نهـايـة الـلعبة

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭‬لا‭ ‬توجد‭ ‬منطقة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬اكتوت‭ ‬بنار‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقتل‭ ‬باسم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬العقيدة‭ ‬والمذهب‭ ‬مثل‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬الفيضان‭ ‬الإرهابى‭ ‬الذى‭ ‬اكتسح‭ ‬أمامه‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬أو‭ ‬فصيل‭ ‬معين‭ ‬بل‭ ‬امتد‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭ ‬وتجاوز‭ ‬كل‭ ‬الحدود‭.‬

هذا‭ ‬الإرهاب‭ ‬الدموى‭ ‬ظل‭ ‬طاغيًا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطى‭ ‬لمايقترب‭ ‬من‭  ‬قرن‭ ‬نتيجة‭ ‬للرعاية‭ ‬والدعم‭ ‬الذى‭ ‬تقدمه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬لكل‭ ‬تنويعاته‭ ‬السوداء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تدمير‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬وسحق‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬المتسامحة‭ ‬للشعوب‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعات‭ ‬ممسوخة‭ ‬العقل،‭ ‬رجعية‭ ‬الأفكار‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقدم‭ ‬مكتفية‭ ‬بصراعاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬حول‭ ‬تأسيس‭ ‬الخرافات‭ ‬واكتساب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهل‭. ‬

هذه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التى‭ ‬رعت‭ ‬ودعمت‭ ‬ليست‭ ‬مجهولة‭ ‬الاسم‭ ‬والعنوان‭ ‬فهى‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬التى‭ ‬غربت‭ ‬عنها‭ ‬الشمس‭ ‬إلى‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التى‭ ‬تخفى‭ ‬أغراضها‭ ‬فى‭ ‬الهيمنة‭ ‬خلف‭ ‬لافتة‭ ‬العولمة‭ ‬أو‭ ‬الشكل‭ ‬الحديث‭ ‬للاستعمار‭.‬

تسلمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬مسرح‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بمباركة‭ ‬اللجنة‭ ‬الأنجلو‭ ‬ـ‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬1946‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬والتى‭ ‬زارت‭ ‬المنطقة‭ ‬لبحث‭ ‬موضوع‭ ‬فلسطين‭ ‬والهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬لجنة‭ ‬تسليم‭ ‬وتسلم‭ ‬بين‭ ‬امبراطورية‭ ‬راحلة‭ ‬وأخرى‭ ‬صاعدة،‭ ‬التقت‭ ‬اللجنة‭ ‬شخصيات‭ ‬رسمية‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬ولكنها‭ ‬خصصت‭ ‬لقاءً‭ ‬مطولا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الرسميات‭ ‬بتوصية‭ ‬بريطانية‭ ‬مع‭ ‬مؤسس‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬حسن‭ ‬البنا‭ ‬وفى‭ ‬فلسطين‭ ‬درست‭ ‬مطالب‭ ‬زعماء‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬المطالبين‭ ‬بفتح‭ ‬باب‭ ‬الهجرة‭ ‬لليهود‭ ‬وتأسيس‭ ‬إسرائيل‭. ‬

منذ‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬فى‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬بدأت‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تصنع‭ ‬محركات‭ ‬لعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬الإرهابية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التطرف‭ ‬الدينى‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬المشتركين‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬أغراض‭ ‬الامبراطورية‭ ‬فى‭ ‬الهيمنة‭ ‬بالعنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬،هذا‭ ‬الشرق‭ ‬الذى‭ ‬يمتلك‭ ‬النفط‭ ‬الذى‭ ‬سيمد‭ ‬شرايين‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصاعدة‭ ‬بطاقة‭ ‬الحياة‭.‬

