«الدستورية العليا» تحتفل بمرور 10 أعوام على دستور 2014

المستشار بولس فهمى يستعرض 20 مبدأ قضائيًا لحماية الحقوق

المستشار بولس فهمى وقضاة المحكمة الدستورية العليا خلال احتفال بمرور ١٠ سنوات على دستور 2014
المستشار بولس فهمى وقضاة المحكمة الدستورية العليا خلال احتفال بمرور ١٠ سنوات على دستور 2014

المستشار طارق شبل: الرقابة الدستورية تجاوز قضاؤها حدود مصر

عقدت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار بولس فهمى إسكندر، رئيس المحكمة، مؤتمرًا صحفيًا عالميًا بعنوان «قضاء المحكمة الدستورية العليا فى ضوء المستحدث من أحكام دستور ٢٠١٤»، والذى يأتى احتفالًا بمرور عشرة أعوام على صدور دستور ٢٠١٤.

بدأ المؤتمر بكلمة المستشار الدكتور طارق شبل المتحدث باسم المحكمة الدستورية نائب رئيس المحكمة، حيث قال: لقد حرص المشرع الدستورى المصرى، منذ صدور دستور 1971، وحتى دُستورنا الحالى، الصادر فى 18 يناير 2014، على النص على المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها جهة قضائية مستقلة، قائمة بذاتها، مبينًا اختصاصاتها.

فحددت الفقرة الأولى، من المادة «192» من الدستور الحالى، تلك الاختصاصات على سبيل الحصر، فى ستة اختصاصات، تتمثل فى الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.

وكذلك فى تفسير النصوص التشريعية، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، والفصل فى تنازع الاختصاص، بين جهات القضاء، والهيئات ذات الاختصاص القضائى، والفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين، متناقضين، صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والآخر من جهة أخرى منها. وكذا الفصل فى المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها.

وأضاف أن الرقابة التى تباشرها المحكمة، مردُها وأساسُها، مبدأ سمو الدستور، باعتباره القانون الأساسى الأعلى، الذى يُرسى القواعد والأصول، التى يقوم عليها نظام الحكم. وهذه الرقابة الدستورية، لم تكن أبدًا، محض شعار يتشح به الوطن، وتزدان به الجماعة، إنما هى حقيقة وواقع، استقر فى وجدان الأمة وضمير الشعب. بل جاوز قضاؤها، بمضمونه، حدود الإقليم المصرى، وصار لافتًا بأهميته، أنظار كثيرين من رجال الفقه الدستورى، فى الدول الغربية. فها هــو الفقيه الأمريكى «ناثان براون»، الأستاذ بجامعة جورج واشنطون، قد ذهب فى مؤلفـــــه، «القاعدةُ القانونيةُ فى العالم العربى»، إلى أن: المحكمة الدستورية العليا المصرية، بالنظر إلى هيكلها وولايتها، وكيفية تشكيلها، أثبتت قُدرتها أكثر من أية جهة قضائية غيرها، على أن تطور مداخل متماسكة، لمواجهة كل المسائل الدستورية الأساسية، التى تواجه بلدها.

وأشار إلى أن قضاء هذه المحكمة، لم يكن نتاج لحظة خلق متكامل من عدم، وإنما نتاج تطور، مرت خلاله بمراحل مختلفة، حتى استوائه على ما هو عليه الآن. فما بدأه النُخبة من صفوة قضاتها السابقين، الذين كان لعطائهم وإسهامهم، فضل ما شادوه من أحكام، هو الأساس الذى تم البناء عليه، وسار عليه قضاتها الحاليون، فاتصلوا جيلاً بعد جيل، متخذين الحق منسكًا، والعدل شرعةً ومنهاجًا.

وأضاف: ها نحن اليوم، وقد أكملنا عامنا العاشر، على صدور دستور 2014، كان لزامًا على المحكمة، أن تبين للمصريين جميعًا، ما خطته من أحكام، ووضعته من مبادئ دستورية، أرست به المستحدث من نصوص ذلك الدستور، حمايةً لحقوق وحريات المصريين، ودعمًا لسيادة القانون، وتأكيدًا على المقومات الأساسية للمجتمع المصرى.

من ناحية أخرى.. قال المستشار بولس فهمى إسكندر رئيس المحكمة الدستورية العليا إنه فى تاريخِ الأُممِ أيامٌ مشهودةٌ يُحتفَى بها، وَلا رَيْبَ أَنَّ صدورَ دستورِ البلادِ فى الثامنَ عشرَ مِنْ ينايرَ سنةَ 2014، أَحَدُ هذهِ الأيامِ، وإنهُ لا يَعْزُبُ عَن نظرٍ، أنَّ الدستورَ القائمَ هُوَ العقدُ الاجتماعيُّ، الذى ارتضاهُ الشعبُ المصريُّ الأبيُّ، فاستَظَلَّ بأحكامِهِ، وتَمَسَّكَ بمبادِئِه، فصارتْ إرادةُ الشعبِ أمرًا مقضيًّا، تلتزُمُه المحكمةُ الدستوريةُ العليا فى قضائِها، وتتخذُهُ نِبراسًا لأحكامِها، وتَعمَلُ على إِدراكِ التوازنِ بينَ نصوصِ الدستورِ.

