باحث أثري يكشف كيف تنافس الأوربيون على سرقة آثار مصر؟

أقدم مومياء مصرية بالمتحف البريطاني بلندن
أقدم مومياء مصرية بالمتحف البريطاني بلندن

منذ القرن السادس عشر راجت أسواق القاهرة لبيع الآثار المصرية؛ فبدأ الأوربيون يُقبلون على شرائها إما بقصد التملك الشخصي، أو من أجل التجارة والربح؛ وخاصة أن تصريفها في بلادهم وتحقيق مكاسب من ورائها كان أمرا سهلا وميسورا.

وكانت تجارة المومياوات تجارة رابحة في ذلك الوقت؛ فقد كان سائدا قديما أن القار الموضوع على المومياوات يشفي من الأمراض والجروح والكدمات، لذا فقد ولع الأجانب بها، حتى إن أقدم مومياء مصرية عُثر عليها حتى الآن موجودة بالمتحف البريطاني بلندن، كما أكده الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية في دراسة أسرار السعادة في مصر القديمة.

اقرأ أيضا: زيادة الصادرات.. محمود مسلم يكشف أمورا مهمة تنعش اقتصاد مصر

وأضاف دقيل، أن الرحالة الألماني "جوهان هلفريخ" الذي زار مصر عام 1565م بغرض الحصول على المومياوات، نبش عدة قبور من أجل ذلك.

أما الأسكتلندي "جون ساندرسون" الذي كان وكيلا لإحدى الشركات التركية بالإسكندرية عام 1558م فقد كان يقضي كثيرا من وقته في تجارة المومياوات واستطاع أن ينقل من مقابر مدينة منف "ميت رهينة بالجيزة حاليا" مومياوات إلى إنجلترا بعد أن لجأ إلى الرشوة لتسهيل تهريبها؛ وحقق من وراء ذلك ربحا وفيرا. 

وفي عام 1638م؛ وجه "دي هوساي" قنصل فرنسا بالقاهرة إلى الكردينال "ريشيليو" بباريس رسالة تُظهر مدى ما وصل إليه حال آثارنا؛ حيث يقول: "إن أجمل الآثار القديمة قد صانت نفسها من عوادي الزمن قرونا عديدة، ليتسنى لنيافتكم اختيار ما تشاؤون لتزيين مكاتبكم أو الحفظ في خزائن نفائسكم".

وخلال القرن الثامن عشر؛ بدأت عملية نهب الآثار المصرية تزداد على أيدي السياسيين والدبلوماسيين الأجانب ورجال الدين؛ حتى إن الأب "فانسلب"، الذي كان وكيلا لـ "لويس الرابع عشر" (1638-1715م)، هبط في بعض القبور الأثرية في سقارة وحصل منها على بعض جثث الطيور المحنطة في الأواني الفخارية وأرسلها مباشرة إلى باريس.

أما الدبلوماسي البريطاني "لي مير" الذي عمل في مصر سنة 1711م إلى سنة 1722م، فيُعد أحد أبرز القناصل الأجانب الذين حملوا معهم عند عودتهم إلى أوروبا ما خف حمله وغلا ثمنه من الآثار المصرية، مثل التماثيل الصغيرة والتعاويذ والتمائم.

وفى عام 1723م كان "توماس سيرجنت" أحد هواة جمع الآثار يعرض على جمعية الآثار في لندن صندوقا به تماثيل لمجموعة من المعبودات المصرية كان قد حصل عليها من مصر، كما ضمت مجموعة الآثار الخاصة بالطبيب الإنجليزي "هانز سلون" لفائف من أوراق البردي النادرة.

وقد وصل الأمر بأن ملك فرنسا "فرنسيس الأول" (1708-1765م) كان يحرص باستمرار على حمل لفافة صغيرة من رفات المومياوات المصرية، واستخدامها كعقار لأي طارئ.

وخلال ثمانيات القرن الثامن عشر الميلادي أظهرت ملكة فرنسا "ماري أنطوانيت" (1755-1793م) شغفا زائدا بمصر وآثارها، حين أمرت بإحضار عدد من القطع الأثرية المصرية إلى القصور الملكية.

وبقدوم الاحتلال الفرنسي لمصر مع نهاية القرن الثامن عشر (1798-1801م)؛ زاد الاهتمام بالآثار المصرية؛ سواء القائمة منها أو المدفونة، وخاصة مع إنشاء المجمع العلمي الفرنسي الذي اهتم بجمع كل ما يهم مصر من علوم وعلى الأخص الآثار المصرية.

