آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: الإسلام لله .. والإيمان بالغيب

حامد عزالدين
حامد عزالدين

تشريف لا يعادله تشريف ذلك الذى حظيت به السيدة العذراء مريم فى القرآن الكريم خاتم الرسالات السماوية، فهى كانت الأنثى الوحيدة التى ذُكر اسمها فى القرآن الكريم، بل إن اسمها أُطلق كاسم لسورة كاملة من سور القرآن الكريم هى سورة مريم.

ومَريَم هُو الاسم الآرامى لمَريَم أمُّ المسيح. وقد ذُكرت بالتّرجمة الإغريقيّة للتناخ (العهد القديم)، وذُكر الاسم بالنّص الأصلى للعهد الجديد و‌القرآن. والاسم له نفس الصّيغة بالسّريانيّة، الجورجيّة والأرمينيّة. الاسم البديل باللُّغة العبريّة هو مِريام، واللّاتينيّة ماريّا. الصّيغة اللاتينيّة هى الصّيغة التى تمّ تبنّيها فى جميع اللّغات الغربيّة الأوروبيّة الحديثة اتّباعاً للمسيحية. أمّا فى التُّركيّة فتُلفظ مِريِم. ومن المُمكن أن يكون أصل الاسم من المصريّة القديمة مرى «المحبوبة» أو مر «الحُب».

وذكر الاسم فى القرآن الكريم 34 مرة منها 11 مرة وحدها و23 مرة مرتبطة بكونها أم المسيح «عيسى بن مريم». وهذا تأكيد لا يقبل الجدل على علو شأنها عند الله سبحانه وتعالى الذى يقول فى القرآن الكريم، كلام الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فى الآية رقم 15 من سورة مريم: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ». وتكرار الفعل «اصطفاك» على نساء العالمين، لأن الاصطفاء كان على مرحلتين، الأولى اصطفاء اختيارها لتحمل عيسى والثانية أن تكون أما لنبى هو كلمة من الله ونفخة من روح الله سبحانه وتعالى.

وفي الآية 91 من سورة الأنبياء: (وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ). والذى هو عليه السلام يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا فى الآيات من سورة مريم: «قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَىّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ». 

عيسى هو الاسم، أما المسيح فهو لقبه. كما أراده الله سبحانه وتعالى. والمعنى لاسم عيسى فى اللغة العربية هو صيغة مبالغة من الفعل عَاسَ ومعناها طافَ بالليل، وهو ما كان المسيح عيسى بن مريم حريصا عندما يخرج ليلا لتفقد رعيته. أما المسيح اللقب فهو صيغة مبالغة المبالغة على وزن فعيل، والفعل مسح فهو بمعنى كثير المسح بيديه الكريمتين، وهو ليس مسحا كأى مسح، وإنما كان هذا المسح كفيلا بتحقيق المعجزات، فهو كان يمسح بيده على العليل والأكمه والأبرص فيبرئه بإذن الله، وهذا رأى ابن عباس الذى كان يقول: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا وبُرئ ولا ميتا إلا أُحيى، فهو هنا من أبنية أسماء الفاعلين. واللافت للانتباه أن اسم عيسى تكرر فى القرآن الكريم 25 مرة وهو نفس عدد مرات تكرار اسم «آدم» .. فى تأكيد لا يقبل الجدل على ما ورد فى الآية 59 من سورة آل عمران: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ». 

وفي معنى لقب المسيح هناك قولان آخران إضافة لما سبق وقلته من ارتباطه بالفعل مسح، فهناك من يقول إنه سُمِّى بذلك لحسن وجهه، إذ «المسيح» فى اللغة جميل الوجه يقال على وجهه مسحة من جمال وحسن، ويقال: مسحه الله «أى خلقه خلقاً مباركاً حسناً». ويقال إن جبريل عليه السلام مسحه بالبركة وهو قوله تعالى «وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ»، «وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ»، ويرى هذا الرأى كثيرون، منهم الحافظ أبونعيم فى كتابه «دلائل النبوة». والقول الثانى يرى أن المسيح هو الذى يمسح الأرض أى يقطعها، ويصدق هذا القول أن عيسى بن مريم يعد أكثر الأنبياء سياحة فى الأرض، وهو أصغر وأشهر سائح جاء إلى مصر، وقد قطع المسافة وهو طفل صغير من بيت لحم بفلسطين حتى القوصية فى جنوب مصر، ثم عاد بعد عامين ونصف تقريباً إلى فلسطين مرة أخرى، فكان تارة بالشام وأخرى بمصر، ومرة على سواحل البحر وساح فى البرارى والقفار والزراعات. 

آخر كلمة:
إن تدبر كتاب الله بقلب سليم، هو الطريق السوى لدخول الجنة. بل هو السبيل لإزالة كل الاختلافات بين «الملل»، لأن الدين عند الله الاسلام، ولأن من يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يُقبل. ولو عرفنا أن الإسلام لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، لأدركنا أننا لا نطيع الله حق طاعته خصوصا عندما نقرأ الآية 285 من سورة البقرة: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ». وسيكون هذا موضوع مقالنا المقبل إن كان فى العمر بقية.