«رزقهم» تحت رأس الميت| شركات لإتمام إجراءات الجنازة مع خدمة «ما بعد الرحيل»

إحدى الشركات المتخصصة فى تنظيم مراسم الدفن
إحدى الشركات المتخصصة فى تنظيم مراسم الدفن

■ كتبت: علا نافع

الموت، كلمة ترادف الحزن والاتشاح بالسواد بل والخراب فى بعض الأحيان، إلا أنها تحمل رزقًا وفيرًا للبعض فتنتعش أعمالهم بموت أحد الأشخاص ويجنون المكاسب انطلاًقا من «إكرام الميت دفنه»، ومؤخرًا ظهرت عدة شركات أصبح دورها إتمام كافة إجراءات الجنازة وفقًا لمراسم كل الديانات السماوية، سواء كان المتوفى مصريًا أو أجنبيًا، حتى أنهم يخصصون متجرًا إلكترونيًا للصدقات الجارية يساعد أهل المتوفي على اختيار صدقاتهم، ويوفرون النعوش والأكفان مع تجهيز الجثمان وتغسيله، وبعد مرور أربعين يومًا على الوفاة يرسلون الأدعية وآيات القرآن الكريم للأهل كأحد أوجه الدعم النفسي والمؤازرة.

ولا تتوقف سبوبة الموت عند حد الدفن فقط فكما يقال «موت وخراب ديار»، فسرادقات العزاء لها بيزنس خاص أيضًا بدءًا من تكلفة القاعة ومكانها وتوفير المقرئين الذين تختلف أسعارهم بحسب مدى شهرتهم وحلاوة أصواتهم وإمكانية إجادتهم للتلاوة دون أخطاء، والأهم التغطية الإعلامية والتنسيق بين المواقع الصحفية لإبراز صور المعزين وحزنهم على المتوفى، لا يهم حجم النفقات التى سيتكلفها الأهل فيكفيهم التباهى بعزاء فقيدهم ومكانته الراقية حتى فى موته!

◄ مقابر فارهة مزينة بالرخام والزخارف ومصور فيديو لتوثيق العزاء

◄ سعر المقبرة فى منطقة القاهرة الجديدة تخطى المليون جنيه

◄ أسعار الأكفان تصل إلى 4000 جنيه.. والحريمي «أبو 7 طبقات» الأغلى

■ تصوير سرادقات العزاء بالفيديو

وإذا كانت بعض العائلات الثرية فضلت اللجوء إلى «الحانوتية المودرن» ومظاهر الحزن باذخة الثمن فمازالت العائلات المتوسطة والفقيرة تلجأ للحانوتى التقليدى وإقامة السرادقات المتواضعة فضلًا عن المقرئين من الدرجة الثالثة والرابعة، ومنهم من يكتفى بتلقى العزاء فى المقابر إيمانًا بأن الحزن مقره القلوب وليس بالمظاهر البراقة، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار الأكفان بشكل ملحوظ حتى أن بعضها وصل سعره لأكثر من 5 آلاف جنيه، بخلاف عملية التغسيل والدفن بل وفتح المقبرة وتنظيفها.

ولحماية المقبرة من اتخاذ البعض لها مأوى سكنيا يقوم بعض مالكى المقابر «الفايف ستارز» بتعيين حراسات وأفراد أمن عليها ويمنعون انتشار أعمال البلطجة خاصة إذا كانت المقبرة مبنية من الرخام الفاخر ومزينة بالزخارف، ويتفقون مع أحد المقرئين لقراءة القرآن على روح المتوفى فى صباحات الأعياد والمناسبات الدينية بل ووضع باقات الزهور أيضًا التى تأتى خصيصًا من محلات الورد بشكل دورى إذا ما انشغل الأهل أو نسوا تذكر روح فقيدهم، أما فى المناطق الشعبية والقرى فيكفى المقرئ بضعة أرغفة خبز ساخنة وجنيهات قليلة.

◄ مقابر فارهة
ولا تتوقف شركات العقارات والسماسرة عن طرح إعلانات المقابر سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو إعلانات الطرق بأسعار متفاوتة، إلا أنها باتت أقرب لحد الجنون خاصة مع ارتفاع أسعار مواد البناء فى السنوات الأخيرة، فأصبح الحصول على مقبرة أمرًا فى غاية الصعوبة بالنسبة للأسر المتوسطة والمتواضعة، وتباينت الأسعار بحسب المساحات بدءًا من 200 ألف جنيه لمساحة العشرين مترًا فى ضواحى القاهرة حتى المليون جنيه ببعض مناطق التجمع الخامس ومدينة 6 أكتوبر التى تختارها طبقة الأثرياء وميسورو الحال لتقسيمها الهندسى المتميز وبعدها عن الأماكن المزدحمة.

