..لماذا مصر؟ لماذا دائمًا يتم وضع مصر داخل حلقات غير متناهية من المشكلات والصراعات؟ الإجابة بوضوح وبعيدًا عن نظريات المؤامرة، الوقت التى تستطيع فيه مصر من فض النزاعات والمشكلات المحيطة والصراعات المصطنعة المؤثرة عليها ستكون أحد أهم الامبراطوريات فى العالم، فبالرغم من الصراعات التى ظلت تعاني منها لعقود، كانت ومازالت مصر هى المسئولة عن حماية أشقائها العرب، حتى فى أصعب اللحظات التى مرت على الأمة المصرية كانت تلك الأمة هي التى تبنى من حولها وتساعد الأشقاء للنهوض والتحول المجتمعي من الصحراء إلى المدينة، ولكن تظل روح الأمة المصرية هى المعادلة الصعبة التى لم يستطع ولن يقدر عليها أي عدو سواء كان قريبًا منا أو بعيدًا عنا ويحاول تفكيك هذا الوطن.
فالخطر لحظة صعبة فى عمر الأوطان لا ينجو منه الوطن سوى بأبنائه الحقيقيين المخلصين القادرين على جعل التضحية هي الاختيار الأول من أجل حماية الوطن.. دائمًا ما يدور سؤال فى ذهن الكثير حول وطننا الغالى مصر.. كيف استطاعت الأمة المصرية على مدار آلاف السنوات ومئات الهجمات القوية التى تريد السيطرة عليها والقضاء على تلك الهوية المصرية فى الصمود والحفاظ على وجودها وثبات حدودها دون تغير؟
هذا السؤال الذى يعتبر مبهرًا للأصدقاء ومرهقًا للاعداء دائمًا، فقد يلجأون إلى مراجع السياسة ليحللوا وقد يلجأون لعلوم الجغرافيا والتاريخ ليرصدوا ويحاولون فك تلك الشفرة، ولكن التفسير الذى يظل واضحًا أمامهم كوضوح الشمس هو أن تلك القوة التى يمتلكها أبناء الأمة المصرية الممتدة جذورها لآلاف السنين تسمى روح الأمة المصرية «روح الشهيد» فهو المقدر للحظة الفاصلة دائمًا ويكون هذا التقدير نابع من داخله من هويته المصرية، يعلم أن الخطر حقيقة واضحة ولكنه دائمًا ما يكون اختياره هو التضحية من أجل تغيير تلك الحقيقة الصعبة والعبور من قلب لحظة الخطر لسنوات الأمان.
الشهيد هو ابن هذا الأمة المصرية، مهما مرت السنوات وتغيرت معها الكثير من أمور الحياة، ولكن دائمًا ما يولد فى كل لحظة بطل لهذه الأمة هناك من يرحل عن عالمنا دون أن تستغل بطولته وهذا بحكم الاستقرار العام للبلاد وتلك اللحظات قليلة فى عمر وطننا الغالى بحكم أنه مستهدف من أصحاب المصالح الضخمة، ولكن عندما تأتى لحظات الخطر، ستجد هذا البطل يظهر من وسط الشعب ليقوم بدوره الطبيعي وهو الوقوف أمام أى خطر يحيق بالدولة المصرية.
هنا تجد البطل الحقيقي الذى يخرج من بين الناس، تعتقد فى البداية أنه انسان عادي يشبه الكثير من ابناء هذا الوطن، ولكن فى اقل من لحظات تجده يسجل بطولاته ويقدم روحه فداءً للوطن من أجل الحفاظ عليه وحماية أشقائه المصريين من الخطر، يقرر بنفسه التضحية والفداء من أجل أن تبقى الأمة المصرية وتستمر الدولة المصرية فى البناء والنهوض ومقاومة العدو، هنا ترى بطولات خارقة من انسان غير عادى فى لحظة مصيرية.. وقتها تكتشف المعنى الحقيقي لـ «روح الأمة المصرية» وستكون على يقين أن تلك الأمة الممتدة جذورها لآلاف السنوات غير قابلة للانهيار أو السقوط، قد تتعثر أحيانًا ولكن لا تفنى ابدًا، ستعلم أن السر الأعظم يكمن فى روح أبطال الأمة المصرية، وفى الوقت الذى يعتقد فيه الاعداء أن تلك الروح قد انتهت وأصبحت ذكرى ووهم يعيش عليه المصريون ويقتربون لتنفيذ أي مخطط من مخططات الشر يتفاجئون بعودة الروح لجسد الأمة المصرية ليحاربوا العدو ويلقنونه درسًا قاسيًا يظل محفورًا فى التاريخ.
