مُستقبل إسرائيل «مظلم».. وطريق «دولة فلسطـين» مفروش بالأشواك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: أحمد جمال

انتهى عام 2023 بمراراته التي قد لا ينساها الشعب الفلسطيني  بعد أن تعرض لواحدة من كبرى الجرائم المرتكبة فى  القرن الحادى والعشرين، من جانب الاحتلال الإسرائيلى  الغاشم، غير أن الأمل مازال قائما فى  مستقبل تظهر فيه شمس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما تترجمه بطولات المقاومة الفلسطينية فى  الميدان ويؤكده أهالى  قطاع غزة والضفة الغربية الذين يتمسكون بأرضهم رغم نيران الاحتلال التى  تحرقهم وتحيط بهم بشكل مستمر.

ورغم أن بداية العام الجديد تشهد استمرار الحرب الإسرائيلية التى  تدخل شهرها الثالث غير أن بوادر الانقسام والتفكك التى  تظهر فى  الداخل الإسرائيلى  تجعل من الممكن حدوث تحولات كبيرة في المشهد الراهن، تحديداً وأن دولة الاحتلال لم تعتد على الدخول في حروب طويلة كما أن خسائر الحرب الفادحة التى  تتعرض لها يوميًا على المستوى الاقتصادي والسياسى  والعسكرى  والاجتماعى  كذلك يشى  بأنها قد تبحث عن مخرج يضمن لها الحد الأدنى من تحقيق الأهداف التى  أعلنت عنها قبل بداية الحرب دون أن يقود ذلك لأزمة داخلية طاحنة قد تشكل بذرة لزوال دولة الاحتلال.

◄ منظمة التحرير طريق حماس للبقاء

◄ حرب غزة تخلف أكثر من 21 ألف شهيد ونزوح غالبية الأهالى  ..وتدمير بنيته التحتية

◄ ثلاث مراحل
يمكن القول بأن الحرب الإسرائيلية على غزة مرت بثلاث مراحل، أولاها تمثل في مساعى  إسرائيل لإنقاذ صورتها التى  تشوهت مع عملية «طوفان الأقصى» وهو ما يظهر فى  حجم الجرائم التى  ارتكبتها خلال الأسابيع الأولى من الحرب بدعم أمريكى  وغربى  مطلق بحجة حق «إسرائيل فى  الدفاع عن النفس»، قبل أن تنتقل لمرحلة ثانية بدأت فيها الشكوك الإسرائيلية تتسرب تجاه الصعوبات التى  تواجهها فى  الميدان وكان ذلك أول دافع نحو قبولها بهدنة إنسانية استمرت لعشرة أيام مكنتها من تخفيف الضغوط الداخلية عليها مع استعادة عدد من الرهائن الذين كانوا بحوزة الفصائل الفلسطينية فى  قطاع غزة.

وبعد ذلك بدأت مرحلة ثالثة تحاول من خلالها إسرائيل جنى  أكبر قدر من المكاسب قبل أن تذهب إلى هدن جديدة أو أى  اتفاقات تمهد لوقف إطلاق النار، وهو ما يجعلها تتخذ مواقف وقرارات تبدو متخبطة وغير مدروسة فتارة تتحدث عن إقامة منطقة عازلة على حدود القطاع فى  الشمال ومرة أخرى تذهب للترويج إلى مخططات لاحتلال محور صلاح الدين قرب الحدود المصرية، وتارة تتحدث فيها عن أنها لن تنهى  الحرب فى  الوقت الحالى  وتعود للحديث عن مخططات تهجير أهالى  القطاع ثم تتحدث وسائل إعلامها عن إمكانية قبولها بهدن جديدة.

◄ اقرأ أيضًا | المتحدث باسم حركة فتح: جيش الاحتلال ينتهج سياسة القتل والتجويع في قطاع غزة

وفي كل الحالات فإنها لا تحقق أهداف الحرب التى  حددتها بل إنها تصطدم بموقف أمريكى  يطالبها بوقف استهداف المدنيين وتركيز هجماتها على قادة حماس بما يبرهن على قناعة الإدارة الأمريكية بحجم الفشل على الأرض، ليتحول عامل الوقت إلى سيف على رقاب الاحتلال الذى  تحاصره الانتقادات الدولية لجرائمه وفى  الوقت ذاته فإنه يتحول لعامل إيجابى  لصالح حماس التى  تهدف للتأكيد على أنها مازالت قادرة على الصمود فى  وجه الاحتلال رغم الخسائر الفادحة التى  أصابت أهالى  قطاع غزة والكارثة الإنسانية التى  حلت بالقطاع.