تبقى‭ ‬قصة‭ ‬عمالة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬للامبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬هى‭ ‬الأكثر‭ ‬تداولا‭ ‬والأكثر‭ ‬خسة‭ ‬لكن‭ ‬ملابسات‭ ‬قصة‭ ‬استخدام‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬الدموى‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الإرهاب‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أغراض‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬منها‭ ‬لماذا‭ ‬تلجأ‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬فى‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬لتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬منتصرة‭ ‬وامتلكت‭ ‬تحالفات‭ ‬قوية‭ ‬مستقرة‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬كنز‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬النفط‭ ‬؟‭ ‬كيف‭ ‬وازنت‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بين‭ ‬التحالفات‭ ‬العربية‭ ‬ـ‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وغرضها‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الكيان‭ ‬غير‭ ‬المستقر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى؟‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬عقلاء‭ ‬بين‭ ‬الساسة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الاندفاع‭ ‬فى‭ ‬الاعتراف‭ ‬ودعم‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬مستقبلا‭ ‬ويفقدها‭ ‬مصداقيتها‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟‭ ‬وأخيرا‭ ‬هل‭ ‬غضبة‭ ‬واشنطن‭ ‬الحالية‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬والامتداد‭ ‬الإخوانى‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬غضبة‭ ‬حقيقية‭ ‬أم‭ "‬شو‭" ‬دعائى‭ ‬تجيده‭ ‬دائمًا‭ ‬آلة‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬نهجها‭ ‬السابق؟‭ ‬

إذ‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬الأخير‭ ‬هى‭ ‬الملحة‭ ‬حاليًا‭ ‬لكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجابة‭ ‬وافية‭ ‬تجعلنا‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تأسيس‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬،عكس‭ ‬ماهو‭ ‬متصور‭ ‬بأن‭ ‬السرعة‭ ‬التى‭ ‬اعترفت‭ ‬بها‭ ‬واشنطن‭ ‬بإسرائيل‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬إجماع‭ ‬فى‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬للهروب‭ ‬لرفض‭ ‬أغلبية‭ ‬هذه‭ ‬النخبة‭ ‬لهذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬عدا‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬أصر‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬وقتها‭ ‬هارى‭ ‬ترومان‭ ‬الذى‭ ‬اعترف‭ ‬بإسرائيل‭ ‬دون‭ ‬رغبة‭ ‬النخبة‭ ‬والدولة‭ ‬العميقة‭ ‬فى‭ ‬أمريكا‭ ‬حيث‭ ‬فوجئوا‭ ‬يعلن‭ ‬هذا‭ ‬الأعتراف‭ ‬دون‭ ‬العودة‭ ‬حتى‭ ‬للخارجية‭ ‬الأمريكية‭.‬

يسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسى‭ ‬الأمريكى‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الجنرال‭ ‬جورج‭ ‬كاتليت‭ ‬مارشال‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬وقتها‭ ‬والرئيس‭ ‬ترومان‭ ‬ومارشال‭ ‬ليس‭ ‬شخصية‭ ‬عادية‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكى‭.‬

مع‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬اختاره‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬فرانكلين‭ ‬روزفلت‭ ‬رئيسًا‭ ‬لأركان‭ ‬حرب‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكى‭ ‬متخطيًا‭ ‬32‭ ‬ضابطًا‭ ‬من‭ ‬الرتب‭ ‬الأقدم‭ ‬ليتولى‭ ‬بعد‭ ‬رئاسة‭ ‬الأركان‭ ‬وزارتى‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭.  ‬

نجح‭ ‬الجنرال‭ ‬مارشال‭ ‬فى‭ ‬حشد‭ ‬8‭ ‬ملايين‭ ‬جندى‭ ‬أمريكى‭ ‬و‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬عسكرى‭ ‬صناعى‭ ‬لإدارة‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الأمريكية‭ ‬حتى‭  ‬تحقق‭ ‬النصر‭ ‬للحلفاء‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المحور،‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭  ‬ألقى‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬محاضرة‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭  ‬عندما‭ ‬اصبح‭ ‬وزيرًا‭ ‬للخارجية‭ ‬مقترحًا‭ ‬اضخم‭ ‬مشروع‭ ‬مساعدات‭ ‬وتنمية‭ ‬لأوروبا‭ ‬تقدمه‭ ‬أمريكا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬فى‭ ‬أيدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬وتلتهمها‭ ‬الشيوعية‭ ‬سمى‭ ‬المشروع‭ ‬باسمه‭ ‬ليصبح‭ ‬الأضخم‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬وحازعلى‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬بسبب‭ ‬مشروعه‭.‬

