«المضطر يركب الصعب» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

الكاتبة أميرة عبدالعظيم
الكاتبة أميرة عبدالعظيم

أشعر وكأن رأسي بداخلها زلزال يضرب بقوة، لا أستطيع التوقف عن التفكير.. أذهب إلى الفراش وأنا مُجهد جداً وأحاول أن أخلُد إلى النوم بعد عناء وتعب يوم شاق من العمل الدؤوب نهارا في المكتب كمدير حسابات صباحاً، ثم سائق تاكسي مساء، شتان بين الوظيفتين ولكن منظومة الحياة أن جُلّها تعب وشقاء.

حين يزور الحزن قلوبنا ويطيل الإقامة فيها لا نجد أنفسنا إلاّ مستسلمين إلى الفراش بشكل كامل والوسادة ممتلئة بشكل لا إرادي بالدموع… فنبدو كما المهزومين في معارك الحياة، إلا أن عيني تأبى أن تُغمض وعقلي مازال يلقي بوميض التفكير المدمر على طلبات الأولاد والبيت.

ابنتي طلبت  طلبت مني ثمن الكتب الخارجية، وعادل أخوها يريد  ثمن المذكرات، وأمهم تريد مصروف البيت رغم أنها موظفة وتضع كل راتبها في المنزل فالبيت لا يَكُف عن الطلبات، وعلينا أن ندفع فاتورة المياه، وكارت الكهرباء يحتاج إلى شحن، وفلوس الغاز لابد من دفعها وإلا سيتم فصله (وأنا جهدي قد نفد)

مع أنى أبذل قصارى جهدي حتى أوفر الطمأنينة والأمان لبيتي وأكفى احتياجات أبنائي والتي لا تتعدى متطلبات الحياة العادية.

أخرج من البيت في السابعة صباحاً

وأستمر في العمل حتى العاشرة مساء أكون قد استنفذت كل طاقتي الجسدية والمعدية، أعمل غالباً على معدة،  فارغة حتى لو جوعان، فحين تطرأ لي فكرة شيطانية أن أغلق شهيتي  بسندوتش طعمية مثلاً وكوب شاي أحاور نفسي وآمرها بالهدوء مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم فهذه الفكرة ستكلفني أكثر من عشرين جنيها على الأقل في زمن أصبح فيه قرص الطعمية بخمسة جنيهات ورغيف العيش بثلاثة جنيهات، وكوب الشاي المغلي بحوالي عشرة جنيهات.

سريعاً أنسى أنني جوعان واكتفى بشربة ماء أغلق بها فوهة معدتي لأوفر المال بقدر ما استطعت فكل شيء محسوب.

الراتب مضاف إليه دخل العربية، مخصوم منه مصاريفها وقسطها، فعندما ضاق بنا الحال وأصبح راتبي وراتب زوجتي لا يكفى وخصوصاً بعد أن نزل علينا كابوس الغلاء المعيشي في كل شيء، لم نجد وقتها أفضل من فكرة شراء سيارة بالتقسيط لأعمل عليها أجره.. ولكن بعدها بدأت أسعار البنزين أيضاً في الارتفاع

واضطررت لتكثيف ساعات عملي بالتاكسي كي أستطيع سداد القسط الشهري

 

فاجأتني غفوة ليست طويلة من شدة التعب وإذا بى أستيقظ على صراخ ابنتي الكبرى مديحة مصحوباً ببكاء طفلها الرضيع وهى تقول لأمها، حسام طلقني وطردني أنا وأنس، أسرعت منتفضا من السرير  وخرجت من الغرفة ماذا حدث، مديحه ما الذي أسمعه:

ردت بصوت يعلوه البكاء: حسام فصلوه من شغله وطلقني

 زوجها كان يعمل في شركة ولظرف الغلاء المعيشي الشركة بدأت في تقليص العمالة للحد من الرواتب وبالتالي تم الاستغناء عنه ومن ثم لم يكن أمامه حل سوى الاستغناء عن زوجته وابنه.

 لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حاولت أن أهدئ من روعها ودخلت غرفتي وأنا أحتاج لمن يأخذ بيدي فأنا لا أرى قدمي، زادت الأعباء واشتعل الرأس شيبا ووهن العظم منى، وإذا بزوجتي تدخل علىّ وكما تعودت منها وبصوت دافئ أبو عادل ارتاح حبيبي كل حاجة ولها حل ربنا لا ينسى أحد،  يُغلق بابًا بحكمته ، ويفتح بابًا برحمته اطمئن.

مديحه مدرسة ولها راتب تقدر تصرف على نفسها وتدي كام درس علشان مصاريف ابنها.

وكان ردى عليها هل نسيتي أن مديحة طوال عمرها رافضة فكرة الدروس وتعارضها، كما ربيناها على هذا المبدأ.

أجهزت أم عادل علىّ بالرد (مضطرة والمضطر يركب الصعب)

في غضب يملأ صدري: وهل كل مضطر يركب السفينة حتى ولو أنه يعلم أنها تغرق؟

إذن أقبل الرشوة والمحسوبية، فأنا مضطر!!