تزيد من حوادث الطرق وتدمر المحاصيل الزراعية| «الشبورة».. زائر الشتاء المُدمر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتبت: علا نافع

رؤية ضبابية تعوق حركة السيارات وقد تصيبها بشلل تام.. سائقون يحاولون تفادى المطبات وتحسس الطريق بحذر وحيطة تجنبًا لحوادث الطرق.. فلاحون ينتابهم الخوف من تلف محاصيلهم وإصابتها بالفطريات المدمرة.. أمهات يحاولن حماية أطفالهن من خطر رذاذ الجو كى لا يصابوا بأمراض الجهاز التنفسى المختلفة.. طائرات تغير مسارها وتهبط اضطراريا فى مطارات أخرى.. كل ما سبق سببه الشبورة التى تحاصر الأجواء المصرية فى الشتاء، فى هذا التحقيق تناقش «آخرساعة» مع بعض الخبراء تأثيرات هذه الظاهرة الجوية وكيفية الحد منها.

◄ مزعجة للأطفال ..وتكدر صفو مرضى الجهاز التنفسي

◄ ارتداء الكمامة يقلل من مخاطر استنشاق بخار الماء

◄ تزويد السيارة بمصباح لتحسين الرؤية.. وتفادى المطبات

◄ استخدام مواد فعالة لتجنب إصابة المحاصيل بالتعفن والفطريات

في فصل الشتاء، تحتل الشبورة السماء بداية من الفجر حتى بعد شروق الشمس بساعات قليلة، وقد لا تغادرها إلا فى ساعة الظهيرة، مما ينذر بطقس حار أو معتدل الحرارة، الملاحظ أيضًا أنه مع التغيرات الجوية المتزايدة فإن الشبورة باتت ظاهرة تتكرر يوما بعد يوم مما يزيد من خطر الحوادث المرورية وتكبد شركات الطيران خسائر كبرى، فضلا عن معاناة أصحاب الأمراض التنفسية والربو نتيجة استنشاق بخار الماء والرذاذ المتطاير. وهذا ما يجعل الجهات المعنية وعلى رأسها الإدارة العامة للمرور ووزارة الزراعة ترفع حالة الطوارئ لمواجهة الشبورة والحد من تأثيراتها الضارة.

◄ حوادث طرق
لا تتوقف حوادث الطرق عند تهديد حياة الناس مع انتشار الشبورة المائية فى الصباح، إما بسبب السرعة الزائدة للسائقين أو قيادتهم السيارات فى اتجاه مخالف مع تجاهل تعليمات الإدارة العامة للمرور بل وخرقها أحيانًا، فبعض السائقين يتجاوز السرعة المقررة ولا يكترث بمخاطر الشبورة، بهدف تحقيق أكبر قدر من الحمولات، فتجد سائقى الميكروباصات مثلًا يدخلون فى سباقات محمومة فيما بينهم، ورغم اعتراض بعض الركاب فإنهم يقابلون بتعنت شديد من السائقين، مما يجعلهم يشعرون بأن حياتهم باتت على كف عفريت.

ولعل الحادثة المروعة التى وقعت أخيرًا على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى خير دليل، إذ تسبب الحادث فى وفاة أكثر من 32 شخصًا وإصابة 60 آخرين، بعد اشتعال النيران وتصادم نحو 25 مركبة، بينها أتوبيسات وسيارات ملاكي، بخلاف إعاقة حركة السير على الطريق السريع، وكم من سائقين حصلوا على البراءة فى قضايا مرورية اعتمادًا على ظهور الشبورة الكثيفة وانعدام الرؤية.

الإدارة العامة للمرور تسارع بغلق الطرق الدولية والسريعة حال ظهور الشبورة، وتتخذ إجراءات مشددة لضبط السائقين الذين يتجاوزون السرعات المقررة، ولا يختلف وضع الطيران المدنى عن المرور، فالكثير من شركات الطيران تضطر لغلق مجالها الجوى أو تغيير مسار رحلاتها تفاديًا للحوادث، وقد يتم تأخير مواعيد إقلاع الطائرات، وهذا يكبدها خسائر مالية كبيرة، والأمر ذاته ينطبق على حركة السفن والأنشطة البحرية عمومًا.