يقال‭ ‬عن‭ ‬الجنرال‭ ‬مارشال‭ ‬أنه‭ ‬صانع‭ ‬مستقبل‭ ‬أمريكا‭ ‬حربًا‭ ‬وسلمًا‭  ‬فأثناء‭ ‬رئاسته‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكى‭ ‬حمل‭ ‬معه‭ ‬أجندة‭ ‬ملاحظات‭ ‬كان‭ ‬يدون‭ ‬فيها‭ ‬أسماء‭ ‬أفضل‭ ‬الرجال‭ ‬المتميزين‭ ‬الذين‭ ‬تعامل‭ ‬معهم‭ ‬أثناء‭ ‬خدمته‭ ‬مهما‭ ‬صغرت‭ ‬رتبتهم‭ ‬العسكرية‭ ‬أو‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬خدمته‭ ‬العسكرية‭ ‬سلم‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لتتشكل‭ ‬نخبة‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬قادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬

بالتأكيد‭ ‬عندما‭ ‬يقول‭ ‬الجنرال‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬رأيه‭ ‬فى‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬فإنه‭ ‬رأى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬ويتخذ‭ ‬به،‭ ‬يحتفظ‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسى‭ ‬الأمريكى‭  ‬بسجلات‭ ‬لقاء‭ ‬عاصف‭ ‬دار‭ ‬بين‭ ‬الجنرال‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬وقتها‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬هارى‭ ‬ترومان‭ ‬حول‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومازال‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬العاصف‭ ‬محل‭ ‬بحث‭ ‬إلى‭ ‬لحظتنا‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬والسياسيين‭ ‬الأمريكيين‭. ‬

رفض‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬قطعيًا‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بإسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬،‭ ‬بنى‭ ‬الجنرال‭ ‬رفضه‭ ‬بأن‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬سيورط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وسيحملها‭ ‬تبعات‭ ‬وعداءات‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم،‭ ‬واستعان‭ ‬مارشال‭ ‬بدراسات‭ ‬أعدتها‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتأكيد‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭.‬

انتظر‭ ‬الجنرال‭ ‬أن‭ ‬ينحاز‭ ‬هارى‭ ‬ترومان‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أغلب‭ ‬النخبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التى‭ ‬يمثلها‭ ‬لكن‭ ‬ترومان‭ ‬انحاز‭ ‬لرأى‭ ‬زائر‭ ‬آخر‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬هو‭ "‬أدى‭ ‬جاكوبسون‭" ‬الأمريكى‭ ‬اليهودى‭ ‬والصديق‭ ‬الصدوق‭ ‬لهارى‭ ‬ترومان‭ ‬واللذان‭ ‬كانا‭ ‬فى‭  ‬شبابهما‭ ‬شركاء‭ ‬فى‭ ‬دكان‭ ‬صغير‭. ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬ترومان‭ ‬بوجهة‭ ‬نظر‭ ‬النخبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ممثلة‭ ‬فى‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬وهى‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬التى‭ ‬تعلى‭ ‬من‭ ‬المصلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولم‭ ‬يعرض‭ ‬عليهم‭ ‬قراره‭ ‬ونفذ‭ ‬رغبات‭ ‬صديقه‭ ‬جاكوبسون‭ ‬معترفًا‭ ‬بإسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬11‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬تأسيسها،‭ ‬واعتبر‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكى‭ ‬اليهودى‭ ‬أن‭ ‬جاكوبسون‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭.‬

بقيت‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الجنرال‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬والتى‭ ‬تمثل‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬الأمريكية‭  ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬داخل‭ ‬العقل‭ ‬السياسى‭ ‬الأمريكى‭ ‬تطل‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكى،‭ ‬يأتى‭ ‬جنرال‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬منصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬وهو‭ ‬داويت‭ ‬أيزنهاور‭ ‬الذى‭ ‬اتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬حازمًا‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقت‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬وينهى‭ ‬تحالفها‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬ويخرج‭ ‬الثلاثة‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ .‬