ونزح جميع سكان القطاع تقريبا البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم بسبب الهجمات المدمرة التى  شنتها إسرائيل قبل 12 أسبوعا فى  أعقاب هجوم حركة حماس على بلدات إسرائيلية فى  السابع من أكتوبر، مما أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 رهينة.

◄ السلطات الصحية
وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة الذى  تديره حماس إن الهجمات الإسرائيلية أودت بحياة ما لا يقل عن 21500 فلسطينى، وأدى القصف الإسرائيلى إلى تدمير منازل ومبان سكنية وشركات، فيما توقفت المستشفيات عن العمل.

وطلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تخفيف وتيرة الحرب فى  الأسابيع المقبلة والتحول إلى شن عمليات لاستهداف قادة حماس، وحتى الآن لا تظهر إسرائيل أى  مؤشرات على فعل ذلك.

■ الدكتور بشير عبدالفتاح

◄ بشير عبدالفتاح: لأول مرة.. الحرب تفرق الإسرائيليين

وقال الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في الشئون الدولية، إن العالم أمام حرب غير متماثلة بين جيش محتل نظامى  وحركة مقاومة وطنية مسلحة وهى  حرب تعتمد بالأساس على المفاجآت ويصعب التوقع بنتائجها ويبقى هناك قدرة كبيرة على تحقيق نتائج غير متوقعة من جانب حركة حماس لكن فى  جميع الحالات هى  حرب لا تحسم بالضربة القاضية وتعتمد بالأساس على تجميع النقاط ومدى قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها التى  أعلنتها من البداية وهى  القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى وبناء منطقة عازلة، وبالتالى  فإن الاحتلال حتى هذه اللحظة لم ينتصر بالرغم من الدمار الهائل فى  غزة بل تستطيع حماس أن تدعى  الانتصار لأنها تظل صامدة على الأرض.

وأوضح أن إسرائيل تستطيع أن تستمر فى  الحرب لأن الولايات المتحدة الأمريكية تمولها لكنها تواجه مأزقا آخر يتمثل فى  الانقسامات السياسية التى  بدأت تظهر للعلن بين مؤيد لاستمرارها ومن يسعى لإيقافها ومن يوافق على إقامة منطقة عازلة وبين آخرين يرون أن الحل فى  السلام وإقامة دولة فلسطينية، كما أن طول أمد الحرب له تداعيات سلبية على المواطن الإسرائيلى  الذى  يبحث بالأساس عن دولة الأمان التى جاءوا من أجلها وهناك هجرة معاكسة تسببت فى  مغادرة أكثر من نصف مليون إسرائيلى  منذ السابع من أكتوبر الماضى.

◄ مجتمع يتشقق
وشدد على أن الحرب أفرزت مجتمعا يتشقق من الداخل ولأول مرة تتسبب الحرب فى  تفرقة الإسرائيليين وليس توحدهم، وقد يكون هناك قرارات فجائية إذا شعرت إسرائيل أنها أمام بوادر حرب أهلية فى  الداخل وفى  حال شعرت بتمدد التمرد الداخلى  وفى  تلك الحالة فإنها ستضطر لإنهاء الحرب مع التأكيد على أنها حققت مجموعة من الأهداف والإيحاء بأنها انتصرت لكن فى  المقابل فإنها ستواجه بردود من حماس التى  ستؤكد أنها مازالت موجودة على الأرض ولم يتم القضاء عليها.

ولفت إلى أن انتصار المقاومة مرتفع التكلفة لأن هناك المئات يستشهدون يوميًا إلى جانب أعداد كبيرة من المصابين واستمرار الحرب مكلف إنسانياً للغاية كما أن عناصر الحركة أنفسهم تعرضوا للاستهداف من جانب إسرائيل وهو ما يجعل هناك قناعة بأن استمرار الحرب لا يخدم أى  طرف سوى نتنياهو الذى  يحاول إنقاذ رأسه من المشنقة، وهو ما يفسر حجم الضغوطات التى  تمارسها أطراف دولية وإقليمية للوصول إلى اتفاق يقضى  بوقف إطلاق النار.

