يوميات الاخبار

مشاهد من غزة

صالح الصالحى
صالح الصالحى

أكثر من ٩٠ يومًا مرت على الحرب فى غزة.. المشاهد متكررة جثث ودماء ودمار.. أب مبتلى فقد ١٢ من أسرته منذ شهرين، وفقد ابنه منذ يومين.. ووسط ذلك تجد التحدى والصمود فى حفل زفاف.. بدون فستان فرح.. لكن الزغاريد غطت على صوت الصواريخ والقنابل .

وائل الدحدوح صحفى فلسطينى، قضى فى سجون الاحتلال الإسرائيلى ٧ سنوات.. مثال للمبتلى الصابر والمحتسب والصامد والقوى..
منذ أيام ليست بالبعيدة قام بدفن زوجته وابنه وابنته وحفيده صاحب الستة أشهر و٨ آخرين من أسرته.. ١٢شهيداً غيبهم الموت دفعة واحدة فى غارة للاحتلال الإسرائيلى .


الدحدوح لم تجف الدموع من عينيه.. ولم تهدأ نار الحزن والألم فى قلبه.. إلا أنه فوجئ باستشهاد ابنه حمزة فى غارة جديدة للاحتلال الإسرائيلى يوم الأحد الماضى.


قبل وفاته بيوم واحد، كتب حمزة الدحدوح رسالة «تغريدة» وكأنه كان يودع والده ويؤازره قال «إنك الصابر المحتسب يا أبى، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله وكن على يقين أن الله سيجزيك خيراً لما صبرت» وهى الرسالة التى نشرها مع صورة لوالده مرتدياً سترة الصحفيين الواقية من الرصاص وهو يقف وسط الركام والأتربة المتصاعدة من مكان تم استهدافه من قبل قوات الاحتلال.


فى حين ردد وائل الدحدوح وهو يحتضن جثمان ابنه الشهيد.. «بينتقموا منا فى الولاد، نحن فى نهاية المطاف فى هذه الأرض هذا هو قدرنا وهذا هو خيارنا وهذا هو صبرنا ولن نحيد عن هذا الطريق.. وقال  إننا على العهد فى هذا الطريق اخترناه طواعية وأعطيناه كثيراً وسقيناها بدمائنا، وهذا قدرنا ونحن ماضون، وهذا هو التحدى الكبير رغم أن الإنسان يحزن ويتألم ويتوجع كثيراً لهذا».
وحمل ابنه الشهيد رسالة: بلغ سلامى وتحياتى لسيدك وحبيبك الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الشهداء والصديقين والأنبياء والأقارب والأحباب وفلذات الأكباد وقل لهم أننا على العهد وأنتم السابقون ونحن إن شاء الله اللاحقون.


مثل هذا المحتسب الصابر لا تسعفنى الكلمات لأعزيه أو أواسيه فهو خلص كل الكلام بصبره وقوته ولا يسعنى سوى أن أدعو الله أن يربط على قلبه وان يمده بالصبر والسلوان.. وأن يعوضه خيراً بالنصر إن شاء الله.


رسالة إلى حقوق الحيوان
بعد أختفائه لفترة عاد عبود أصغر مراسل صحفى «١٧ سنة» فى غزة برسالة إلى جمعيات حقوق الحيوان.. قال: أكثر من ٩٠ يوماً مرت على اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلى قطاع غزة، ومازالت أصوات الطائرات تملأ سماء غزة الحرة، فيما تملأ الدماء الطاهرة شوارع المدينة، وتتناثر الأشلاء هنا وهناك، وتحولت الحياة الآمنة لكابوس.. ومع كل هذا لم تتحرك منظمات حقوق الانسان.. وناشد عبود بطاح منظمات حقوق الحيوان بعد أن فقد الثقة فى منظمات حقوق الانسان قال: على مدار ٩٠ يوماً من الحرب مفيش دواء مفيش أطباء، وبناشد حقوق الإنسان أن يتدخلوا وينقذونا ويعملوا أى شىء دون جدوى.


واليوم قررنا نناشد حقوق الحيوان يشوفوا الطيور والبسس اللى قاعدين بيموتوا بالفسفور الأبيض وكل شىء بيرموه علينا ناقص يرموا النووى ويخلصوا على كل شىء، بناشد حقوق الحيوان يشوفوا الحيوانات اللى مماتتش من القصف ماتت من الجوع والعطش، يعنى إحنا مش لاقيين أكل وشرب، القطط والحيوانات هتلاقى مفيش أى شىء.


عبود طفل غزاوى حقق شهرة واسعة من خلال قيامه بنقل الأوضاع فى غزة بالصوت والصورة على تليفونه وبطريقته المميزة التى تقوم على السخرية من العدو، واستطاع أن ينقل بها واقعاً حياً بشكل يومى من معاناة أهل غزة من القصف الإسرائيلى.. وأصبحت مقولاته منتشرة يرددها الكثيرون خاصة جملة «الوضع آيس كوفى على الآخر» التى اعتاد ان يختتم بها رسائله الاخبارية من غزة.