تطل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مارشال‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الستينيات‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكى‭ ‬مع‭ ‬اسم‭ ‬لامع‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وهو‭ ‬السناتور‭ ‬وليام‭ ‬فولبرايت‭ ‬نتيجة‭ ‬أزمة‭ ‬محورها‭ ‬مصر‭ ‬أيضا‭ ‬بسبب‭ ‬إضراب‭ ‬عمال‭ ‬الشحن‭ ‬فى‭ ‬ميناء‭ ‬نيويورك‭ ‬عن‭ ‬تفريغ‭ ‬شحنة‭ ‬السفينة‭ ‬المصرية‭ ‬كليوباترا‭  ‬انحيازًا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وهنا‭ ‬يلقى‭ ‬فولبرايت‭ ‬بيانًا‭ ‬فى‭ ‬الكونجرس‭ ‬طالبا‭ ‬بلجم‭ ‬تدخل‭ ‬جماعات‭ ‬الضغط‭ ‬الصهيونية‭ ‬فى‭ ‬القرار‭ ‬السياسى‭ ‬الأمريكى‭ ‬لأن‭ ‬المصلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تقتضى‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬معتدل،‭ ‬وعلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تلجأ‭ ‬للمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بما‭ ‬تريد‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أمريكا‭ ‬لأن‭ ‬مصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬ماتريده‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقد‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬جون‭ ‬كنيدى‭ ‬فى‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬التى‭ ‬شهدت‭ ‬تطورًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬لكنه‭ ‬أغتيل‭ ‬فى‭ ‬نوفمبر‭ ‬1963‭.‬

يأتى‭ ‬التحول‭ ‬الحقيقى‭ ‬فى‭ ‬استخدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬عقب‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ ‬فقد‭ ‬تزامن‭ ‬تحقيق‭ ‬إسرائيل‭ ‬لضربتها‭ ‬مع‭ ‬انشغال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬مما‭ ‬أعطى‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مساحة‭ ‬للتحرك‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحلم‭ ‬به‭ ‬وتوارثت‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬الدموى‭ ‬والصراع‭ ‬الدائم‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬والشيوعية‭ ‬لتكتسب‭ ‬إسرائيل‭ ‬مساحات‭ ‬أكبر‭ ‬فى‭ ‬التحرك‭.‬

مع‭ ‬الغزو‭ ‬السوفيتى‭ ‬لأفغانستان‭ ‬تستدعى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬لتنضم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬فى‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬السوفيت‭ ‬والشيوعية‭ ‬ونتيجة‭ ‬للانتصار‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬فى‭ ‬التسعينيات‭ ‬وزوال‭ ‬الخطر‭ ‬الشيوعى‭ ‬أدمنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬فى‭ ‬جنونها‭ ‬مع‭ ‬تبنيها‭ ‬للعولمة‭ ‬لتحقق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬فرض‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬كنظام‭ ‬حكم‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بكاملها‭ ‬برعاية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬لكن‭ ‬فشلت‭ ‬مخططاتها‭ .‬

وسط‭ ‬انشغال‭ ‬واشنطن‭ ‬بلعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬لم‭ ‬تنتبه‭ ‬أن‭ ‬الأعداء‭ ‬القدامى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعودوا‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬أخرى‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬عادت‭ ‬روسيا‭ ‬بوتين‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬يراقب‭ ‬فى‭ ‬بكين‭ ‬صعود‭ ‬امبراطورية‭ ‬جديدة‭ ‬تنافس‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بقوة‭ ‬،‭ ‬هنا‭ ‬استفاقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬إدمانها‭ ‬الدموى‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬احساس‭ ‬بالضمير‭ ‬ولكنها‭ ‬لغة‭ ‬المصالح‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ ‬المؤثر‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ .‬

اكتشفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬طرفى‭ ‬لعبتها‭ ‬الكارثية‭ ‬سواء‭ ‬إسرائيل‭ ‬والفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬يفجران‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فى‭ ‬وجهها‭ ‬ولم‭ ‬يكتفيا‭ ‬بذلك‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬رائحة‭ ‬خيانة‭ ‬وتحالفات‭ ‬غامضة‭ ‬تجرى‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهرها‭ ‬مع‭ ‬خصمها‭ ‬الامبراطورى‭ ‬الصاعد‭ ‬بقوة‭.‬

