تحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية ، بعيد الغطاس المجيد " عيد الظهور الإلهى " الذى يُعد هو ثالث الأعياد السيدية الكبرى .
لذلك في هذه المناسبة المباركة ، أهنئكم تهنئة قلبية ، بهذا العيد المبارك ، طالباً لكم فيه من الله ، ولكنيستنا المقدسة ، ولوطننا العزيز مصر ، قيادةً وشعباً ، ولمنطقة الشرق الأوسط ، وخاصةً الدول الشقيقة المجاورة لنا ، وهى فلسطين والسودان وليبيا ، وللعالم أجمع ، كل بركة وسلام , وخير وتقدم .
أما عن حديثنا , في هذا العيد ، فهو عن : المسيح جاء , نوراً للعالم .
وهذا ما جاء في إنجيل القديس متى ( مت 4 : 16 ) ، فنجده يقول : (( الشعب الجالس في الظلمة ، أبصر نوراً عظيماً ، والجالسون في الكورة ، وظلال الموت ، أشرق عليهم نورٌ )) .
فمن هنا لُقب عيد الغطاس المجيد ، بعيد الأنوار ، وذلك لأن المسيح جاء , نوراً للعالم .
أولاً – في بداية حديثنا , عن طبيعة الله أنها هى نور ، وليس فيه ظلمة البتة :
ويؤكد على هذه الصفة ، القديس يوحنا الرسول ، في رسالته الأولى ، فيقول : (( إن الله نورٌ ، وليس فيه ظلمةٌ البتة )) ( 1 يو 5 : 7 ) . وكذلك القديس يعقوب الرسول , يتكلم عن الله بأنه (( أبو الأنوار )) ( يع1 : 17 )
1- فطبيعة الله نورانية ذاتية ، غير مستمدة من أحد .
لأن النور , صفة غير محدودة في الله ، يفيض من نوره ، أو يعطى من نوره , لكل مَن يُقبل إليه ويطلب .
2- ومع ذلك ، النور في الله , ليس هو صفة زمنية يتصف بها ، بل هي صفة أزلية فيه , غير محددة بزمن معين .
3- من جانب آخر ، النور كما أنه هو صفة أزلية في الله ، فهو أيضاً صفة دائمة أبدية , ثابتة مستمرة , لا تتوقف على الإطلاق .
ثانياً – دُعى السيد المسيح , في الكتاب المقدس ، بشمس البر ( ملا 4 : 2 ) ، وبكوكب الصبح المنير ( رؤ 22 : 16 ) ، ونور العالم ( يو 8 : 12 ) :
1- ولنبدأ في حديثنا في هذا الجانب ، بذكر نبوءة إشعياء النبى عن المسيح , بأنه نور العالم ، وذلك قبل أن يتجسد .
ويتضح لنا هذا من قوله : (( الشعب السالك في الظلمة ، أبصر نوراً عظيماً ، الجالسون في أرض ظلال الموت ، أشرق عليهم نور )) ( إش 9 : 2 ) .
وتحققت هذه النبوءة ، بالبشارة والحبل , وولادة السيد المسيح , من السيدة العذراء مريم ، بواسطة الروح القدس : (( الشعب الجالس في ظلمةٍ ، أبصر نوراً عظيماً ، والجالسون في كورة الموت وظلاله ، أشرق عليهم نورٌ )) ( مت 4 : 16 ) .
2- ننتقل إلى شهادة المسيح لنفسه ، بأنه هو نور العالم .
وهذا يتضح , مما علَّم به المسيح ، قائلاً : (( أنا هو نور العالم ، مَن يتبعنى فلا يمشى في الظلمة ، بل يكون له نور الحياة )) ( يو 8 : 12 ) ، ( يو 9 : 5 ) .
ويؤكد على هذا , في موضع آخر ، قائلاً : (( أنا جئت نوراً للعالم ، حتى أن كل من يؤمن بى ، لا يمكث في الظلمة )) ( يو 12 : 46 ) .
3- من جانب آخر ، شهد الآباء الرسل للسيد المسيح ، بأنه مصدر الحياة والنور .
وهذا يتضح ، من شهادة القديس يوحنا الإنجيلى له بقوله : ( فيه كانت الحياة ، والحياة كانت نور الناس والنور يضىء في الظلمة ، والظلمة لم تدركه ) ( يو 1 : 4 ، 5 ) .