ولعل هذا ما دفع الحكومة إلى إيجاد حلول لمواجهة ارتفاع أسعار المقابر، عبر طرح أراضى مقابر تكون بنظام القرعة فى أماكن معينة بكراسات شروط وحجز إلكترونى لكن شريطة أن تكون مقبرة واحدة لكل عائلة، فضلًا عن عدم جواز بيعها أو التنازل عنها، وهذا ما يجعل الكثيرين يلجأون لدفن موتاهم فى مقابر الصدقة بالاتفاق مع الجمعيات الخيرية أو المساجد.

يقول محمود فهمى (مسوِّق بيع مقابر): تختلف أسعار المقبرة طبقًا لمساحتها وموقعها الجغرافى فضلًا عن تجهيزاتها المختلفة، ففى ضواحى القاهرة والمناطق المتوسطة يصل سعر المقبرة ذات 20 مترًا ما بين 200 إلى 300 ألف جنيه، أما المقبرة ذات ال40 مترا فسعرها يتراوح بين 600 ألف إلى مليون جنيه، والمقابر الموجودة بالمدن الجديدة لا يقل سعر الواحدة عن مليون جنيه، خاصة أنها تُجهز على أعلى مستوى، وارتفاع أسعار خامات البناء زاد من تفاقم الأزمة فسعر طن الحديد تخطى 30 ألف جنيه ناهيك عن الأسمنت.

وبالطبع فإن قلة الأراضى المتاحة لبناء المقابر زادت من حجم الأزمة، فصعوبة الحصول على التراخيص بعدة مناطق مثل مدينتى السلام والعبور جعل الكثيرين يتوجهون لمقابر الجمعيات الخيرية، مؤكدًا أنه يتم الحصول على تراخيص المقابر من أجهزة المدن الجديدة التى يتم الإعلان عنها من هيئة المجتمعات العمرانية أو من المحافظات.

أما فتحى . ن (سمسار مقابر) فيقول: ارتفاع سعر المقبرة سببه التجهيزات الداخلية والخارجية، فالبعض يختار طوب البناء الأثرى أو الرخام وهذا سعره مرتفع، فضلًا عن عملها بالطاقة الشمسية وزخرفتها لتصبح أشبه بقصر فاخر، مشيرًا إلى أن سعر المقبرة فى منطقة القاهرة الجديدة تخطى المليون جنيه، ما دفع الكثيرين للبحث عن مقابر متوسطة فى ضواحى القاهرة أو أطرافها البعيدة.

■ «التربي» مهنة ذات طابع خاص

◄ التُربي والكفن
فى صمت تام ووجوه يعلوها الحزن والوجوم يستعد منتصر لفتح العين الخاصة بعائلة المتوفى وإعدادها بطريقته المعتادة تمهيدًا لإنزال الميت ووضعه فى حفرة الدفن. لا يتوقف لسانه عن قراءة القرآن وبعض الأذكار علها تشفع للفقيد وتعينه عند سؤال الملكين، ويشد من أزر العائلة ويدعو لهم بالصبر والثبات، يتناول أجرته التى تختلف بحسب مستوى عائلة المتوفى، لكنها تتراوح بين 500 وألف جنيه، ولا تقتصر مهمته على الدفن بل يعمل أيضًا على حماية الموتى من لصوص المقابر، وعند زيارة الأهل للمتوفى سواء فى ذكرى الأربعين أو فى الأعياد يحرصون على منحه نفحة مالية.

يقول منتصر بيومى (50 عامًا): مهنة التربى لها أهمية كبيرة فالجميع يحتاج إليها، ولا بد أن يكون التربى ملمًا بالأحكام الشرعية للدفن وكيفية التعامل مع المتوفى، والأهم الحصول على رخصة لمزاولة المهنة والتأكد من صحة تصاريح الدفن، إضافة إلى تمتعه بسيرة حسنة فبعض التُربية ينبشون القبور ويدفنون أعمال السحر السفلية! وعن المقابل المادى لعملية الدفن فيختلف حسب المستوى الاجتماعى للمتوفى ويتراوح بين 500 وألف جنيه، أما فى الأرياف فلا تزيد أجرته على 300 حنيه.