لتحققَ بذلكَ وحدةً عضويةً متماسكةً بينَ أحكامِهِ، فحقوقُ وحرياتُ المواطنينَ تلتئمُ معَ واجباتهِم العامةِ، وهويةِ الدولةِ المصريةِ بُمقوماتِها الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ، يعملُ على توكيدِها نظامُ الحكمِ بسلطاتِه الثلاثِ، والقواتُ المسلحةُ والشرطةُ والمجالسُ القوميةُ والهيئاتُ المستقلةُ والأجهزةُ الرقابيةُ تباشرُ اختصاصاتِها التى كَفَلَهَا الدستورُ، منضبطةً فى ممارستِها بالحدودِ التى انتظمَها بابُ سيادةِ القانونِ.

وعطفًا على ما تَقَدَمَ، فلقَدْ كانَ لِحرِصِ القيادةِ السياسيةِ وَوَعِيها بأهميةِ إعلاءِ القيمِ الدستوريةِ، وتعميقِ مبادئِ الدولةِ القانونيةِ، ودعمِها لإعلامِ الداخلِ والخارجِ، باستواءِ الدولةِ المصريةِ على مدارجِ الشرعيةِ الدستوريةِ، أثرُهُ الأكيدُ فى إلهامِ الجمعيةِ العامةِ للمحكمةِ الدستوريةِ العليا، بتفويضِى لأُحَدثَكم حَديثًا موثقًا، عنْ تفعيلِ وإنفاذِ أحكامِ وقراراتِ هذهِ المحكمةِ، للمبادئِ الِتى استحدَثَتْها الوثيقةُ الدستوريةُ القائمةُ، التِى تقبلُ دومًا تطويرًا وتعديلًا، يتوافقُ معَ اعتبارِها وثيقةً تقدميةً تسعَى لتحقيقِ المصلحةِ الفضلَى للدولةِ والمواطنِ معًا.

وفى سياقٍ متصلٍ، فإنَّا نزجِى أفضلَ عباراتِ الشكرِ، وعظيمَ كلماتِ التقديرِ، لرؤساءِ هذهِ المحكمةِ وجميعِ أعضائِها، مِمَنْ اكتملَ عطاؤُهُم، أولئكَ الذينَ سَطَّروا بِوُجدانِهم، أحكامًا وقراراتً، تتماهَى معَ المبادئِ المستحدثةِ فى دستورِ سنةِ 2014.

وإذْ أخصُّ بالشكر رؤساءَ المحكمةِ السابقينَ، الذينَ تولَّوْا المسئوليةَ فى ظلِّ العملِ بالدستورِ القائمِ، المستشاريَن الأجِلَّاءَ عدلى منصور، وعبدالوهاب عبدالرازق، ود. حنفى جبالى، والمغفورَ لهُ سعيد مرعى -مذكورينَ بحسبِ ترتيبِ رئاستِهم للمحكمةِ- فإنَّ شُكرِى مخاطبٌ بِهِ -جزمًا ويقينًا- جميعُ المستشارينَ أعضاءِ المحكمةِ الذينَ شاركوهُم إصدارِ الأحكامِ والقراراتِ التى أَنَفَذتْ المبادئَ الدستوريةَ المستحدثةَ.

وأضاف أنَّ المحكمةَ الدستورية العليا لا تَعْرِضُ لنصوصِ الدستورِ، مجردةً عنْ رقابتهِا القضائيةِ علَى دستوريةِ القوانينِ واللوائحِ، ومن ثم فإن قضاءِ هذهِ المحكمةِ فى شأنِ المبادئِ الدستوريةِ المستحدثةِ، سيقتصرُ بالضرورةِ على ما عُرِضَ مِنها علَى المحكمةِ، ولا يمتدُّ إلى ما لم يُعَرضْ عليها بَعدُ.

هذا وقدْ استخلصَتْ المحكمةُ منْ الأحكام الدستوريةٍ المستحدثةٍ عدة مبادئ، أعملتها على الدعاوَى والطلباتِ المعروضةِ عليها، نعرض منها عشرينَ مبدأً، فى إشارةٍ موجزةٍ لكل منها مثل الفصلُ بينَ سلطاتِ الدولةِ يتكاملُ معَ التوازنِ بينَها نصَّتْ على هذا المبدِأ المادةُ الخامسةُ من الدستورِ.

