مصر التى فى خاطرى

مهد الْمَسيح.. حزين

إيهاب القسطاوى
إيهاب القسطاوى

«مهد ولادة يسوع الْمَسيحُ متجهم حزين، مغارته معبأة بأدخنة البارود، وأصوات أفواه البنادق، وأنات الثكالى، وزفرات الموتى، وشرار العتاد، تقض مضاجعه وتسلب سكينته وتؤرق رُقوده، أَجواقَ ألملائِكَـةِ تعزف سيمفونية النّحيب فى ألعـليـاءِ على أوتار آلامه، الحيوانات التى كانت تدفئه بأنفاسها سقطت مُضَرَّجَة بدمائها، هدايا المجوس من الذهب، واللبان، ابتلعتها الأنقاض، هِيرُودِسُ العصر يمتطى صهوةَ جواد الموت، مرتديا عباءته السوداء، حاملا قضيبه المعدنى، مرخياً بظلالِهِ القاتمة على الأرجاء كافة، مخلِّفًا وراءه بقعة محروقة، تتصاعد منها الأدخنة السوداء، تتنفس شهيق «الموت» وتطلق زفير «الأمل»، تهلك الحرث وتدك أسوار المنطق وترسى قواعد الجنون. بينما كان الْمَسيحُ يمضى حاملًا طفلا مصابا يئن ألمًا، مُتأمّلاً، حَزيناً، مُردِّداً: «سيأتى وقت كل من يقتلكم، يظن أنه يقدم خدمة لله».

وعلى الجانب الآخر كانت تقف مِصْر بجلبابها الأبيض مشرّعةً أبوابها، عيناها تواجهه بنظراتها الحانية، يداها تلامس يده، جسدها يعانق جسده، قائلة: «سَلام عليك يوم أن ولدت كلمة من الإلَه، نمتْ فى أحشاء العذراء، وصرت لِلْحَقِّ آية مهداة، وصوتا للصدق ومبتغى، ونِبْعا للتسامح ومُنَاجَاةِ، وللزّهد ثوبًا وللحكمة رداء، سَلاما عليك يوم أن أضأت الكون نوراً، كنت قَبسه وهداه، سلاما عليك يوم أن حوربت وطوردت وتأذيت فى أصقاعك، مرحباً بك يا ابن الناصرة، من جديد، فأنا الملجأ الحصين وواحة السلام والأمان على الدوام؛ وحملت الطفل المصاب من يَدَيَّ الْمَسيحُ عَلى راحتَيها، ومضت لتداوى جروحه.

وفى عام يحل بردائه الجديد لا يسعنى إلا أن أتقدم بأجمل التهانى وأرق الأمنيات، بمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد، راجيـاً بميلاده العظيم أن يتحقّق العدل، وأن ينعم أهلنا فى فلسطين المحتلة بالسلام والطمأنينة، متمنياً أن يكون الاحتفاء بالميلاد ليس تقليدا لذكرى، وإنما تجديد ميلاد الإنسان بقيمه الأخلاقية وبضميره الحى.