◄ ظاهرة طبيعية 
وحيد سعودى، خبير الأرصاد الجوية، يقول: الشبورة إحدى الظواهر الطبيعية التي تظهر فى الخريف والشتاء مع الارتفاع الملحوظ فى نسبة الرطوبة وبخار الماء، وبالطبع فإن ضعف سرعات الرياح مع انخفاض درجات الحرارة فى النصف المتأخر من الليل وحتى طلوع الفجر يؤدي إلى كثافتها، وهذا بدءًا من الساعة الثالثة فجرًا حتى الثامنة صباحًا، وقد يمتد إلى فترة الظهيرة فى بعض الأحيان، مشيرًا إلى أنها تزيد على الطرق الزراعية والقريبة من المسطحات المائية.

وعن إمكانية تحول الشبورة إلى ضباب، يقول: تختلف الشبورة المائية عن الضباب، فهى عبارة عن كرات مائية بسيطة تتطاير فى الهواء حتى تستقر على أوراق الأشجار والمحاصيل الزراعية فى شكل نقاط مائية كبيرة، كما تعطى السماء لونا أبيض يجعل الرؤية المباشرة صعبة، إذ تنخفض الرؤية فيه لتصبح بين 1 و4 كيلومترات.

أما الضباب فينشأ نتيجة برودة الهواء بنسبة مرتفعة، خاصة إذا كان الجو مشبعًا بذرات من الرماد المتكثف، وهذا ما يفسر زيادة انتشاره فى المدن الصناعية الكبرى حول العالم، وأشهرها لندن المعروفة بـ«مدينة الضباب»، ولا يختفى إلا فى حال وجود منخفض جوى يثير الرياح، مؤكدًا أن الضباب قد يستمر لعدة أيام متتالية على عكس الشبورة التى تختفى مع سطوع أشعة الشمس ووجودها مرتبط باستقرار الأحوال الجوية.

ويشير خبير الأرصاد الجوية إلى أن ظاهرة الشبورة تتكرر يوميًا فى فصل الشتاء مع اختلاف درجة كثافتها، وعادة ما تكون محافظات الوجه البحرى والمدن الساحلية إضافة إلى مدن القناة الأكثر تعرضًا لها، وأقصى فترة تستمر بها الشبورة 12 ساعة، ويكون لها تأثيرات سلبية فى الكثير من القطاعات، خصوصًا حركة المرور والملاحة البحرية والجوية، وقطاع الزراعة حيث تسبب ضررًا للعديد من المحاصيل، بخلاف ارتفاع درجة الحرارة بشكل مفاجئ، مما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض الحساسية، لذا يجب الحرص على متابعة النشرات الجوية يوميًا واتباع نصائح الهيئة العامة للمرور ووزارة الزراعة لتفادى الآثار الضارة للشبورة.

وينصح سعودي بتجنب قيادة السيارة فى الساعات الأولى من الصباح، وإذا اضطر القائد لذلك، فإن عليه تزويد سيارته بمصباحٍ يساعد على توضيح الرؤية، وتفادى المطبات الخطرة، واستعمال مسّاحات الزجاج باستمرار للتخلص من الرذاذ المتطاير المتراكم على زجاج السيارة.

◄ تدمير المحاصيل
أما عن أضرار الشبورة على المحاصيل الزراعية، فيقول الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغيُّر المناخ بوزارة الزراعة: فى فصل الشتاء تستنفر الوزارة جهودها لمواجهة الشبورة التى تظهر فى أوقات متفرقة خلال فصل الشتاء وبداية الربيع نتيجة تكوُّن بخار الماء فى الغلاف الجوى مع سكون الرياح، مما يؤدى لإصابة بعض المحاصيل الزراعية بأمراض فطرية محبة للرطوبة، أشهرها «اللطعة المتأخرة» على البطاطس والطماطم، و«البياض الزغبى» فى شتلات البصل والثوم، و«اللطع الأرجوانية» فى البصل، و«العفن الرمادى» فى الفراولة، والأهم أن الشبورة تضعف قدرة النبات على معدلات الامتصاص بسبب انخفاض البخر وارتفاع الرطوبة الجوية، مما يتسبب فى حدوث ضعف عام فى معدل النمو، بالتالى نقص إنتاجية الفدان.