يبوح التاريخ المصري بأسراره ونكتشف أننا أمة مليئة بحكايات الأبطال الذين اختاروا طريق التضحية والاستشهاد ببسالة لا مثيل لها أمام أي عدو حاول فرض السيطرة على وطننا الغالي، تجد بطولات غير عادية ونجاحات لا يصدقها عقل فى تدمير العدو، ولحظات الاستشهاد تتأكد أن البطل فى لحظة الشهادة لا يختار سوى الأمة المصرية لا يهمه ابن أو زوجة لا يهمه شيئا سوى الوطن، هذا ما تخبرنا به سير الشهداء الأبطال، ومع تلك الحكايات والبطولات تتأكد أن الروح المدفونة داخل نفوس ملايين المصريين هي السر الحقيقي فى بقاء تلك الأمة على مر العصور، هي السر الحقيقي فى عبور كل المخاطر والتحديات، هى السر فى مواجهة الاعداء طوال التاريخ مهما تغير الزمان.
اصبحت على يقين وإيمان بأن بقاء الدولة المصرية و ثبات الوطن تاريخيًا وجغرافيًا هو نتيجة لتضحيات الأبطال الذين يعلمون أن الخطر قد يكون حقيقيًا ولكن دائمًا ما تكون التضحية هى الاختيار.
قرار الشهيد بالتضحية بروحه يكون فى جزء من الثانية دون تردد، وقتها ينسى أسرته الصغيرة، بيته، أحلامه، مستقبله.. فقط ما يتذكره هو أن الوطن أغلى من كل شيء وتراب الوطن لا يروى إلا بدماء الأبطال المخلصين.
القدر جعل بلادنا مستهدفة من الطامعين الحالمين معتقدين أن الأمة المصرية قابلة للسيطرة عليها، ولكن دائمًا ما يواجهون المخلصين أبطال الأرض وحماة العرض، فلن أعود للتاريخ من بدايته ولكننى سأكتفى بالماضى القريب «التاريخ الحديث» فالوطن تعرض لحربين الأول كان العدو فيها واضحًا ينتظر على حدودنا استغل غفوة ليتمكن من احتلال سيناء الغالية، اعتقد العدو وقتها أن الأمر سهل السيطرة عليه، بدأ فى تأمين نفسه وبناء الخط المنيع غير القابل للعبور، ولكن كالعادة اعتقد العدو انه انتصر ولكن مع كل أزمة حقيقية يظهر ابناء الأمة وحراس الوطن ليدمروا اساطير العدو وينطلقون ليحطموا جيش العدو ويحققون النصر ويعيدون الأرض لأصحابها.
لتمر السنوات وتزداد معها محاولة تدمير الداخل ومحاولات تغير شكل المجتمع المصري، ولكن مع كل هذا تزداد صلابة الأمة حتى تأتي الحرب الثانية وهى ليست حربًا بالمفهوم التقليدي، لأن العدو فى هذه المرة من الداخل تمثل فى جماعة إرهابية تحاول السيطرة على روح الأمة والهوية المصرية، اعتقدوا أن تسللهم للحكم سيجعلهم لعقود طويلة يفعلون ما يحلو لهم فى البلاد والعباد، ولأنهم لا ينتمون للأمة المصرية فكانوا جهلاء بالشعب المصري، وخلال شهور قرر أبناء الأمة المصرية إنهاء تلك المهزلة وانقض عليهم الشعب المصري ليحرروا الوطن من يد العدو «جماعة الإخوان الإرهابية».
لم يجد هؤلاء المجرمون سوى الأعمال الإرهابية التخريبية، فكانت أعمالهم القبيحة هي تفجير الكنائس وحرق المساجد واستهداف رجال الشرطة فى سيناء وتفجير الأكمنة الشرطية داخل البلاد، وكالعادة ظهر رجال الوطن الأبطال الذين يختاروا الوطن دون التفكير فى أي شيء، فما كان من أعمالهم إلا زيادة الأصرار على الحفاظ على الوطن الغالي.
دارت الحرب وظهرت روح الأمة المصرية، فالخطر حقيقة واضحة ولكن التضحية كانت الاختيار، واجه أبطالنا رصاص الغدر بصدورهم وقلوبهم التى لا تعرف إلا الوطنية والتضحية من أجل تراب مصر، هم يشعلون النيران وتأتى يد الأبطال لتخمدها، واستمرت الحرب حتى نجح كالعادة أصحاب الحق وانتصرت الأمة المصرية على العدو وانتهت الحرب بانتصار الروح الوطنية، وعاد الوطن الغالى من يد أهل الخراب ولكن خلال تلك المعركة التى قدم خلالها الرجال المخلصون أرواحهم للوطن، حكايات أبطالنا تحتاج لمجلدات لتسرد بطولاتهم وكيف نجحوا فى التصدي لقوى الشر وأعوانهم.
فعندما تشرق الشمس كل يوم جديد تذكر أن الأمن والأمان الذي تعيش فيه والظلام الذى انتهى كان بيد أبطالنا الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا حتى نشعر بالطمأنينة ونعيش دون الخوف على أنفسنا أو أبنائنا من جرائم الاعداء.. فالحياة التى نعيشها الآن ثمنها اختيار التضحية وأرواح الشهداء.