وفى إطاره قضت المحكمةُ الدستوريةُ العليا بعدمِ قبولِ الدعوى المحالةِ، طعناً على دستوريةِ قرارِ مجلسِ النوابِ رقمِ 1 لسنةِ 2016، بعدمِ الموافقةِ على قرارِ رئيسِ الجمهوريةِ بالقانونِ رقمِ 18 لسنةِ 2015 بشأنِ الخدمةِ المدنيةِ، مع اعتمادِ نفاذهِ خلالَ الفترةِ منْ تاريخِ العملِ بهِ حتى العشرينَ مْن ينايرَ سنةَ 2016.
وأوضح أن المحكمةُ أستدنت فى قضائِها إلى أنَّ ذلكَ القرارَ لا يُعدُّ فى ذاتِهِ عَمَلًا تشريعيًّا يخضعُ لرقابةِ المحكمةِ الدستوريةِ العليا، إنما هوَ عملٌ برلمانيٌّ يتولاهُ مجلسُ النوابِ، فى نطاقِ اختصاصٍ محجوزٍ للمجلسِ بتقديرِ عدمِ ملاءمةِ إصدارِ التشريعِ، وقصرِ اعتمادِ نفاذهِ خلال الفترةِ السابقةِ على قرارِ مجلسِ النوابِ المشارِ إليهِ. ومنْ ثَّم، تكونُ سُلُطُات الدولةِ مُمثلةً فى رئيسِ الجمهوريةِ ومجلسِ النوابِ والمحكمةِ الدستوريةِ العلياِ، قدْ استقلَّ كٌّل مِنها بمباشرةِ اختصاصهِ المحددِ دستوريًّا، فى مواجهةِ تشريعٍ بذاتِهِ، كأثرٍ مِن آثارِ التوازنِ بيَن هذهِ السُلُطاتِ.

الدعوى رقم 86 لسنة 38 قضائية «دستورية» بجلسة 2/7/2022

وقال إن المحكمة أقرت المساواة بين المرأة والرجل فى تولى الوظائف العامة وعلى ضوئه قضَتْ المحكمةُ برفضِ الدعَوى المقامةِ طعنًا على دستوريةِ النصِّ المنظمِ لتشكيلِ محكمةِ الأسرةِ، فيما تضمنَهُ مِنْ أنْ يكونَ أحدُ الخبيريَنِ المعينَينِ بتشكيلِ محكمةِ الأسرةِ «على الأقّلِ» منَ النساءِ. وتأسسَ قضاءُ هذه المحكمةِ على سندٍ من أنَّ النصَّ المطعونَ فيهِ شُيدَ على قاعدةٍ موضوعيةٍ، مُؤداها: أنَّ منازعاتِ الأسرةِ تدورُ فى غالبِها الأَعَمِّ حولَ النساءِ والأطفالِ، فيكونُ تمثيلُ المرأةِ كخبيرٍ فى تشكيلِ المحكمةِ التى تنظرُ تلكَ المنازعاتِ قائمًا على أسس مبررة، توخى بها المشرع تحقيق مصلحة مشروعة، بما يكون لهُ سندٌ منَ النصِّ الدستورى المارِ ذكُره.

أما حكم حقُ المواطنينَ فى شغلِ الوظائفِ العامةِ علَى أساسِ الكفاءةِ دون مُحاباةٍ فقد قرِّرَتْ هذا المبدأَ المادُة الرابعةَ عشرةَ مِنَ الدستورِ.

وبِناءً على هذا المبدأ قَضَتْ المحكمةُ بعدمِ دستوريةِ تشريعٍ يقررُ أفضليةً خاصةً لأبناءِ العاملينَ فى الجهةِ التى يحكمُها ذلكَ التشريعُ بالتعيينِ فيها.

وقال إن المحكمة قضت بتكريم شهداءِ الوطن وعلى هديه قَضت المحكمةُ بعدمِ دستوريةِ نصٍّ تشريعيٍّ يحظر جمعَ الأمِّ بين المعاشِ المستحقِ لها عَنْ وفاةِ ابنِها الشهيدِ أثناءَ أدائِهِ الخدمةَ العسكريةَ، والمعاشِ المستحقِ لَها عَنْ زوجِها.

وعن حكم توفير المناخِ الجاذبِ للاستثمارِ فقد نص على هذا المبدِأ المادةُ الثامنُة والعشرون من الدستورِ قَضَتْ المحكمةُ برفضِ الدعوى المقامة طعنًا على دستوريةِ قانونِ تنظيمِ بعضِ إجراءاتِ الطعنِ على عقودِ الدولةِ. وَتَسَانَدَتْ فى قضائِها إلى أنَّ الاستثمارَ بوصفِهِ قاطرةَ التنميةِ الاقتصاديةِ، يتسعُ لمساهمةِ الوحداتِ الإنتاجيةِ للدولةِ وللقطاعِ الخاصِّ، بما مؤداهُ أنَّ لِكّلٍ مِنَ الاستثمارَينِ العامِ والخاصِّ دَوْرَه فى التنميةِ.

أما عن تحفيز القطاعِ الخاص فقد انتَظَم هذا المبدأَ فى المادة السادسة والثلاثين من الدستورِ. وبِناءً على هذا المبدأ قَضَتْ المحكمةُ برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستوريةِ تشريعٍ يُلزِمُ المنشآتِ الخاضعةَ لأحكامِه بسدادِ نسبةِ 1٪ من صافى أرباحِها لصالحِ صندوقِ تمويلِ تدريبِ وتأهيلِ العاملين بالقطاعِ الخاص.
وبخصوص حماية الكرامة الإنسانيةِ أوضحَت المحكمة هذا المبدأ فى المادة الحادية والخمسين من الدستورِ.