«إيقاع الأمواج».. قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

سيف المرواني
سيف المرواني

وقع أقدام تئن من الألم, وأحزان تقتل الأمل, أنين متواصل بسعال يقذف من خلاله حمم التعب, إحساس شارد, زمن لاهث يقبع خلف الأسوار, يصرخ بإيقاعه، يلقي نظرة علي ما حوله, أشياء متطايرة وأوراق متناثرة, وحروف مبعثرة. تضيع خطواته في الزحام, ركود السكون يخيم علي أيامه, ابتسامات باهتة تلاحقه, أصداء همس يتابعه يبحث عن مكان يستريح فيه.. يجوب الشوارع, يمسح الآهات, يترامى الي سمعه نغم حزين, يخدش إحساس الراحة, تخنقه العبرة, وتتساقط الدموع بانهمار. يطل عليه سؤال متي يكون اللقاء يتوقف..

يلتقط أنفاسه المتعبة يستريح من عناء اللحظة, يعاود الركض من جديد, يتجه صوب البحر, يقف علي اطرافه، صراع كبير بين أمواجه وأمواج البحر, ارتطام يحدث صدي يحطم الذاكرة, يغرق في واحة الوحل تلامس يداه ماء البحر، يسمع نشيداً قادما من أعماق البحر لرجل جاوز الستين يركب قاربه، يريد العودة الي الاستقرار.

وجهه يعلوه فرح وحزن متداخل، يقف القارب، ينقطع النشيد، نزل يحمل صيداً بين يديه، اختفي عن الأعين، ألاحقه أتتبع خطواته، شيء ما يشدني إليه، اندفع فجأة أحس بي والتفت نحوي وتوقف عن سيره وقال: ماذا وراءك؟

سؤال أصابني بالدهشة، صمت للحظات وجه نظراته إلي وقال: ما هذا الحزن الذي يملأ عينيك ؟

قلت : لا شئ .

قال: رد غير معقول لابد أن هناك شيئاُ ما في داخلك ؟

قلت: رحيل الشمس عن يومي , وامتداد السفر في صوتي , وحنين الشوق في واقعي , أمارس الهروب بشتى أشكاله وألوانه ابحث عن شئ ما يثيرني , يهدئ من خوفي , يرغمني علي السير في طرق الأمان والراحة في كل المساحات .. أشتاق لأن أكون بحاراً يحمل الأماني والآمال في داخله يجوب بها المحيطات ليرسو في موانئ الأمل , يبتعد عن ملامح الشرود , تغرد الأيام في واقعه , ويمسح الدمعة من علي خده , وتخضر بساتينه , وتنوع ثماره

 قال : تمهل ألديك الكثير من النزف ؟

قلت : نعم

قال : يا بني تحلي بالصبر والعزيمة , اطرق مسارات الأمل , أبحر عبر البسمة , ارسم لحياتك واقعا جميلا .. لا تدمر نفسك وأنت صغير في مستنقعات الهم , انطلق إلى ارتياد عالم الفرح ومساكن السعادة , وأسارير البهجة , ابحث عمن تشغل أعماقك , وتثير تفكيرك , وتمنح قلبك الحنان , كن مع الله دائماً استمد منه القوة .. لا تتراخى , تفاءل في كل لحظة من حياتك لأول مرة استسلم له موافقاً واستمتع بكلامه أحس أنه تمكن مني .

سألته من أنت ؟

قال : من عاش لحظات سعيدة وتعيسة بين الشقاء والحرمان , بين الفقر واليتم من أجل رعاية أخوتي, لكني لم اعرف اليأس أبدا, بل كنت دائما علي أمل . أما اسمي فهو محمد العبد فتم التعارف بيني وبينه وتوثقت العلاقات وأصبحت أعود عليه كلما احتجت إلى من يقف بجانبي . تواعدنا علي أمل اللقاء .

قمت أتمشى علي ساحل اليم .. لم أجد شيئاً ولعله خيال مر ببالي فاختفى في عباب البحر .

اقرأ أيضاً| «المضطر يركب الصعب» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم