بيرم: غلبت أقطع تذاكر وشبعت يا رب غربة

بيرم التونسى يصنع لنفسه فنجان القهوة
بيرم التونسى يصنع لنفسه فنجان القهوة

غاب عنا شاعر الشعب وهرم الزجالين بيرم التونسى فى الخامس من يناير عام 1961 بعد حصوله على الجنسية المصرية بعام، 63 عاما مضت على رحيله ومازالت أزجاله يتردد صداها فى الوجدان، وبيرم من أكثر الزجالين القوميين المناضلين الذى كتب عن فلسطين العديد من القصائد والأغانى الزجلية ومنها أغنية «يا مجاهد فى سبيل الله» التى لحنها رياض السنباطى وشدت بها سعاد محمد عام 1948 ويقول فى جزء منها:


- «يا مجاهد فى سبيل الله.. ده اليوم اللى بنستناه.. طول يا بطل ما معانا سيوف..الدنيا ياما بكره تشوف.. احنا عرب اصلنا معروف.. فن الحرب احنا بدعناه.. يا مجاهد فى سبيل الله..كل حياتنا كفاح وجهاد.. شيء ورثينه عن الأجداد.. اللى سابوا لنا دول وبلاد.. فيها العز وفيها الجاه.. يا مجاهد فى سبيل الله».
وقد لخص عبقرى العامية المصرية أهم محطات حياته فى القصيدة التى يقول فيها:


«الأولة مصر قالوا تونسى ونفونى جزاة الخير وإحسانى.. والثانية تونس وفيها الأهل جحدونى وحتى الغير ما صافانى.. والتالتة باريس وفى باريس جهلونى وانا موليير فى زمانى»، ثلاث أبيات تختزل حياة موليير الشرق الذى يقول عنه الكاتب الساخر محمود السعدنى فى كتاب «مسافر بلا متاع»: «فى بداية حياتى الصحفية أكرمنى المولى العزيز بالجلوس فى حجرة واحدة مع العبقرى الخالد بيرم التونسى، وكان فى نظر جيلنا أسطورة من الأساطير، ولأن عمنا بيرم كان شعبيا وبسيطا فقد توطدت الصلة بيننا، وكان فى لحظات صفوه يحكى للعبد لله عن معاناته فى المنفى ودوخة «ينى» التى تعرض لها فى الغربة، والنصيحة الوحيدة التى أسداها للعبد الله، أن أهجر الأسلوب الساخر الذى أكتب به وأوصانى بإتباع الأسلوب الحنجورى بحيث تحمل المقالة عدة أوجه، تقرؤها فتتصور أنها هجاء، ويقرؤها غيرك فيتصور أنها مديح، كلام من نوع الشواشى العليا للبرجوازية، والشفق المذهق على قفا الأفق، كما يكتب السادة الحناجرة، أو كلام على طريقة السادة السناكحة نسبة إلى «سنكوح بن مزاحم» الذى كان واليا على ديوان الإنشاء للقائد أبرهة وكان عليه أن يكتب الرسائل والفرمانات بلغة يفهمها جميع البشر من روم ومن عرب وعجم وفرس وزنوج، فكان يكتب فى رسالته شيئا من شندبار يلوح فى السواهيلى ويكشف عن رجل ملم نشطل مكارف مظروم على خوشبى أمديد زغتى»!


ويقول السعدنى: «عمنا بيرم لم يأخذ حقه كما ينبغى، لأنه عندما بدأ يسترد بعض حقه كانت أيام الصحة والشباب قد ولت إلى غير رجعة، وأشهد أننى ما تعلمت فى حياتى من أحد بالقدر الذى تعلمت به منه، لم يبهرنى فنان مثله، ولم أتعرف على جغرافية المجتمع إلا من خلال كلماته، إنه يستحق وحده لقب فنان الشعب لأنه ظل يقاتل بقلمه كل القوى التى تحارب الناس».


ومن يتأمل «تغريبة» بيرم يدرك ما تحمله من غربة وظلم ونكران فى السطور التى يقول فيها:
«غلبت اقطع تذاكروشبعت يا رب غربة.. بين الشوط والبواخرومن بلادنا لأوروبا.. وقلت على الشام أسافر إياك ألاقيلى تربة.. فيها أجاور معاوية وأصبح حماية أمية.. جاورت قاسيون وجيرته توحش ولا فيهش حاجة.. وعزرائين انتظرته مجاش وجانى الخواجة.. نافخ وسايق امارته.. رجعت للبحر تانى مقهور وراجع فرنسا.. فى بقى طعم البودانى فاكره وأنا عمرى ما أنسى.. وإن رحت تونس كفانى عذاب أنا والتوانسة.. فى بورسعيد السفينة رست تفرغ وتملأ والبياعين حوطونا بكارت بوستال وعملة.. لكن بوليس المدينة متفوتش من جانبه نملة.. يا بورسعيد والله حسرة ولسه يا اسكندرية.. هتف لى هاتف وقال لى انزل ومن غير عزومة.. انزل ده ساعة تجلى فيها الشياطين فى نومه.. نطيت فى ستر المهيمن للشط يا حكمدارية.. وأقول لكم بالصراحة فى قليلة عشرين سنة فى السياحة.. بشوف مناظر جميلة ما شوفت يا قلبى راحة.. إلا لما شفت البراقع واللبدة والجلابية».