الاقتصاد المصرى و«الميزة التنافسية»

النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
النائب علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب

فى منتصف ستينيات القرن الماضي، نشر الكاتب الكبير الراحل يوسف إدريس سلسلة مقالات، بناها على فكرة «الميزة التنافسية المطلقة» التى نادى بها المفكر الاقتصادى آدم سميث، أبو الرأسمالية الحديثة، رغم أن إدريس بدأ حياته شيوعيا! وكانت مصر وقتها على أعتاب نهضة صناعية، بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار.

أثناء ذلك، طالب إدريس، بألا تتوسع مصر فى إدخال مزيد من الصناعات الغريبة على البيئة المحلية، وأن تتبنى ثورة 23 يوليو صناعات تعتمد على هذه البيئة فى المقام الأول، ويكون لنا فيها «ميزة تنافسية»، مثل كوريا الجنوبية التى بدأت نهضتها معنا، وأصبحت من كبار النمور الاقتصادية فى العالم، بينما وقفنا نحن محلك سر! 

وبلغة الاقتصاديين، يكون للاقتصاد ميزة تنافسية فى إنتاج السلعة أو الخدمة، إذا كان بإمكانه إنتاج المزيد منها باستخدام كمية أقل من المُدخلات المطلوبة، والتكلفة إجمالاً. 

وضرب يوسف إدريس، مثلاً على دعوته ، بأن دولا فى جنوب شرق آسيا تخصصت فى تصدير منتجات سيقان «البامبو»، لأن لديها كميات هائلة من هذا النبات، فلماذا لا نتخصص نحن على مستوى العالم فى منتجات «الخوص»، مثلاً، ما دام عندنا هذا العدد الهائل من النخيل؟!

وفى زماننا هذا، الصين مثلاً عندها ميزة تنافسية كبيرة فى أجور الأيدى العاملة، نظراً إلى التعداد السكانى الهائل، وبذلك يصبح فى إمكان الصين إقامة صناعات تعتمد على العمالة الكثيفة التى ترتضى العمل بأجر منخفض، وبعد ذلك تصدّر منتجاتها للعالم كله.

ولا جدال أن لدينا ميزات تنافسية وفى المجال الزراعي، لدينا ميزة تنافسية كما أن مساحات الأراضى كبيرة ولدينا العمالة من الفلاحين والمصدرين بالإضافة لقربنا من أسواق أوروبا. يبقى الإرادة فى الإنتاج والتصدير السريع وتوقيع الاتفاقيات التجارية.

بالإضافة إلى أن مصر تعد أكبر منتج ومصدر للنباتات العطرية، فقرية شبرا بلوله تنتج ٨٠ فى المئة من الياسمين فى العالم ويتم تصديره إلى فرنسا لإنتاج أعلى العطور العالمية، وحاولت دولا كثيرة زراعة الياسمين لكنها فشلت.

وهل تعلم أن الإمارات تعتمد على الأجهزة الكهربائية، من تليفزيونات غسالات وثلاجات ماركات عالمية، يتم تصنيعها فى مصر.

وليس هناك دولة نجحت اقتصاديا، إلا عندما بدأت تبحث عن المجالات أو الصناعات التى لديها فيها ميزة نسبية عن غيرها من الدول، واستثمرت فيها. كذلك ماليزيا، كان عندها ميزة فى إنتاج عسل النحل بسعر منخفض، فدعمت الدولة الاستثمار فى مجال المناحل، واستجلبت سلالات نادرة من النحل، ومن ثم صدّرت منتجات عسل إلى الصين بمليارات الدولارات.

تركيا، أيضاً، لديها ميزة فى تصنيع منتجات وأجهزة وملابس بمقاييس أوروبية، ولكن بسعر منخفض، بسبب انخفاض أجور العمالة هناك، بل إنها تقيم مصانع فى مناطق صناعية مصرية، فأصبحت تنتج وتصدّر بـ ١٠٠ مليار سنويا.

كل هذه التجارب العالمية الناجحة، تعطينا أمثلة على أن الطريق الوحيد إلى بناء «اقتصاد وطني» حقيقي، هو البحث عما نتفرّد فيه عن غيرنا من سلع أو منتجات أو خدمات، وتشجيع الاستثمار فيها بكل السبل، حتى نستطيع بناء «الجمهورية الجديدة» التى نريد.