«اليوم الخامس والسبعون» قصة قصيرة للكاتب مجدي محمد كمال

الكاتب مجدي محمد كمال
الكاتب مجدي محمد كمال

منذ رأيت الصغير يشرب من بركة في الأرض من ماء المطر، وقد اختلط ماؤها بالدماء،  عزفت عن الحياة، ولم تعد دروبي تجد لي مسلكاً.

 كان المشهد هو القشة التي قصمت ظهري، قاطعت الأخبار وخاصمت هاتفي، وقد تمزقت أعصابي، تحطمت رباطة جأشي تحت الأنقاض والركام الذي خلفه القصف، ولم أعد أقوى على النظر إلى أشلائهم ولم تعد تعزيهم كلمات.

فقط أستمع بجبن إلى الأخبار دون أن أقوى على رفع بصري فيها.

أنظر إلى التلفاز،  حقاً لم أعد أقوى.

بللت وجهي ببعض رشات الماء سريعاً، رشفة من الماء كذلك لا تسد العطش الذي استيقظت به

:  ألن تحلق؟

:   لا

:  شكلك وحش

:  مش مهم.

رغم محاولة تجاهلي للأخبار؛ كنت أختلس النظر لتغريداته اليومية؛ لا أقرأ محتواها؛ أو بالأحرى لا أقوى على فعل هذا، كيف أبدأ يومي بطعناته لفؤادي؟!

فقط أطمئن أنه نجى وأبناؤه  من غارات الليل الغاشمة.

 

على مسبحة لا أسبح عليها؛ وصلت إلى العمل، محمل أنا بأعباء لا يقوى عليها ظهري، لكن إلى أين المفر!

 صديق يعلم متابعتي الجيدة: ها إيه الأخبار؟

:  مفيش جديد.

:  يعنى حصل إيه امبارح؟

:  مفيش جديد.

: خالص؟

غاضبا:  أيوه خالص.

نظر إلىّ في عتاب، ورحل في صمت.

 وبخت نفسي وخرجت خلفه:  لا جديد يا أخي، القصف مستمر والصمت أيضا.

أومأ برأسه في خيبة وتركته وحالي ليس بأفضل من حاله.

بضعة أيام قاومت فيها الهاتف والأخبار، أحتفظ بما تبقى من أعصابي المستهلكة، كي أبتاع بها ما يسد رمق الحياة المنهوبة!!

 

 اليوم الثمانون

 

استيقظت فزعاً أهرول إلى مكتبتي أبحث فيها عن كتاب

زوجتي: _ ماذا بك عن ماذا تبحث؟

:  أبحث عن كتاب

:  أعلم، ولكن هل الآن، الفجر أوشك أن يؤذن له؟!

: سألني صديق عن شيء سأبحث عنه.

: صديق، سألك أين ومتى؟ كنت تحلم أكيد!

• نعم كنت أحلم! دعيني وشأني.

اقتربت، ربتت على كتفي: ما بك، أخبرني؟

جلست مهزوما، وضعت رأسي بين راحتي: زارني صديق لا تعرفينه، لم أقابله يوماً ولم أحدثه حتى عبر الأثير،  فقط أسترق النظر خجلاً إلى تغريداته عن القصف الغاشم.

قال لي معاتباً:  لم تطمئن علي قبل أن تأوي للفراش

تملكني الخوف.

:  لا تخف نحن إلى الجنان العلى، فلا تخف علينا ولا تحزن،  فقط هو جوع الأطفال وعطشهم ما يمزق قلوبنا وقلة حيلتنا تجاههم، أحياناً نتمنى لو طالنا القذف فننتهي من هذا الكابوس.

لم أجد كلمات أعقب بها، نكست رأسي خجلا وقاومت عبراتي، ضحك بدون صوت

: تبكي وأنت ٱمناً في فراشك تنعم بالدفء،  لقد دمرت مكتبتي هل تعلم هذا؟

 ألا أجد لديك نسخة من الرحيق المختوم أقرأ فيه عن حصار النبي في شعب أبي طالب ل رزان وعواطف وحيان! لعلهم يهدئوا ف يناموا فالقذف الليلة غشيم.

 

اليوم الرابع والثمانون

الكتاب على مكتبي يا ترى لماذا لم يأخذه؟