وشدد على أن العام الجديد قد يكون شاهداً على الوصول إلى صيغة بمقتضاها يتم السماح لإسرائيل برؤية أنها حققت جزءا من أهدافها وفى  المقابل تنازل حماس عن بعض المطالب وقد تشهد التفاهمات بين الطرفين اتفاقًا على سياق إنهاء الحرب الدائرة الآن، وأن المبادرة المصرية التى  قدمتها لوقف إطلاق النار تأتى  فى  هذا السياق لأن إسرائيل قد تروج لأن حماس أصبحت جزءا من السلطة الفلسطينية ولا تستأثر بمفردها بإدارة القطاع وفى  المقابل فإن ذلك لن ينهى  وجود حماس التى  سيكون عليها أن تدخل فى  إطار الوحدة الوطنية وأن تتبنى نهجا تفاوضيا  سلميا  داخل منظمة التحرير الفلسطينية، فى  مقابل الاتفاق على جدول زمنى  لإقامة دولة فلسطينية.

■ السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق بالقاهرة

◄ بركات الفرا: مرحلة إقامة الدولة وإعادة إعمار غزة بحاجة لسنوات

◄ إعمار غزة
ومن جانبه قال السفير بركات الفرا، سفير فلسطين السابق بالقاهرة، إن المستقبل يشير لاحتمالات تخفيف أدوات آلة الحرب الإسرائيلية بعد أن واجه الاحتلال ضغوطاً من جانب الولايات المتحدة بهذا الشأن فى  ظل حالة من التشرذم الحالي الذى  يسيطر على حكومة الحرب الحالية، مشيراً إلى أن مفتاح إيقاف الحرب خلال العام الجديد يبقى من خلال القناعة الأمريكية من أن استمرارها لن يؤدى  سوى إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار فى  منطقة الشرق الأوسط وهو ما قد يعرض مصالحها الاستراتيجية للخطر، وأنه بدون حل الدولتين لن يكون هناك سلام فى  المنطقة.

وأضاف أن الوصول إلى مرحلة إقامة الدولة وإعادة إعمار غزة بحاجة إلى عدة سنوات بل إنه يمكن القول بأن عملية رفع الركام فى  غزة قد تكون بحاجة إلى عامين أو أكثر وقد تتراوح مدة إعادة الإعمار ما بين 7 إلى 10 سنوات، كما أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين لن يكون بين ليلة وضحاها والأمر بحاجة إلى مزيد من الوقت كما أن التغيير يجب أن يبدأ من الداخل الفلسطينى  من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومحلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وأن تطبيق كل هذه الخطوات بحاجة إلى فترات زمنية ليست بالقصيرة.

◄ مستقبل إيجابي
وتنبأ السفير الفرا بمستقبل إيجابى  للقضية الفلسطينية التى  عادت لأن تكون فى  بؤرة الاهتمام الدولى  مرة أخرى بعد أن غابت عن المشهد العالمى  خلال العقد الأخير تحديداً، مشيراً إلى أن العالم تنبه إلى هناك قضية عادلة ومازالت تحظى بمقاومة قوية لنصرتها، ويعد ذلك أحد أبرز مكاسب عملية «طوفان الأقصى»، معتبراً أن مطالبة العديد من الدول الغربية وبلدان أمريكا اللاتينية بضرورة وقف الحرب بمثابة مكسب للقضية الفلسطينية التى  وجدت من يناصرها.

لكنه فى  الوقت ذاته تخوف من أن تستمر الخلافات الفلسطينية حتى وإن توقفت الحرب، مضيفاً: «المنطق يؤكد أن الحرب الحالية يجب أن توحد جميع الأطراف الفلسطينية وقد يحدث ذلك إذا تلاشت المؤثرات الخارجية وتحديداً إيران وحزب الله بما لديهم من أدوات ضغط على حركة حماس، ورغم أن الأجواء كانت مهيأة فى  السابق للوصول إلى توافق من خلال مباحثات الوساطة التى  خاضتها مصر إلا أن التدخلات الخارجية دائما ما كانت تعرقلها».