فى‭ ‬2020‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تبرم‭ ‬اتفاقية‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وتدخلت‭ ‬واشنطن‭ ‬لإنهائها‭ ‬والامتداد‭ ‬الإخوانى‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬يتحرك‭ ‬ويتلقى‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬الإيرانى‭ ‬الموالى‭ ‬لبكين،‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكى‭ ‬بلينكن‭ ‬فى‭ ‬زيارته‭ ‬الأخيرة‭ ‬للصين‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬الصينية‭ ‬تجرى‭ ‬مشاورات‭ ‬بين‭ ‬طرفى‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطينى‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬للتوفيق‭ ‬بينهما‭ ‬برعاية‭ ‬بكين‭.‬

هنا‭ ‬فتحت‭ ‬واشنطن‭ ‬خزائن‭ ‬ذكريات‭ ‬عقلها‭ ‬السياسى‭ ‬واستعادت‭ ‬رؤية‭ ‬الجنرال‭ ‬جورج‭ ‬مارشال‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬التى‭ ‬أدمنتها‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديها‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬وليام‭ ‬فولبرايت‭ ‬كان‭ ‬خطاب‭ ‬تشاك‭ ‬تشومر‭ ‬زعيم‭ ‬الأغلبية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬والذى‭ ‬يراجع‭ ‬نص‭ ‬خطابه‭ ‬المطول‭ ‬تجده‭ ‬يحمل‭ ‬أطراف‭ ‬اللعبة‭ ‬التى‭ ‬أدمنتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مسئولية‭ ‬الانفجار‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ويطالب‭ ‬بإزاحتهم‭ ‬لأنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ "‬السلام‭ "‬‭.‬

واشنطن‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تتابع‭ ‬لعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬فى‭ ‬سعادة‭ ‬وترعى‭ ‬أطرافها‭ ‬تتحرك‭ ‬الآن‭ ‬ضد‭ ‬نتنياهو‭ ‬وعصابته‭ ‬من‭ ‬المتطرفين‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬قيادات‭ ‬حماس‭ ‬فى‭ ‬قطر‭ ‬بأوامر‭ ‬منها‭ ‬وضوء‭ ‬أخضر‭ ‬إسرائيلى‭ ‬أصبح‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيه‭ ‬وتسرع‭ ‬إلى‭ ‬تواجد‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فى‭ ‬غزة‭ ‬بالميناء‭ ‬الذى‭ ‬تنشئه‭ ‬هناك‭ ‬باسم‭ "‬الإنسانية‭" ‬أو‭ ‬هو‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬المسمى‭  ‬الممر‭ ‬الاقتصادى‭ ‬الذى‭ ‬يربط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بأوروبا‭ ‬والهند‭ ‬لينافس‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬الصينية‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ " ‬السلام‭ " ‬ونغمة‭ "‬الإنسانية‭ " ‬التى‭ ‬تعزفها‭ ‬واشنطن،‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬المصالح‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬تتحدث‭ ‬فخصوم‭ ‬واشنطن‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬بكين‭ ‬يزحفون‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بهدوء‭ ‬وثقة‭ ‬لطردها‭ ‬منه‭ ‬و‭ ‬مشروع‭ ‬الممر‭ ‬الاقتصادى‭ ‬الذى‭ ‬تريد‭ ‬به‭ ‬استعادة‭ ‬نفوذها‭ ‬القديم‭ ‬مهدد‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬لعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬المفضلة‭ ‬الذين‭ ‬فلتوا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديها‭ ‬ويمارسون‭ ‬العنف‭ ‬والجنون‭ ‬دون‭ ‬سقف،‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالا‭ ‬آخر‭ ‬هل‭ ‬بالفعل‭ ‬استرجعت‭ ‬واشنطن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬ذاكرتها‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬نصائح‭ ‬الجنرال‭ ‬مارشال‭ ‬وغضبتها‭ ‬حقيقية‭ ‬؟‭ ‬الإجابة‭ ‬تظل‭ ‬معلقة‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬لعبتها‭ ‬الدموية‭ ‬انتهت‭ ‬وأطرافها‭ ‬أصبحوا‭ ‬غير‭ ‬صالحين‭ ‬للاستخدام‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬وضع‭ ‬دولى‭ ‬جديد‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭.‬


 

;