ثالثاً – ننتقل إلى جانب هام ، وهو كيفية الاستفادة من المسيح , نور العالم؟!
هناك جوانب روحية عديدة من خلالها يستطيع الإنسان أن يستفيد من المسيح نور العالم .
1- وفى مقدمتها ، تلبية دعوة المسيح للإنسان , إلى نوره العجيب .
فهو يدعو جميع الناس إليه ، وإلى نوره , وكل مَن يُقبل إليه ، لا يرفضه ، بل يقبله ، كما قال بفمه الطاهر : (( من يُقبل إلى ، لا أخرجه خارجاً )) ( يو 6 : 37 ) .
2- فهو يأمر بالكرازة بالإيمان بالمسيح .
لكى يستفيدوا من نعمه الإلهية ، ولذا أوصى تلاميذه القديسين ، قائلاً لهم : (( اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل , للخليقة كلها )) ( مر 16 : 15 ) .
والهدف من الكرازة بالإنجيل للخليقة كلها ، لكى يستفيد مَن يؤمنون بنعم المسيح ، ويتمتعون بنوره الإلهى في النعم , التي يحصلون عليها , من خلال الكنيسة .
ولذا قال المسيح : (( أنا هو نور العالم ، من يتبعنى فلا يمشى في الظلمة ، بل يكون له نور الحياة )) ( يو 8 : 12 ) ، ( يو 12 : 46 ) .
فقبول الإنسان للإيمان بالمسيح ، من خلال كنيسة مستقيمة الإيمان والعقائد ، ينقله من ظلمة الخطية، إلى نور الإيمان بالمسيح ، ويجعله من أتباع المسيح ، وخاصته وتلاميذه , وأحبائه وأبنائه : (( ما دام لكم النور ، آمنوا بالنور ، لتصيروا أبناء النور )) ( يو 12 : 36 ) .
4- ننتقل إلى أهمية نوال سر العماد للإنسان ، للاستفادة من نور المسيح ، الذى في هذا السر .
إننا لا ننكر دور الإيمان بالمسيح , في قبول نوره , إلا أن الإيمان وهو يعد كمطلب أولى ، ولكن بمفرده ليس كافياً ، بل يعوز المؤمن أن ينال سر المعمودية بعد ذلك , لكى يتمتع بنعم ونور المسيح , الذى في هذا السر ، ويولد ولادة ثانية , من الماء والروح .
ويتضح لنا هذا , من قول الرب : (( مَن آمن واعتمد خلص ، ومَن لم يؤمن يُدن ))( مر 16 : 16 ).
مع مراعاة أن تكون المعمودية ، شرعية وصحيحة ، وذلك من خلال كنيسة , صاحبة الإيمان المستقيم , وثابتة عليه ، وكهنوت شرعى , مستمد من كهنوت وخلافة رسولية ، ويكون سلطان الكهنوت سارياً ، أي يجب أن لا يكون مَن يحمل الكهنوت , موقوفاً أو مقطوعاً , من رئاسته الكهنوتية .
إننا لا ننكر , بأن الإنسان بالرغم من قبوله لسر المعمودية وعطاياه ، إلا أن هذا لا يعصمه من الخطايا الفعلية فيما بعد ، لذلك يعوزه الرجوع لله , بواسطة سر التوبة والاعتراف .
5- ننتقل إلى جانب هام ، يساعدنا على الاستفادة من نور المسيح ، وذلك من خلال معرفة كلمة الله ، والعمل بها ، التي جاءت في الكتاب المقدس , والتقليد بكل جوانبه .
بالتالى يجب علينا , أن يكون سلوكنا وأفعالنا وخدمتنا , بمثابة أنوار ، تنير للآخرين , كما قال رب المجد : (( فليضىء نوركم هكذا قدام الناس ، لكى يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم , الذى في السماوات )) ( مت 5 : 16 ) .
6- نختم حديثنا , عن دور القديسين وسيرهم ، وذلك للتعلم منهم , للاستفادة من نعم المسيح ونوره , التى عملت فى حياتهم .
عملاً بوصية الرب القائلة : (( اذكروا مرشديكم , الذين كلموكم بكلمة الله ، انظروا إلى نهاية سيرتهم , فتمثلوا بإيمانهم )) ( عب 13 : 7 ) .
وكل عام وجميعكم , بخير وسلام .
الأنبا أغاثون
أسقف مغاغة والعدوة
ورئيس رابطة خريجى الكلية الإكليريكية