ما قاله التاريخ عن أطماع الاستعمار في «البحر»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ ملف أعده: حسن حافظ

الهجوم الأمريكي البريطاني على اليمن، جاء ردا على هجمات جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا على إسرائيل والسفن المتجهة إليها عبر البحر الأحمر، كنوع من أنواع المؤازرة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض منذ أكتوبر الماضي لحرب إبادة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحظى بدعم أمريكى أوروبى فى ارتكاب جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
 

◄ التاريخ يفضح الدور البريطاني الأمريكي في تهديد أمن البحر الأحمر على مدار قرنين

◄ الهجوم الأمريكي البريطاني على اليمن استمرار لميراث استعماري في الممر التجاري

وأعاد الهجوم الأمريكي البريطاني التوتر إلى البحر الأحمر ذلك المعبر التجاري المهم الرابط بفضل قناة السويس المصرية بين الشرق والغرب، وأحد أبرز الممرات المائية فى اختصار زمن الرحلات التجارية، لذا تمر به نحو 2.5 تريليون دولار قيمة البضائع والسلع، أى بنسبة تبلغ 14% من حجم التجارة العالمية.

ودفعت التوترات بشركات الشحن للبحث عن بديل، بسبب مضاعفة تكلفة الخدمات التأمينية حال اتخاذ طريق البحر الأحمر، والمخاوف من استهداف قوات الحوثى للسفن المتوجهة إلى إسرائيل، فكان البديل البحث عن مسارات بديلة أطول وأكثر كلفة مثل الدوران حول أفريقيا والمعروف باسم رأس الرجاء الصالح، وعلى ما يبدو أن التوتر سيستمر إذ تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلى حملات الإبادة على الشعب الفلسطيني بدعم أمريكى أوروبى كامل، ما فجر موجة غضب فى أنحاء كثيرة من العالم الحر، وعبر عن نفسه فى غضبة الحوثيين باستخدام موقع اليمن فى استهداف المصالح الإسرائيلية.

◄ ميراث استعماري
التاريخ يفضح حقيقة الممارسات الأمريكية البريطانية، فالأمر لا علاقة له بالمبادئ أو القيم، بل إن وقائع التاريخ تثبت أن الأطماع الاستعمارية كانت المحرك الأساسى لتحركات بريطانيا الدولة الاستعمارية الأولى، ثم ربيبتها ووريثتها أمريكا، فعلى مدار قرون لم تنظر كل منهما للبحر الأحمر إلا نظرة استعمارية لا تهتم بحقوق الشعوب المطلة عليه، ولا تهتم أساسا إلا بمصالحها واستعادة الوقائع التاريخية هنا فاضح وكاشف لأطماع التحالف الأمريكى البريطانى التى لم تنته يوما فى موارد المنطقة.

محاولة دخول بريطانيا للبحر الأحمر تعود لبدايات القرن الـ17، وتحديدا عام 1609، بوصول سفنها لمرفأ عدن، لكن ظل الاهتمام البريطانى بالبحر الأحمر محدودا، حتى احتلت القوات الفرنسية مصر عام 1798، فشعرت بريطانيا بأهمية البحر الذى يمكن القوات الفرنسية من الوصول السريع للهند معقل الاستعمار البريطاني، بما يهدد مصالح لندن مباشرة، لذا عملت على طرد الفرنسيين من مصر، وهو ما تحقق بالفعل 1801، ولم تهدأ بريطانيا عندما سطع نجم محمد على باشا (1805- 1848) فى سماء الشرق، ورأت كيف تمدد نفوذه للجزيرة العربية فسيطر على شاطئ البحر الأحمر، وسيطر على السودان وميناء سواكن، وأصبح له يد طولى فى التجارة مع أفريقيا، لذا سارعت لاحتلال عدن 1839، وأدارت المؤامرات الدولية لهزيمة محمد على وإخراجه من الشام والجزيرة العربية. 

◄ القلب!
لكن اللحظة التى وضع فيها البحر الأحمر على مائدة الاستعمار الأوروبى كانت مع افتتاح قناة السويس للملاحة البحرية لأول مرة عام 1869، فتغيرت للأبد مكانة البحر الأحمر فى التجارة الدولية، إذ أصبح بين ليلة وضحاها فى قلب التجارة العالمية وحلقة الوصل بين الشرق والغرب، والممر الرئيسى الذى يربط الدول الاستعمارية فى غرب أوروبا بمستعمراتها فى آسيا، فتغير وزنه الاستراتيجى للأبد، هنا أصبح البحر الأحمر فى مرمى شهية الاستعمار البريطاني، فعملت لندن على احتواء أثر قناة السويس وتحويل فوائد المشروع للبنوك البريطانية، على أكثر من مستوى فساعدت فى دفع الخديو إسماعيل لخانة الإفلاس، ثم احتلت مصر عام 1882، فى الوقت نفسه عملت على تقسيم سلطنة البوسعيد التى كانت تسيطر من عمان على شرق أفريقيا وتمتلك أسطولا شديد الضخامة، فأصبحت الدولة دولتين، ما سمح لبريطانيا فى النهاية بالسيطرة على البحر الأحمر باعتباره الشريان البحرى الأهم الرابط بين التاج البريطانى والمستعمرات فى الهند.