وينصح فهيم الفلاحين بضرورة الحفاظ على إضافة مركبى الفوليك أو نترات الماغنيسيوم فى مياه الرى، سواء بالغمر أو التنقيط، لضمان سريان العُصارة مع الحفاظ على معدل امتصاص النباتات للعناصر الغذائية بمعدلات طبيعية، لافتًا إلى ضرورة استخدام المواد الفعّالة مثل أكسيد الكلور النحاسى، والمانكوزيب، للتخلص من أمراض التعفن والفطريات.

أما عن تأثير الشبورة في أشجار الفاكهة، فيوضح أن مرض «العفن الهبابي» الذى يصيب أشجار الموالح هو الأخطر على الإطلاق، فمع غياب أشعة الشمس عن الأوراق يصعب عليها تحويل المركبات البسيطة التي تمتصها من التربة إلى غذاء للشجرة، مما يخفِّض الإنتاجية وقد يسبب موت الشجرة، مشيرًا إلى أن العلاج يكون عن طريق «التعفير الكبريتى» وهو عبارة عن مادة كبريتية على هيئة «باودر» تُرش على الأشجار لتسهيل امتصاص أكبر قدر من الضوء، وسهولة عملية التمثيل الغذائى فى أوراق النبات.

◄ أمراض الصدر 
وبوجه عام، فإن فصل الشتاء هو الأكثر خطرًا على مرضى الربو والحساسية، خصوصًا حال وجود الشبورة المائية التى تحتوى على نسبة كبيرة من بخار الماء، هكذا يقول الدكتور حسن خضر، أستاذ أمراض الجهاز التنفسى، موضحًا: يؤدى الرذاذ المتطاير فى الهواء إلى الشعور بالاختناق، وصعوبة القدرة على التنفس، مما يسبب ضيقًا شديدًا لمرضى الجيوب الأنفية والربو، بخلاف صعوبة البلع والشعور بتهيُّج العينين، وأحيانًا ينخفض ضغط الدم، وهذا يشكِّل خطرًا كبيرًا على القلب والأوعية الدموية.

يتابع: الأطفال أيضًا قد يصابون بالحساسية الموسمية والشعور بالحرقان فى الصدر، أو تهيُّج الأغشية المخاطية، والبعض ينتابه الصداع المزمن والدوار الذى يصاحبه قيء مستمر، خاصة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، لذا يجب على أولياء الأمور الحرص على متابعة النشرات الجوية وتجنب الخروج فى أوقات الصباح المبكر حتى تنقشع الشبورة.

وحول النصائح الطبية يقول: من المهم ارتداء الكمامة حيث تقلل من مخاطر استنشاق بخار الماء، كما تحمى الجيوب الأنفية من الرذاذ المتطاير الذى يعصف بأغشية الأنف، والأهم تجنب الخروج والبقاء فى المنازل عند وجودها مع استخدام بخاخات الأنف التى ترطب المجرى التنفسى وتقلل من تراكم الرذاذ المحمل بالغبار والأتربة.

◄ سلامة وأمان
أما الخبير المرورى أحمد الشاهد، فيشدد على ضرورة اتقاء شرور الشبورة المائية بالشتاء لأنها العدو الأول للسائقين: «على السائقين ضرورة خفض السرعة كى يتمكنوا من رؤية الطريق بوضوح مع إضاءة الأنوار العالية الأمامية وكذلك الخلفية المنخفضة لتنبيه المارة والسيارات بالطرق مع استعمال مساحات الزجاج بشكل دائم للتخلص من البخار والرذاذ المتراكم نتيجة الشبورة، فضلا عن آلة التنبيه من وقت لآخر»، لافتًا إلى ضرورة عدم الوقوف فى الطرق السريعة بشكل مفاجئ لأن ذلك يزيد من معدلات الحوادث.

ويضيف: يجب الالتزام بالسرعات المقررة فهو أساس الأمان وهو ما تحرص عليه الإدارة العامة للمرور فتتخذ إجراءات صارمة لمعاقبة متجاوزى السرعة وسحب رخصهم، وقد تقوم فى كثير من الأحيان بغلق الطرق لحين تلاشى الشبورة وسطوع الشمس.