«يناير» شهر بطولات محافظة الإسماعيلية

يناير شهر بطولات محافظة الإسماعيلية
يناير شهر بطولات محافظة الإسماعيلية

كتب فتحي البيومي
لم يكن شهر يناير مجرد شهر عادى في تاريخ محافظة الإسماعيلية، بل كان سجلاً حافلاً بالعديد من البطولات التى سطرها التاريخ بحروف من ذهب، تجعل قارئها يقف إجلالاً واحتراماً لهذه المدينة الباسلة، وتعظيما لتاريخها المضئ، لقد كانت الإسماعيلية في يناير ١٩٥٢ على موعد الكرامة والكبرياء إذ أذاقت المحتل البريطاني في هذا الشهر تحديدا مذلة لا مثيل لها، ففي الثالث عشر من يناير كانت معركة التل الكبير التى استطاع الفدائيين من أبناء الإسماعيلية فيها تفجير قطار الإنجليز المحمل بالعتاد والمؤنة، وفي الخامس والعشرين من نفس الشهر في العام نفسه كانت معركة الشرطة الشهيرة التى ضرب من خلالها أبناء الإسماعيلية من أفراد وضباط الشرطة مثالا في الفداء والوطنية.

"بوابة أخبار اليوم" تفتح خزانة ذكريات الإسماعيلية ، لتبرز أهم ما كنزته صفحات التاريخ من بطولاتها وأمجادها ضد المحتل أي كانت هويته وأطماعه.

١١يناير ١٩٥٢ أهالي التل الكبير يفجرون قطار الإنجليز 

وعن أحداث الحادي عشر من يناير ١٩٥٢ في مدينة الإسماعيلية يقول "جلال عبده هاشم" مؤلف كتاب الإسماعيلية أحداث وذكريات، لقد كان هذا اليوم يوما مشهودا في تاريخ النضال الشعبي لأبناء الإسماعيلية ضد المحتل البريطاني، وتذكر بأنها معركة التل الكبير، حيث نسف الفدائيون الخط الحديدي وقتلوا أفراد سلاح المهندسين الإنجليز بالكامل، وكانت البداية بدخول قطار محمل بالجنود والذخيرة من محطة التل الكبير قادما من الإسماعيلية تمهيداً لدخوله إلى منطقة المعسكرات الإنجليزية بالتل الكبير وعلى الخط الفرعي الذي وصل بين محطة التل الكبير ومنطقة المعسكرات كان الفدائيون قد أعدو كمينا لاصطياد هذا القطار بمن فيه وتم نسف الخط الحديدي لحظة مرور القطار وبدأت عملية الهجوم على القطار وحاول الإنجليز إنقاذ القوات المحصورة بالقطار فدفعوا بتعزيزات من القوات المدرعة واستمر القتال حتى حلول الظلام وانسحب الفدائيين إلى داخل التل الكبير كما قاموا بفتح كوبري التل الكبير لمنع الإنجليز من عبوره بقواتهم المدرعة، وقد كان الاشتباك في نطاق واسع مع القوات الإنجليزية هناك عند ترعة الإسماعيلية، وكسروا الحصار الذي حاول الإنجليز فرضه واستشهد فيها من الفدائيين "عمر شاهين"، و"أحمد المنيسي".

١٣ يناير ١٩٥٢ وتبعات تفجير القطار الانجليزي.
وعن تبعات تفجير القطار الانجليزي من قبل الفدائيين من أبناء الإسماعيلية يقول "هاشم" لقد كان لهذه العملية تأثيرا كبيرا على الناحية السياسية والشعبية، فكان لابد من تحرك المحتل البريطاني ليحفظ ماء وجهه ويحاول إعادة السيطرة على منطقة الإسماعيلية، فقام يوم الثاني عشر من يناير بالهجوم على مركز التل الكبير، ويعتبر يوم 13 يناير من كل عام هو العيد القومي لمدينة التل الكبير حيث شهد المركز يومي 12-13 يناير سنة 1952 معركة من أكبر المعارك التي دارت بين الفدائيين والقوات البريطانية لقد خرجت عن مفهوم حرب العصابات بل تحولت إلى ساحة قتال حقيقية واشترك فيها فصائل من طلبة جامعة القاهرة ومجموعة من الضباط الأحرار ومتطوعين من أهالي التل الكبير .

وفي صبيحة اليوم التالي بدأ الهجوم على التل الكبير ومحاولة اقتحام الكوبري إلا أنهم فشلوا وبعد الخسائر الجسيمة التي منيت بها القوات البريطانية، وتراجعوا إلى معسكراتهم الكائنة بمعسكر عزت شرف الموجود حاليا شرق مدينة التل الكبير وقد استشهد في هذه المعركة سبعة من الفدائيين منهم: " أحمد المنيسي – عمر شاهين – عبد الحميد عبد الله " وهم من طلبة جامعة الأزهر، كما أسر سبعة من الفدائيين قام الإنجليز بتعذيبهم ثم قتلهم وقد علقت جريدة التايمز الإنجليزية على المعركة "أن معظم الضباط الإنجليز الذين اشتركوا في القتال متفقون على أن المصريين حاربوا ببسالة وأن الكثير منهم يصيبون الأهداف بإحكام وكان من الشجاعة النادرة أن يتصدى هؤلاء المصريون لثلاث مجموعات من قوات المشاة الإنجليزية التي تعتبر من خيرة القوات التي تدعمها الدبابات".

الوصف التفصيلي للمعركة وبطولة الفدائي عمر شاهين .
وعن الوصف التفصيلي لمعركة التل الكبير يقول "هاشم" في صباح ذلك اليوم بدأت أحداث المعركة، وكانت  فيها مواقف مشهودة، رواها لنا أحد المشاركين في المعركة، حيث قال "شاهدنا جنود الإنجليز وهم يتجمعون حول مكان الانفجار يحاولون معرفة حقيقته، وكانت فرصة متاحة لنا لنقتلهم جميعا، ولكن الشهيد "عمر" أصدر إلينا أوامره بعدم إطلاق النار أو إلقاء القنابل، لأنه لاحظ وجود عساكر مصريين بين الجنود الإنجليز، وتفتق ذهن الشهيد "عمر" عن حيلة طيبة، فألقى بقنبلة صوتية باتجاه الجنود فولوا هاربين، وأسرعنا باصطياد العساكر الإنجليز، فقد كان الشهيد "عمر"، فقد  كتلة من النشاط والحيوية والقدرة على الحركة مع احتفاظه بابتسامته الهادئة، وكأنه يلعب في فريق كرة، وعندما استعصى علينا الانسحاب، من بعيد جاءنا صوت الشهيد "عمر" وهو ينادي بأعلى صوته مطالبا إيانا بالانسحاب، ثم خفت صوته ولم نسمعه بعد ذلك، ويقول الأسرى إن الإنجليز كانوا ينظرون بخوف شديد إلى "عمر" وهو مضرج بدمائه، كانوا يتخيلونه حيا وقادرا على مطاردتهم، حتى أن بعضهم هم بوخزه مرارا بسلاحه للتأكد من موته.