ودافعت بريطانيا على تفوقها فى البحر الأحمر ضد الجميع سواء القوى المحلية المطلة على البحر، أو القوى الاستعمارية مثل فرنسا التى تواجدت فى الصومال وإيطاليا التى تواجدت فى إريتريا، وظلت بريطانيا صاحبة اليد الطولى فى البحر الأحمر حتى استقلال الهند وباكستان 1947، ثم استقلال مصر 1953، وجلاء بريطانيا عن قناة السويس 1956، ومع تراجعها صعد النفوذ الأمريكى سريعا باعتبارها القوى العظمى الجديدة فى العالم يصاحبها الاتحاد السوفيتي، وأصبح البحر الأحمر أحد ساحات الصراع الأمريكى السوفيتي، وسعت واشنطن سريعا عبر ذراعها الاستعمارى المتقدم «إسرائيل» عرقلة بناء قوة عربية بقيادة جمال عبد الناصر، الذى استطاع تضييق الخناق على الوجود الإسرائيلى فى البحر الأحمر، وبالتالى ضيق على المصالح الأمريكية، فكان أن جر إلى شرك الحرب فى يونيو 1967.

وبعد تصفية المشروع الناصرى فتحت أبواب البحر الأحمر أمام النفوذ الأمريكي، وركزت واشنطن فى العقود الأخيرة أهدافها على عدم قيام قوة موحدة فى جنوب البحر تستطيع أن تقف أمام النفوذ الأمريكى البريطاني، لذا تعددت أشكال التدخل الأمريكى فى اليمن ودول القرن الأفريقي، وأنشأت سريعا قاعدة عسكرية أمريكية فى جيبوتى منذ 2002، لتنضم إلى قاعدة عسكرية فرنسية منذ 1977، ثم أصبح البلد الصغير المطل على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، يضم القاعدة العسكرية الوحيدة للصين خارج حدودها، وأول قاعدة عسكرية خارجية لليابان منذ الحرب العالمية الثانية، فضلا عن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى أفريقيا كلها.

◄ ما أكثر اللاعبين!
وفى العقدين الأخيرين زاد عدد اللاعبين فى جنوب البحر الأحمر الذى تحول لساحة صراع دولى وإقليمي، فإثيوبيا الدولة الكبيرة فى منطقة القرن الأفريقى لكنها دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا 1991، لذا سعت على الدوام للوصول لاتفاق مع أى دولة ساحلية مجاورة للحصول على منفذ يطل على البحر الأحمر، بينما أدت الحروب الأهلية فى الصومال لخروج هذا البلد الكبير من حلبة الصراع، ولا ننسى أن أمريكا تتدخل عسكريا بشكل أو بآخر فى الصومال منذ 1992، بهدف استمرار الفوضى والانقسام فى هذا البلد صاحب الموقع الاستراتيجي.

وزاد الطين بلة دخول إيران حلبة الصراع على البحر الأحمر، فملالى طهران الذى يمتلك مفتاح الخليج الفارسي، مضيق هرمز، مد بصره للمنفذ الجنوبى للبحر الأحمر، أى مضيق باب المندب، مع وصول ميليشيات الحوثى للحكم فى اليمن منذ 2014، فأصبح لطهران مقعد يطل على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، الأمر الذى تستخدمه كورقة ضغط فى مفاوضاتها مع أمريكا بخصوص ملفها النووي، ما ولّد بؤرة صراع جديد بين إيران والجماعات التابعة لها وبين الولايات المتحدة وذراعها فى المنطقة إسرائيل، حتى وصلنا للمشهد الحالى الذى يبشر بفصل جديد من الصراع الذى يهدد بمضاعفة حجم الأزمة الاقتصادية على مستوى العالم وإشعال صراع إقليمى لا يعرف أحد أين سيقف إذا اندلع.

◄ الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للبحر الأحمر

2.5 تريليون جنيه حجم السلع والبضائع التي تمر عبره.
14 % حجم التجارة العالمية التي تمر عبره سنوياً. 
1.3 % تراجعا فوريا بحجم التجارة العالمية بسبب الأزمة الأخيرة.
100 % نسبة تجارة الحاويات بين آسيا وأوروبا التي تعبر البحر الأحمر.
 

يمكن لاستخدامه أن يختصر 3700 ميل بحري لرحلة من سنغافورة إلى جبل طارق.
باب المندب: المدخل الجنوبي له ونقطة الوصل مع بحر العرب والمحيط الهندي.
جزيرة بريم: تتبع اليمن وتقع بمدخل
«باب المندب» وتعد نقطة استراتيجية للسيطرة على حركة الملاحة.
90 % من سواحل البحر الأحمر تمتد داخل البلاد العربية.