اختيار عميد الآثاريين شخصية الدورة 55 لمعرض الكتاب الدولي| صور

عميد الآثاريين
عميد الآثاريين

تاريخ عميق من الإبداع والتلاقى الحضارى وتبادل الثقافات على أرض الحضارات ساهمت فيه مصر فى تعليم الإنسانية بأسرها المعارف والعلوم، فهى أرض أول من خط بالقلم نبى الله إدريس والذى كتب بالخط المصرى القديم.

وأكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، أن مصر انفردت بأول كتابة فى التاريخ، وكان من المعتقد أن الكتابة المسمارية بالعراق أقدم كتابة وتاريخها 3000 قبل الميلاد.

ولكن بعد أن كشفت بعثة آثار المعهد الألماني للآثار بالقاهرة برئاسة "جونتر دراير" عام 1988 تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار عن اللوحات العاجية بمقبرة الملك العقرب الأول فى أم الجعاب بأبيدوس الذى يرجع تاريخها إلى 3200 قبل الميلاد أصبحت الكتابة المصرية هى الأولى والمسمارية الثانية، هذا علاوة على الأبجدية السينائية أو البروتوسينائية التى تعود إلى عام 1500 ق.م عصر الدولة الحديثة والذى نقلها الكنعانيون إليهم وكانت الأصل في اختراع الأبجدية الفينيقية الذى نشأت منها كل لغات العالم الشرقية والغربية.

جامعة أون فى مصر القديمة

وأضاف الدكتور ريحان أن جامعة أون فى مصر القديمة وهى «بيت الحياة» كما أطلقوا عليها، هى أقدم جامعة عرفتها الإنسانية تأسست منذ 5000 عام، من أشهر أساتذتها إيمحتب أول وأعظم مهندس معماري في التاريخ شيد أقدم بناء حجرى "هرم زوسر" وهو أيضًا أعظم طبيب فى مصر القديمة، ومن تلاميذها نبى الله موسى الذى تعلم بها تعليمًا راقيًا، وأفلاطون الفيلسوف اليونانى العظيم، وفشل فى اختبار قبولها من عظمتها العالم الكبير فيثاغورس فالتحق بجامعة «منف» نظرًا  لقربها من «أون»، وقد أهدت هذه الجامعة إلى العالم أقدم تقويم عرفته البشرية وهو التقويم المصرى القديم "التقويم الشمسى" وكان العلم فى مصر القديمة كالماء والهواء لكل أبناء الشعب دون تفرقة.

ونوه الدكتور ريحان إلى أن مصر صاحبة أول مكتبة حكومية عامة عرفت في التاريخ وهى مكتبة الإسكندرية التى أنشئت فى أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وضمت 700 ألف مجلد بما في ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو، وجمعت بين كتب وعلوم الحضارتين المصرية القديمة والإغريقية وبها حدث المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بعلوم الشرق وعلوم الغرب، وكانت في معقل العلم ومعقل البردي وأدوات كتابة مصر، حيث جمع بها ما كان في مكتبات المعابد المصرية وما حوت من علم جامعة أون، وكان العلم  بها من أجل البشرية فالعالم الزائر لها أو الدارس بها لا يسأل إلا عن علمه لا عن دينه ولا قوميته.

وأشاد الدكتور ريحان باختيار الجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55 باختيار الدكتور سليم حسن أبو الآثاريين وعميد الآثاريين شخصية هذا العام مما ينم عن تقدير لدور مصر الحضارى وشخصياتها التى أسهمت فى تأسيس وتأصيل علم المصريات باللغة العربية، كما أنه تقدير خاص لكل الآثاريين فى مصر ودورهم فى تعزيز الهوية والانتماء لهذا الوطن.

وأوضح أن سليم حسن مثالًا للعالم الوطنى الذى عشق مهنة الآثار وأصر على العمل بها فى خضم سيطرة الأجانب القوية عليها فى ذلك الوقت، وقبل التحدى مما دفع أحمد شفيق باشا وزير الأشغال علي تعيين مصريين فى المتحف المصرى مع الفرنسويين منذ عام 1921 وكان منهم سليم حسن.

والخطوة الثانية حين أول احتكاك له بالغرب عام 1922 ومشاهدة آثارنا المنهوبة بمتاحف بريطانيا وفرنسا وألمانيا خاصة حجر رشيد بالمتحف البريطانى ورأس نفرتيتى بمتحف برلين عاد إلى مصر ليكتب العديد من المقالات الصحفية تحت عنوان (الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية) كشف فيها عن السرقة والنهب الذي يحدث للآثار المصرية، وهو ثاني عالم آثار مصري يسهم في تأسيس علم المصريات باللغة العربية بعد أحمد كمال باشا .

