«حقيبة السفر الكبيرة» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أخبرني مساء اليوم أنه أعدّ حقيبة السفر الكبيرة الزرقاء، أخرجها من مكانها المخبوءة فيه من سنين، نفض عنها تراب الجحود والنكران، استوثق من بنيتها، صلاحيتها للعمل الشاق من جديد.. ثم

فسألته بعدما جذبني حديثه: ثم ماذا؟

- ثم وضعت بها جزءًا غير يسير من ملابسي، لم أنس أحذيتي سواء الجلد الطبيعي أو الرياضية، مداس للحمام لا أستغنى عنه. جرجرتها على الأرض إذ كانت ثقيلة أو أنني أصبحت واهنًا غير كفء الآن.

سألته: ثم؟

- قراري منذ فترة أن أرحل إلى غير رجعة، أو أمضي لحال سبيلي لفترة مؤقتة. فأنت تعلم وثلة محدودة من الناس أنني أستعد لهذه الخطوة من سنين بعيدة، لقد تدبّرت أموري جيدًا، التزمت السريّة المطلقة حتى أن نفسي التي بين جنبي لم تعرف بخطتي إلّا وأنا أضعها موضع تنفيذ في وقته المرسوم من قبل.

لم أزد غير أن أسأله من جديد وأنا أتبع بعيني ربطة عنقه المائلة لليسار قليلًا: هل رحلت؟ إلى أين؟

- هزّ رأسه بأسف، قال: زوجتي كما يعرف الجميع عنيدة شرسة، أنا أخشى الفضيحة وسط الأهل والجيران، لذلك عُدت بحمولتي إلى غرفتي، غير أنني أقسمت لها وها أنا أعاهدك أنني سأفعلها ذات يوم.

أجبته: نعم، لا شيء يضاهي الرحيل في روعته، أثق في حكمتِك وفطرتك النقية.

-أطرق" حسين" برأسه، همس: تعرف عنّي كراهيتي للمديح، فلا تزد يا صديقي حتى لا أنتفخ من الغرور، ثم استعاذ وتفُل على يساره مرّات كثيرة عجزت عن عدّها.