وبالرغم من فشل الحملة الفرنسية التي استمرت ثلاث سنوات؛ إلا أنها نجحت من الناحية العلمية، غير أنه كان من أهم مقترحات لجنتها العلمية؛ اختيار ونقل الآثار المصرية القديمة، وتأمين وصولها إلى فرنسا؛ حتى إن "فيفان دينون" أحد علماء الحملة الفرنسية الذي اكتشف وصور ورسم العديد من الآثار المصرية وحمل العديد منها إلى باريس، قُوبل بالترحاب لدى عودته إلى فرنسا، وكُلف بإنشاء متحف اللوفر؛ فخصص به أول جناح للآثار المصرية.

كما أن الحملة عند استعدادها للخروج من مصر كانت قد كدست بعض ما جمعته من آثار وخزنته في الإسكندرية تمهيدا لنقله إلى باريس، لكن الإنجليز لم يجعلوا الفرنسيين يهنؤوا بكل ما جمعوه؛ فخلال التفاوض بينهما على الانسحاب اشترط الجنرال الإنجليز "هتشنسون" أن يترك الفرنسيون بعض الآثار المصرية لهم، وقد كان. 

بل إن "ايرل كافان" قائد قوات الإنجليز بالإسكندرية سعى لنقل إحدى المسلات المصرية إلى لندن احتفالا بفشل الحملة الفرنسية، وهي المسلة التي تزين أهم ميادين لندن حاليا.

وأثناء فترة حكم محمد علي باشا (1805-1845م)، ولأنه كان أجنبيا؛ وأراد أن يوطد مركزه دوليا، فقد بدأ يتودد للأجانب ويحرص على إرضائهم، ففتح لهم باب مصر على مصراعيه تجارا ودبلوماسيين وسائحين، ولم يهتم بآثار مصر إلا في حدود استخدامها كوسيلة جذب لانتباه الشخصيات العالمية المؤثرة.
    
وفي ذاك العهد كانت المهام الدبلوماسية قليلة؛ فاتجه القناصل والدبلوماسيون لشغل فراغهم في جمع الآثار المصرية، حتى إن "برناردينو دروفيتي" أول قنصل لفرنسا بمصر عقب الحملة الفرنسية، كان يتاجر في الآثار المصرية علانية، وكان متصفا بالجشع والطمع حتى كرهه منافسوه. أما القنصل البريطاني "هنري سولت" فقد كان مولعا بالآثار المصرية وتنافس مع دروفيتي الفرنسي على نهب الآثار المصرية بل وتسابقا نحو الحصول على الامتيازات التي نالوها من الباشا.

أما الرحالة الإيطالي "جيوفاني باتستا بلزوني" ونهبه للآثار المصرية فحدث ولا حرج؛ فقد نفذ في وقت قصير ما عجز عنه منافسوه، وحفزّ غيره في الاندفاع نحو السطو على الآثار المصرية وتهريبها.

أما الإنجليزي "واليس بودج" الذي بدأ حياته بالعمل في قسم الآثار المصرية بمتحف لندن، فقد كان من أشد مسؤولي جمع الآثار جشعا خلال القرن التاسع عشر، وكانت وسائله في نهب الآثار المصرية غير مستساغة من منافسيه. 

     
وكان الأب "جيرامب" الذي زار مصر عام 1833م؛ يقول لمحمد علي: "لم يكن من يزور مصر يحوز الشرف إلا إذا كان يحمل مومياء في إحدى يمينه وتمساحا في الأخرى". 

بل إن الآثاري الفرنسي "أوجست مارييت" (1821-1881م) كان يُحث قناصل الدول الأوروبية على ضرورة نقل الآثار المصرية نظرا لكره المصريين لها، فخلال المؤتمر الذي عُقد بالقاهرة مع نهاية القرن التاسع عشر؛ قال لهم مخاطبا: إن "المصريين جميعا لا يحبون الآثار القديمة، لذلك يجب إبعاد أولادهم عنها؛ لأنها لا تتماشى مع معتقداتهم الدينية المحافِظة، وكي لا يعمد الشباب المصري إلى تدمير تلك المقتنيات الأثرية الثمينة الرقيقة، لذلك يجب علينا نحن الأوروبيين نقلها إلى أوروبا للحفاظ عليها"!

كما سرق الأوربيون من مصر أوراق البردي التي تحوي متونا دينية ووثائق قانونية وقصصا أدبية متنوعة، حتى إنه وفي الوقت الذي تخلو فيه المتاحف المصرية من أوراق البردي المكتوبة الخط الديموطيقي أو الهيراطيقي، نجد أن متحف اللوفر بباريس به أكثر من خمسين بردية من هذا النوع. أما بردية "تورينو" النفيسة، والتي تحتوي على قائمة بأسماء وفترات الملوك الذين حكموا مصر خلال عصر الأسرات، فهي موجودة بمتحف "تورينو" بإيطاليا.