« القدر» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

فاطمة مندي
فاطمة مندي

لم أشعر بنفسي إلا وأنا على فراش المستشفي، لم أشعر بساقي اليمنى، عندما بدأت في الإفاقة من الغيبوبة رأيت فتاة رائعة الجمال أمامي، تمسك بوكيه ورد وتنظر إلي بابتسامة رقيقة.

سألتها في نصف وعي: أين أنا؟ ومن أنتِ ؟

قالت: إهدأ سأخبرك بكل شيء في حينه .

حاولت تحريك قدمي صرخت : رجلي تؤلمني .

دلف الطبيب مسرعاً عندما وصله صوتي .

أعطاني مهدئ قائلاً: اهدأ لقد كادت الحادثة أن تقضي على حياتك، لولا عناية الله، فاختار قدمك فقط بدلاً من حياتك، حمد الله على سلامتك.

 ربت على كتفي مهدئاً:

لقد أخذت الحادثة قدمك اليمنى .

سمعت حوار الطبيب في ذهول ورفض،  وانهارت قوتي أمام الصدمة، وبكيت بكاء مريرا.

تقدمت الفتاة عدة خطوات ووقفت بجوار فراشي،  ثم جلست على مقعد بجانبي وعقبت بدموع متلاحقة: أنا أسفة منك، أنا سبب مصابك، ولكنك كنت تركض مسرعاً وأنت شبه غائب عن الوعي، وعن الدنيا، كنت شارداً ومشتتاً، فوجئت بك أمامي على الطريق .

وأستأذنت الزائرة والطبيب .

بادرت بالاتصال بحبيبتي على الهاتف، قصصت عليها ما ألم بي، هرولت إلى، عندما رأتني في هذا الوضع صدمتها المفاجاءة، ألجمت فمها،  وبعد برهة من الوقت، أحست بالخجل؛

ثم عقبت : اسفة أتمنى لك الشفاء، ثم استدارت منصرفة .

بعد عدة أسابيع من زيارتها هاتفتني قائلة: أسفة، لا أستطيع أن أكمل مشواري معك،

تقدم لي شخص، وجميع أهلي يرحبون به، ويفرضوه علي، غصب عني تركك، سأتزوجه مضطرة ثم أغلقت الهاتف .

حاولت الاتصال بها مرات عديدة، ولكن دون جدوى.

بعد مرور عدة أيام عرفت أنها غيرت رقم هاتفها .

كنت أحب الاطفال، كنت أحلم بالزواج منها وإنجاب طفل ألعب معه.

أحببتها  بل عشقتها لم أتخيل حياتي بدونها، كنت أعمل في إحدى الشركات براتب ضئيل نوعا، قبل الحادث.

 

أخبرتني حبيبتي عن هذا الإعلان وظيفة في إحدى الشركات براتب أكبر، بهرها الراتب، أفقدها اتزانها، وظلت تعدد لي مزايا الوظيفة الجديدة، استعملت معي كافة وسائل الضغط، على مضض وافقت على تنفيذ رغبة حبيبتي، قلت محاولاً إقناع عقلي بموقفها: لماذا لا أجرب لن أخسر؟!

قررت الذهاب لعمل المقابلة، أسرعت إلى الشركة يملؤني الأمل، وتلفني الفرحة بمزايا الوظيفة الجديدة، عالية الراتب والمميزات..

فزت بالوظيفة، عربدت الفرحة بداخلي.

أثناء سيري في الطريق، كان فكري بعيداً عن واقعي، أسبح في دنيا المال، ولم أنتبه لمن حولي من فرط فرحتي بالوظيفة شردت، صدمتني سيارة.

 الفتاة الجميلة التي تقف بجواري تساندني وتساعدني، تنظر إلي باكية، تؤنب نفسها طوال الوقت على ذنب فاجئها ولم تقترفه.

بعد مرور عدة أشهر سمح لي الطبيب بخروجي من المستشفى على كرسي متحرك، وكانت الفتاة الجميلة قد اشترته، لي كما دفعت مصاريف المستشفي الخاصة، ومصاريف قدم صناعي.

رافقتني قاسمتني معظم أوقاتي .

صرخت بصوت مرتفع عاتبت الظروف: لماذا ؟

لماذا تتركني حبيبتي؟  لماذا تضيع وظيفتي؟ ولماذا تجعلني عاجزاً باقي عمري؟!

وأنا مازلت في بداية عمري؟ لماذا تبخر حلمي الذي كنت أحارب للنيل منه؟ وعندما أوشكت على نيله يتبخر كخيط دخان ؟!

وبعد مرور عدة أشهر وجدت نفسي أفكر في فتاة الحادث، أريدها بجواري دائماً؛ ولكن كنت أخشى أن ترفض، وأخسر أجمل ملاك.

حضرت كعادتها كل يوم، فاجأتني.

 قالت لي علي استحياء: هل تقبل الزواج مني؟

فارتعد جسدي قائلاً:  ماذا تقولين؟!

 قالت : هل تقبل الزواج مني؟

 قلت : أنا لا أقبل شفقة من أحد.

قالت:  ليست شفقة ؛ لكني أحببتك حقاً، لمست فيك خصال نادرة ؛ لم تصادفني من قبل.

قلت: وساقي المبتورة ؟! .

 قالت: أنت الآن تعمل في منصب مرموق، مدير في إحدى شركات والدي، وقد ربحت شركتنا كثيرا تحت رعايتك، وكل اسهمنا تضاعفت، نحن من يحتاجك.

هل تعلم لقد جاءك استدعاء من الجيش وأنت غائب عن الوعي، والمجموعة التي ذهبت نالت الشهادة في حادث أليم.

 وخطيبتك السابقة طلقها زوجها لأنها لا تنجب.

والشركة التي كنت ذاهب إليها صفت أعمالها.

فاندهش، ولم يقل غير كلمة واحدة والدموع تسترسل من حدقتيه : إنه القدر.