د. نزار بريك هنيدى: فن القصة القصيرة تراجع كثيراً بعد غياب روّاده الكبار

د. نزار بريك هنيدى
د. نزار بريك هنيدى

 ربما كانت رواية «احتضار الفرس» للروائى السورى المعروف (خليل صويلح) من أهم الروايات التى قرأتها فى هذا العام. فهى ترصد التحولات العميقة التى أصابت بنية المجتمع السورى، بشرائحه وطبقاته المتعددة، بسبب ما حملته الحرب التى مازالت مستمرة، من خراب وويلات وفجائع، وما أفرزته من أنماط وسلوكيات وعلاقات، وما كشفت عنه من تناقضات ورواسب وأفكار وتوجهات ومصالح كانت مطمورة فى أعماق المجتمع وتنتظر الفرصة المناسبة للتعبير عن نفسها، بالإضافة إلى التأثيرات الكبيرة التى نجمت عن كثافة التدخلات الخارجية والتجييش العقائدى والسياسى. وببراعة كبيرة ينتقل بنا المؤلف من دمشق إلى مدينته الأصل فى شمال سوريا، مستعرضاً ما بقى فى ذاكرته من أحوالها الاجتماعية والاقتصادية ونماذجها البشرية، مقارناً بينها وبين الحاضر الذى ألقى بثقله على جميع مناحى الحياة، وأثر فى نفوس الناس وغير من مفاهيمهم وتصرفاتهم وردود أفعالهم. وينتقل بنا ليطلعنا على ما بات يدور فى أعماق الجيل الشاب من رؤى وأفكار وتطلعات وخيبات متواترة على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية والاقتصادية. ولعل أكثر ما يلفت النظر فى هذا العمل، بناؤه الفنى المتقن الذى يقيمه المؤلف مستفيداً من حصيلة ذكرياته، وبراعته فى استحضار الشخصيات وخلقها، ومخزونه المعرفى، ولغته الساردة الصافية، واستعماله لأساليب متنوعة فى وصف الأماكن ومتابعة الأحداث وإنشاء الحوار، ومزجه بين السيرة الذاتية والأحداث الواقعية والمُتخيلة بشكل يضع المتلقى فى حال من التشوق والانبهار والمتعة الفنية.

أما على صعيد المجموعات الشعرية الصادرة هذا العام، فإن مجموعة «كتاب اللمحات» للشاعر (صقر عليشى) تستحق الوقوف عندها لما تقدّمه من خصوصية إبداعية يتناول فيها الشاعر كثيراً من وقائع الحياة المعاصرة وأسئلتها الكبرى بروح ساخرة مرحة سريعة الوصول إلى قلب المتلقى وعقله تاركة أثرها العميق الذى قد يختلف تماماً عما توحى به القراءة المستعجلة. وبذلك يتابع صقر عليشى تعميق وتلوين النهج الخاص الذى اختطه لنفسه، وتميّز به، فى كتابة القصيدة الحديثة.

أما فن القصة القصيرة، فيبدو أنه تراجع كثيراً بعد غياب روّاده الكبار، لذلك يصعب التنويه بمجموعة قصصية متميزة يمكن عدها إضافة نوعية لهذا الفن، الذى نرجو أن يستعيد مكانته فى الأعوام القادمة.  

إقرأ أيضاً : د. محمد السيد إسماعيل: «ديك أمى» لحمدى أبو جليل