وتابع الدكتور ريحان أن سليم حسن دفع تمنًا غاليًا لدوره الوطنى فى ظل سيطرة الأجانب وتحديهم له لنبوغه وتفوقه وتوليه مناصب فى الآثار لدرجة أن صحف بفرنسا خصصت مساحات للهجوم عليه، وحين عينه الملك فؤاد عام 1936 كأول مصرى يتولى منصب وكيل عام مصلحة الآثار، كانت وطنيته هى الغالبة على كل الأمور فرفض بقاء المجموعة الأثرية الخاصة للملك فؤاد فى قصر عابدين ونقلها إلى المتحف المصرى  مؤكدا أنها تراث ملكًا للشعب مما أثار عداوة الملك فاروق، ومن أجل ذلك خسر كل مناصبه فى المتحف المصرى وفى الجامعة وأقيل وعمره لا يتجاوز 46 عامًا، رغم خلفيته العلمية الكبيرة وجدارته فى هذه المناصب وإجادته اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

وكانت الإقالة سببًا فى أعظم إنجازات تركها العالم المصرى الأصيل سليم حسن، حيث أتاحت له فرصة للتفرغ للأبحاث والمؤلفات، فأنتج مدرسة علمية فى المصريات منها موسوعة مصر القديمة 18 جزء فى عام 1957، المجلد الأول عن عصر ما قبل التاريخ إلى نهاية العهد الإهناسى، الثاني عن مدنية مصر وثقافتها في الدولة القديمة والعهد الإهناسي، الثالث تاريخ الدولة الوسطى ومدنيتها وعلاقتها بالسودان والأقطار الأسيوية والعربية، الرابع عهد الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية، الخامس عن السيادة العالمية والتوحيد، السادس عن عصر رمسيس الثاني وقيام الإمبراطورية الثانية، السابع عن عصر مرنبتاح ورمسيس الثالث ولمحة في تاريخ ليبيا، الثامن عن نهاية عصر الرعامسة وقيام دولة الكهنة بطيبة في عهد الأسرة الواحدة والعشرين، و التاسع عن نهاية الأسرة الواحدة والعشرين وحكم دولة الليبيين لمصر.

والمجلد العاشر تاريخ السودان المقارن إلى أوائل عهد بعنخي، و الحادي عشر عن تاريخ مصر والسودان من أوائل عهد بعنخي حتى نهاية الأسرة الخامسة والعشرين ولمحة في تاريخ آشور، الثاني عشر عن عصر النهضة المصرية ولمحة في تاريخ الإغريق، الثالث عشر من العهد الفارسي إلى دخول الإسكندر الأكبر مصر، الرابع عشر عن الإسكندر الأكبر وبداية عهد البطالمة في مصر، الخامس عشر يحكي من أوائل عهد بطليموس الثاني إلى آخر عهد بطليموس الرابع، السادس عشر من عهد بطليموس الخامس إلى نهاية عهد بطليموس السابع، السابع عشرعن الأدب المصري القديم الجزء الأول في القصة والحكم والأمثال والتأملات والرسائل الأدبية، المجلد الثامن عشر عن الأدب المصري القديم الجزء الثاني في الشعر وفنونه والمسرح.

وأشار الدكتور ريحان إلى مؤلفات أخرى لعميد الآثاريين الدكتور سليم حسن شملت كتاب "أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني"، يتحدّث فيها عن 22 مُقاطَعةً في الوجه القبلي بصعيد مصر، و 20 مُقاطَعةً في الوجه البحري، حيث كانت الحدود بينها تُحدِّدها عناصرُ أساسية: طبيعية ودينية وسياسية، وكتاب حكمة المصريين القدماء، الأدب المصرى القديم جزئين، تاريخ الديانة المصرية، علاوة على ترجمة  كتاب «فجر الضمير» لهنري بريستيد، علاوة على كتبه باللغتين الفرنسية والإنجليزية .

وبعد قيام ثورة 1952 وعرفانا بمكانته العلمية وتقديرا لدوره الوطنى فى دعم الأثريين المصريين كلفته الدولة فى عام 1954 بإعداد دراسة عن آثار النوبة ومدى تأثرها بمشروع السد العالى وكيفية حمايتها والحفاظ عليها، وهى الدراسة التى تلقفها الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وقاد حملة دولية مع منظمة اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة، والآن تكرّم الجمهورية الجديدة ممثلة فى وزارة الثقافة هذه الشخصية العالمية حيث أنتخب سليم حسن عام 1960 عضوًا بالإجماع في أكاديمية نيويورك التي تضم أكثر من 1500 عالم من 75 دولة، وتذكّر الأجيال الجديدة بالرموز الوطنية لتجسّد القدوة الحقيقية لهم فى ظل الاستقطاب الفكرى عبر الشبكة العنكبوتية وتبرز قيمة الشخصية المصرية وتعزز من الانتماء القومى.