سبق لها أن أعلنته فى الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين قسرًا او طوعًا ولن تسمح لإسرائيل بتخطيه. 

الدور على قطر 

لم تتوقف تل أبيب عن استخدام الأكاذيب ضد مصر، بل امتدت سياسية نتنياهو إلى استهداف قطر، حيث قرر نتنياهو تسريب لقاء تم بينه وبين أسر الأسرى قال فيه إن دور قطر كوسيط يمثل إشكالية، وأعرب عن خيبة أمله تجاه واشنطن التى لا تقوم بممارسة ضغوط كافية على الدوحة التى تستضيف المكتب السياسى للحركة، وبحسب التسريب قال إنه لم يشكر علانية لهذا السبب وأنها تمثل إشكالية له مثل الأمم المتحدة والصليب الاحمر، لم يتوقف الامر عند رئيس الوزراء فقد شارك فى الهجوم أيضًا من وزير المالية سمو تريتش، وقال إن قطر هى الراعية لحركة حماس ووصف موقف الغرب منها بالنفاق ومبنى على المصالح، وطالب بالضغط عليها للإفراج عن المعتقلين، ولن يكون لها أى دور فى غزة فى اليوم التالي، أما وزير الزراعة عضو الكابنيت تفى ديختر اتهمها بدعم حماس، وقد هاجمت هيئة عائلات الأسرى نشر التسريب وسمحت الرقابة العسكرية بإذاعته، وقالوا فى بيان لهم إن الهجوم على قطر يُعد جريمة ويُعرض الأسرى للخطر وطالبوا أعضاء مجلس الوزراء المصغر بوقف الهجوم والتصرف بمسئولية لإنقاذ حياة ١٣٦ إسرائيليًا أول أمس السبت، قال نتنياهو إنه لن يتراجع عن تصريحاته التى قالها عن قطر، وقال إن الدوحة تستضيف قيادة حماس وعليها مسئولية الضغط عليها للإفراج عن المحتجزين وضمان وصول الادوية إلى الرهائن،

وردت الدوحة على التسريب على لسان المتحدث باسم الخارجية القطرى مُستنكرًا إياه، وقال إنها غير مسئولة ومعرقلة لجهود إنقاذ الأرواح وإن كانت غير مفاجأة، وأضاف أن وساطة بلاده تتعلق بإنقاذ حياة المحتجزين الإسرائيليين وحماية المدنيين الفلسطينيين وليس بالسياسيين، وقال: بدلًا من الانشغال بعلاقة قطر الاستراتيجية مع أمريكا، على نتنياهو أن ينشغل بتذليل العقبات أمام التوصل ألى اتفاق لإطلاق النار، ووعدت بأنها لن توقف جهدها بسبب خلاف مع أفراد. 

عقاب الأردن 

أعلنت هيئة البث الحكومية الاسرائيلية الخميس الماضى أن تل أبيب تدرس عدم تمديد اتفاقية المياه مع الأردن والتى تعانى إجهادًا مائيًا، هذا ما كشفته عنه وذلك على خلفية تصريحات مسئولين أردنيين فى مقدمتهم الملكة رانيا من خلال الحوار الذى أجرته الملكة رانيا مع قناة سى ان ان، ومن مقال الملك عبدالله فى الواشنطن بوست، الذى حذر فيه خطر فيه من توسيع الحرب الاسرائيلية، ونتائجها الوخيمة على المنطقة ووزير الخارجية أيمن الصفدى الذى لَوَّح ذات مرة بتجميد العمل باتفاقية وادى عربة والذى مَرَّ عليها حوالى ٢٠ عامًا، والأمور مرشحة للمزيد من التدهور فى حال استمرار العدوان، الاتفاق الذى تنوى تل أبيب وقفه هو الذى تم عام ٢٠٢١ وينص على أن تزيد تل أبيب من خلاله كمية المياه للأردن من ٥٠ مليون متر مكعب إلى مائة مليون، وكرد فعل على الموقف أعاد الاردن تنشيط مشروع الناقل الوطنى لمياه العقبة عمان لتحلية ونقل المياه لتجاوز الابتزاز السياسى الاسرائيلى وهو يحتاج إلى تمويل يصل إلى أكثر من أربعة مليارات دولار وفرت منه الأردن أقل من النصف، وتسعى إلى تمويلات دولية بشأنه بعد إعلانه مع أسابيع الحرب الاولى عن تعليق التوقيع على اتفاقية تبادل الطاقة مقابل المياه تشمل عدة مشروعات منها تصدير الطاقة النظيفة من الاردن إلى إسرائيل بقدرة ٦٠٠ ميجاوات وات مقابل تزويد الأردن بحوالى ٢٠٠ مليون متر مكعب من المياه المحلاة.

وبعد، فتقدم  كثير من التقارير تفسيرًا لتصعيد نتنياهو الأخير يتخلص فى محاولة تحقيق عدد من الأهداف منها الهروب من الضغوط الداخلية المتزايدة والتى وصلت لحد المظاهرات التى تطالب بعزله والاعتصام أمام منزله وخلق حيز مناورة إضافى لسياساته الداخلية خاصة أنه يسعى للظهور كبطل يُواجه العديد من الدول لإنقاذ شعبيته المنهارة، كما يسعى إلى إطالة أمد الحرب والبقاء على حكومته هروبًا من المحاكمة والسجن، وذلك بخلق أزمات مع دول فاعلة مثل مصر والأردن وافتعال مواجهة وهمية مع واشنطن.