فى الصميم

محكمة العدل.. وأمريكا التى لا ترى

جلال عارف
جلال عارف

لا تخيب الولايات المتحدة الظن أبدا بالنسبة لانحيازها الدائم ومساندتها بلا حدود لإسرائيل وهى تواصل جرائمها التى أصبحت محل ادانة شعوب العالم كله. فما أن أعلنت محكمة العدل الدولية عن بدء النظر فى الشكوى المقدمة من جنوب افريقيا والتى تتهم إسرائيل بالضلوع فى «حرب إبادة» ضد شعب فلسطين هذا الاسبوع، حتى بادرت الخارجية الأمريكية بالإعلان أن الولايات المتحدة لا ترى أى أعمال تشكل إبادة جماعية!! وهى التهمة الأساسية التى تواجهها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وفقا لشكوى جنوب افريقيا.

لم تر الولايات المتحدة فى استشهاد ٣٠ ألف فلسطينى «بمن فيهم الذين مازالوا تحت الأنقاض» ولا فى إصابة نحو ٦٠ ألفا حتى الآن، ولا فى استهداف الأطفال  والنساء بقنابل زنة ٢٠٠٠ رطل المحرم استخدامها ضد المدنيين، ولا فى تجويع شعب بأكمله ومنع الماء والغذاء والأدوية عنه واجباره على النزوح.. لم تر الولايات المتحدة فى كل ذلك شىئا من الإبادة الجماعية لأن القتلة هم الإسرائيليون..

والسلاح والدعم السياسى والعسكرى الكامل أمريكي!!
ولم تر الولايات المتحدة أن المجزرة البشرية التى تقوم بها إسرائيل لم تكن إلا سياسة دولة يعلن وزراؤها أنه ليس أمام شعب فلسطين إلا الاختيار بين الهجرة أو القتل!! ويتبارى حكامها علنا فى التعبير عن هذه السياسة.. فنرى سباقا بين تسيمو تريتش وبن غفير فى الدعوة لتهجير الفلسطينيين، بينما يهدد الوزير «الياهو» باستخدام القنبلة النووية ضد المدنيين فى غزة..

ولم تر الولايات المتحدة نتنياهو وهو يحمل خريطة إسرائيل الكبرى التى لا مكان فيها للفلسطينيين أثناء زيارته الأخيرة لأمريكا نفسها«!!» ولم تر واشنطن فى كل ذلك أى إشارة إلى «الإبادة الجماعية».. وهو أمر طبيعى من دولة عظمى جعلت من نفسها «شريكا فعليا» فى كل جرائم إسرائيل، وبالتالي..

فهى تعرف أن إدانة إسرائيل فى محكمة العدل الدولية سوف يكون - فى نفس الوقت- إدانة لأمريكا، وإعلانا بالسقوط الأخلاقى لدولة عظمى كانت تقدم نفسها للعالم على أنها الحامى لحقوق الإنسان والمدافع عن حقوق الشعوب فى تقرير مصيرها!!

منذ بداية الحرب «بل وقبلها بكثير» كانت نوايا إسرائيل فى الخلاص من الوجود الفلسطينى سياسة معلنة لدولة قامت على الإرهاب، ومع ذلك كان التأييد الأمريكى لحرب إسرائيل ضد الوجود الفلسطينى بلا حدود.. وكان الإصرار الأمريكى على استمرار المذبحة الإسرائيلية ورفض أى قرار للأمم المتحدة أو مجلس الأمن بوقف القتال هو بمثابة «دعوة للقتل» من جانب أمريكا مازالت حتى الآن تتمسك بها حتى بعد أن أصبحت معزولة عن العالم الذى أصبح بأكمله مع إيقاف الحرب، ومع فتح الملف الأساسى لإنهاء الاحتلال وحصول شعب فلسطين على حقوقه الكاملة كما حدث مع جنوب إفريقيا التى قاتل شعبها وضحى حتى سقط الحكم العنصرى قبل ثلاثين عاما، والذى لم يكن له شركاء فى العالم إلا إسرائيل.. وأمريكا حتى اقتراب سقوطه!!

جنوب افريقيا الآن تقف فى مواجهة النظام العنصرى الاستيطانى فى إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وأمريكا - كالعادة- تقف فى الموقع الخطأ من التاريخ وكأنها لا تتعلم من دروس الماضي. تستبق واشنطن المحاكمة بالادعاء بأنها لا ترى إبادة جماعية فيما تفعله إسرائيل.. ربما هو ضعف نظر سياسى أو خوف من تطبيق العدالة الدولية.. لكن العالم كله يري، ويعرف أن مصير إسرائيل هو مصير النظام العنصرى فى جنوب افريقيا، وأن شعب فلسطين لابد أن ينتصر على الاحتلال ويقهر العنصرىة والاستيطان.

العالم يري، والعدالة ستنتصر.