ويشكو بيومى ظهور الحانوتية المودرن الذين يتبعون شركات تقديم خدمات الموت من استخراج تصاريح الدفن، وحجز قاعات العزاء والتأبين، إضافة إلى مراسم التكفين والدفن، وبالطبع فإن ذلك يهدد عرش التُربية والمكفنين خاصة أن أغلبهم يفتقد أساسيات التعامل مع أهل المتوفى وكيفية دعمهم نفسيًا والأهم قراءة القرآن على رأس المتوفى.

■ منافسة قوية بين الحانوتي المودرن والحانوتي التقليدي

◄ تاجر الأكفان
إذا كانت مهنة التربى من أهم المهن ذات الطابع الخاص فهو من يرافق المتوفى فى قبره ويردد على مسامعه ما سوف يجيب به أمام ملكى الموت، فإن صانع الكفن بلونه الأبيض يشعر بقدسية الموت ورهبته ناهيك عن حصوله على ربح مادى مرضٍ، يبدأ فى خياطة الكفن بمجرد معرفته بخبر الموت، ويختار القماش المناسب، فهناك كفن مصنوع من ثلاث طبقات يصل سعره ل300 جنيه، أما المكون من سبع طبقات فسعره أكثر من 500 جنيه، وكذلك الكفن الحريمى.

فيما يقول ياسر عادل (تاجر أكفان): مر الكفن بعدة مراحل وصولا لشكله الحالى، فكان شكله الأول المعروف بالكفن المنشى وكان يصنع من الكتان وفور الانتهاء من خياطته يتم وضعه فى وعاء به نشا، ثم بات يصنع من القطن الناعم، وصولًا للكفن الشرعى والسياحى، ومؤخرًا ارتفع سعر القطن مما انعكس على سعر الكفن فتضاعف مرتين فى الآونة الأخيرة.

■ إحدى الشركات المتخصصة فى تنظيم مراسم الدفن

وعن أسعار الأكفان يقول: ارتفاع سعر الدولار أدى لزيادة أسعار القماش والخامات الأساسية من الخيط اللازم لحياكة الكفن، فوصل سعر الكفن الحريمى المكون من ثلاث طبقات وهى طبقة التيل والفوال المكونة من خمار وقميص، والطبقة الثالثة التى هى عبارة عن سترتين وأربطة، إلى 400 جنيه، أما الكفن الرجالى فيختلف سعره بحسب عدد طبقاته والمادة المصنوع منها، فالكفن ذو الثلاث طبقات يتراوح سعره بين 150 و300 جنيه، وال5 طبقات سعره بين 250 و500 جنيه، أما ال7 طبقات فتخطى سعره الألف جنيه، وبعض الأنواع منه يصل سعره لأكثر من أربعة آلاف، والكثير من الزبائن أصبحوا يطلبون الأقل تكلفة بدعوى ستر الميت.

◄ باقات مختلفة
أما بالنسبة لمراسم العزاء فإن عائلات الطبقة المتوسطة تكتفى باستئجار مقرئ معروف شريطة إجادته التلاوة وتمتعه بصوت عذب، ويتراوح أجره بين 6 و10 آلاف جنيه، وعادة ما يكون العزاء ليلة واحدة فقط وبعدها يتم استقبال المعزين فى بيت العائلة، بينما تكتفى العائلات الفقيرة بالاستعانة بأحد المقرئين من الدرجة الرابعة ويكون إما قارئا هاويا، أو يكتفون بتشغيل آيات القرآن.

يقول الشيخ عبدالفتاح غانم (مقرئ): يكتسب المقرئ شهرته من إجادته لتلاوة القرآن وحسن صوته، والأهم دراسته لعلوم القرآن وأحكام التلاوة، وبناء عليه تتحدد شهرته وأجره، ويقوم أصحاب بعض الفراشات بالاتفاق مع مقرئين بعينهم، ولكن يظل الاختيار فى يد أهل المتوفى، لافتًا إلى أن المقرئ المشهور قد يتخطى أجره 100 ألف جنيه.

وعلى جانب آخر، فإن أصحاب بعض الفراشات يوفرون المقرئين المناسبين بحسب طلب أهل المتوفى، فكل مقرئ وله تسعيرته، هكذا يقول (م. ك) صاحب فراشة فى مدينة 6 أكتوبر، موضحًا: يلجأ أهل الميت لأصحاب الفراشة للاتفاق على إقامة سرادق العزاء فنقوم بعرض قائمة من المقرئين عليهم تختلف أسعارهم بحسب حلاوة الصوت وقوته، إضافة لتمكنه من القراءة، ويحصل أصحاب الفراشة على نسبة من المقرئ تقدر ب300 إلى 2000 جنيه.