محدش يحوشنى

ابنى وغزة

وائل الملاح
وائل الملاح

يستعد الواد ابنى للسفر بصحبة أمه الى بلديهما قريبا، شاءت الأقدار ان يحمل ابنى جنسية أخرى بالإضافة للمصرية، جنسية أمه يحملها بالتبعية، جنسية عربية إسلامية شقيقة، فتحت لنا المجال كثيرا فى البيت لنؤكد على ان العرب كلهم كيان واحد، وقد رأى بعينه ان عائلته شخصيا نصفها هنا والنصف الآخر هناك، ولد هنا وأول عيد ميلاد له كان هناك، صام شهر رمضان هنا وفرح بالعيد هناك، بات الفرق الوحيد له بين البلدين بضع ساعات يقضيها فى الطائرة، فكرة اننا جميعا إخوة وأمة واحدة، فكرة فهمها بنفسه «على غير العادة»، لم «تحتاج» منا مجهود لنغرزها داخله، لم تحتاج منا ان نبحث عن أدلة تاريخية ولا حكايات تراثية ولا اثباتات دينية ولا شعارات رنانة..

كما شاءت الأقدار أيضا ان يلتحق الواد ابنى بمدرسة أمريكية، يحاوطه فيها علم أمريكا من كل اتجاه، يدرس تاريخها ويحفظ أشعارها، ويحتفل بأعيادها، يجلس فى فصل يحمل اسم ولايتها، ودون مجهود كبير منا لكى يحب مدرسته، تولد لديه شعور بالانتماء للمدرسة التى يلعب ويحتفل بها ويقضى معظم اوقاته سعيدا فيها.

فى يوم وليلة حصلت أحداث غزة ورأى ابنى أطفالا فى مثل سنه يقصفون بالطائرات وغيرهم ينادون اهاليهم تحت الأنقاض، ودخل الى قاموسه معنى كلمة غارات، رأى الأطفال يهربون من قصف الصواريخ تماما كما يفعل «بس الصواريخ مش لعبة»، رأى الطفل يصرخ على أرض المستشفى من الألم «مش عشان صاحبه اخد دوره فى «البلاى ستيشن»، شاهد قصف المستشفى فى ليلة ٣١ أكتوبر ولأول مرة فى حياته لا يطلب ان يحتفل بالهالويين «لم يحتاج لمزيد من الهلع»..

من وقتها تبدل الحال، طُبع علم فلسطين على ظهر يد الواد ابني، طلب من أمه الا تصلى له فى مباراته القادمة بل تصلى من أجل أهالى غزة، لم يعد يسأل عن عدد أهداف رونالدو بل بدأ يسأل عن عدد ضحايا المجزرة، وقبل ان يشترى يسأل «مصرى ولا مقاطعة؟» ومع الوقت الأسئلة أصبحت أكثر تعقيدا، هى أمريكا ليه مش بتحبنا؟ ولو هى مش بتحبنا ليه دخلتونى عندها؟ يتجمد ذهنى أمام السؤال وأغير معه الموضوع وأنفرد بنفسى طويلا لأجد الرد المناسب وقبل ان احصل عليه يلاحقنى بباقى ما يدور فى ذهنه من أسئلة.

وأخيرا سألنى مش هتسافر معانا ليه؟

رديت عليه: أصل مش معايا تأشيرة.