زواج تحت القصف
فى تحد للاحتلال الإسرائيلى، وجه عروسان رسالة بأن الشعب الفلسطينى فى غزة صامد للنهاية وأنه لا يخشى الموت..
محمد عبدالعال شاب فلسطينى قرر وعروسه ياسمين الزواج رغم تحديات الظروف الصعبة التى يعيشها أهالى غزة.. ومساء السبت الماضى وداخل أحد مراكز الإيواء للنازحين فى رفح، ووسط تجمع العشرات من النازحين كان حفل الزفاف.. حيث انطلقت الزغاريد والأغانى الغزاوية والتى علت فوق أصوات القصف الإسرائيلى.
محمد تحدى الأحزان وتزوج ياسمين والتى لم ترتد الفستان الأبيض.
واعتبر محمد زواجه نافذة أمل للخروج من المحنة التى يعيشها أهل غزة، وإيصال رسالة ان غزة لا تعرف المستحيل.
ما مصير الأطفال؟!
ما مصير ومستقبل أطفال غزة الأحياء منهم؟!
هذا السؤال سيطر على ذهنى منذ قيام الاحتلال الإسرائيلى بارتكاب المجازر فى قطاع غزة ومحاولة إبادة أهالى غزة.
أطفال يعيشون فى ظروف شديدة القسوة، فهم بدلا من أن يعيشوا طفولتهم البريئة ويلعبوا ويلهوا ويذهبوا إلى المدارس مثل أقرانهم فى شتى بقاع الأرض، يعيشون فى ظروف قاسية، يعيشون أيام الرعب والخوف والفزع، وسط الدماء والجثث.. يلهون فى نبش أنقاض المنازل المنهارة واستخراج الشهداء من تحتها، يشاهدون آباءهم وأمهاتهم واشقاءهم إما شهداء أو مصابين، حتى أن هؤلاء الأطفال أنفسهم منهم من فقد جزءا من جسده أو أصيب برصاصة من بندقية جندى إسرائيلى.


أطفال يعيشون وسط المجازر والمذابح التى ترتكب فى حقهم وحق ذويهم وأسرهم وجيرانهم وأصدقائهم.. يعيشون مشاهد الدم والقتل.. يعيشون الجوع والحرمان والعطش.. يمرضون ولا يجدون العلاج.. يعيشون كالأموات محاصرين مهددين.. الموت يلاحقهم فى كل مكان ووقت.
فكيف يكونون عندما يصبحون شبابا ورجالا؟!
بالتأكيد هؤلاء الأطفال سوف يتأثرون نفسيا حتى وإن أصبحوا أصحاء جسديا.. لن ينسوا يوما مشاهد الرعب التى عاشوها والتى حفرت مكانا فى أعماق عقولهم وقلوبهم، وحفرت جرحا عميقا فى نفوسهم.. سوف يصبحون مرضى نفسيين.. وذنبهم فى رقبة العالم، خاصة الدول التى تساند إسرائيل وتمدها بالسلاح والأموال، وتجعلهم حقل تجارب لسلاحهم.. الدول التى تدعم إسرائيل ومواقفها فى المحافل الدولية دون خجل أو إنسانية.. لماذا لم يفكروا ولو للحظة فى هؤلاء الأطفال؟! وماذا لو كانوا أطفالهم؟!
على هؤلاء من أجل الأطفال الاحياء - الأموات - أن يميلوا ولو للحظة لصوت الرحمة وأن يوقفوا هذه المساعدات وان يبادروا بالوقوف فى وجه إسرائيل لوقف القتال فى غزة فورا.


صدقونى مهما كانت النتائج، ومهما حصدت إسرائيل من مكاسب.. رغم أننى أشك فى ذلك.. فإن إسرائيل لن تهدأ أبدا ولن تعيش فى أمان وسلام مع وجود هؤلاء الأطفال الذين ملأ الثأر قلوبهم وعقولهم منذ الصغر، والذين لطخت الدماء ثوب مدارسهم، ومزقت القنابل كتبهم وأدواتهم.. فحملت قلوبهم القسوه تجاه كل ما هو إسرائيلى، فلم يعد بها سوى الكُره.. عقولهم لا تفكر سوى فى الانتقام لأنفسهم وأهاليهم وذويهم.. ولا أحد يستطيع أن يلومهم فى المستقبل.. لأن العالم تخاذل عن مساعدتهم، بل هناك من ساعد عدوهم لكسرهم والقضاء عليهم وتحطيمهم.


ماذا ننتظر من أطفال محطمين نفسيا؟!