«سمية».. «شاعرة غزة»: مصر أشبه بالضوء في نهاية النفق لفلسطين

الشاعرة سمية عصام
الشاعرة سمية عصام

«سمية عصام» وادي، شاعرة فلسطينية، حاصلة على ماجستير فى  الأدب والنقد، وتعد الآن لرسالة  الدكتوراة فى النقد العربي، وتعمل مدرسة لغة عربية لدى «الأونروا»، وقد صدر لها ديوان بعنوان «لو يظمأ السفر» 2013، وديوان «شاعر غزة» 2015، ومؤخرًا صدر لها ديوان بعنوان «هو نفسه وأنا سواي»، وعنه تقول سمية: «قصائد الشاعر الفلسطيني تحلّق بجناحين من حلمٍ ووجع، فالقلب الإنسان يكتب قصائد الحب، والعرفانية، والبحث عن الذات، والقلب الوطن ينتمى إلى الجرح الكبير فيكتب عن المكلومين، والنازحين، والتعساء فى هذا الوطن، وقصائد الديوان قد راودها هذان الانكساران، فكانت ذاتيةً عالية، ووطنيةً حية، و«سمية» حاصلة على لقب «شاعر غزة» فى مسابقة تنافسية في فلسطين، وهى عضو لدى العديد من المؤسسات الثقافية والأدبية المحلية والعربية، وجرى اختيارها ممثلة لفلسطين فى منظمة «الإيسسكو» فى المغرب العربى.

فى حوار خاص مع «الأخبار» وصفت لنا تفاصيل ما يحدث فى «غزة» كشاهد عيانٍ على المجازر البشعة وحرب الإبادة التى يرتكبها الكيان الصهيونى ضد المدنيين من النساء والأطفال والعجائز ..

تسكن «سمية وادى» فى منطقة «الزوايدة» وسط قطاع غزة، وعن مشاهداتها للحرب الحالية تقول: الإسرائيليون مسحوا بعض المناطق عن الخريطة مثل الشمال والشرق، وعندنا نازحون بشكل لا يُطاق، ولا أشاهد ما يحدث، وإنما أعيشه كل لحظةٍ، قصف، ودمار، وموت من كل جانب، يقصفون البيوت على رءوس الناس، لا كهرباء ولا ماء ولا وقود، وبالتالى فمقومات الحياة معدومة، ونعيش حياةً أشبه بالبدائية، ما بين وجع الفقد، وخوف الموت، ومأساة البحث عن الخبز والماء، ولا يوجد أى سوق، أو دكان يبيع شيئًا كالحلوى، أو البسكويت للصغار، لا يوجد سوى البصل، وبعض الخضر البسيطة، الوضع مدعاةٌ للجنون، قفصٌ كبير يباد كل من فيه، دون أن يلتفت العالم إلى هذا الموت، حرفيًا نحن ننتظر الموت فى كل لحظة، «غزة» كلها تسير الآن، أرى الجميع فى خيمة نزوح كبيرة، يحملون حقائب شخصية، لا تتّسع لأىّ جدوى من الحياة، أسير معهم، أتحاشى النظر فى عيونهم، أشعر أن رصاصاتٍ مهترئة تخرجُ من أكتافهم، أتعجّب من أنهم لا يملكون حديثاً، ولا ينصتون لأى صوتٍ داخلى أوخارجى، سدّوا على قلوبهم أى متنفّسٍ للانفجار، لم يعلّقوا ولو بكلمة على الجثث المكوّمة، على مئات الأبراج الساجدة، على الفقر والبؤس والمرض، المفقودين، المتروكين تحت الركام والكثير من الأحلام، يسيرون وفقط، تستطيع أن تلمحهم ، تحت أغطية البؤس التى نبتت وعششّت على وجوههم، تستطيع أن تراهم وسيذهلك حجم الصخور المحمولة على أكتافهم، لكنك ستتحاشى النظر فى عيونهم لأنها لا تحمل أىّ جدوى من الحياة، ولشدّة ما خسرنا لم نعد نتمسك بشىء من هذه الدنيا، تركنا أرواحنا تصطفّ فى طابور الموت، تركنا الأمل ينزف فى الطرقات، ولا سبيل لنا سوى الحزن كثيرًا، والأمل أكثر، تصمت «سمية» قليلًا ثم تنشد: «خارج التغطية، دم قلوبنا يسيل على الأرض، أحياء نستغيث بموتى، نازحٌ يأوى إلى نازح، مهاجرٌ يبكى مهاجرًا، وجريحٌ يحمى جريحاً !!»، كلّما قتلوا أحدًا منّا، تخسر الأرض جبلًا من جبالها التى تسندها من الانكسار، ثم يجلس هذا الجبل على هيئة حزنٍ فى قلوب الأحياء، ولكم أن تتخيّلوا، كم جبلًا خسرت الأرض، وكم جبلًا من الحزن يجثمُ على صدورنا ؟، وعن هدنة الأيام القليلة تقول سمية: « لم تكن هدنة، كانت تنهيدة، قصيرة المدى عميقة الوجع، بين موتين ينهشان حلوقنا، موتٍ أغرق الأرض بدم الأبرياء، وموتٍ ذبح الأحياء فقرًا وجوعًا وبردًا وانتظارًا ، يارب ، أنت ولا أحد ..»

◄ اقرأ أيضًا | «مريم».. شاعرة «غزة»: الدعم المصري يشعرنا بالثقة في مواجهة الوحشية | حوار

◄ يوم في حياتنا
وفي تفاصيل الحياة اليومية تصف «سمية»: نستيقظ بحثًا عن الماء لنعبّئ زجاجات ودلاء ماء بالكاد تكفى للوضوء، والغسيل، والشرب، ثم بحثًا عن مصدر طاقة، مدرسة نازحين، أو مشفى لشحن بطاريات الجوال والإنترنت، ثم بحثًا عن حطب لإشعال نارٍ للطبخ والخبز، ثم بحثًا عن سجلّ المفقودين لنرى من مات ومن نجا من الأهل والأصدقاء، وأخيرًا بحثًا عن أى أملٍ فى ضمير العالم النائم، لعله ينقذُ ما تبقى منا، وتؤكد أن: دولاب الموت المتسارع، والغرق فى تفاصيل الموت الجمعى والفردى لم تترك مساحةً كبيرةً للشاعرية والتأمل، ربما أكتب فى هذا الوقت ومضات وكلمات تمسح الدم عن الجرح، وتعيد إلى القلوب بعضًا من أملٍ أو مواساة.

◄ نستمد قوتنا من مصر
وعن الدور المصرى تجاه غزة والقضية الفلسطينية تقول: «كانت مصر بشعبها الحرّ، ولا تزال أشبه بالضوء فى آخر النفق لفلسطين، وشعبها فى الحرب والسلم، ومن خلال وقوفها معنا، والضغط الشعبى على المحتل يمكن أن نستمدّ قوةً، على الأقل فى توفير الاحتياجات والمستلزمات الطبية للنازحين والمرضى، وبفضل الله كانت الجهود مباركةً وواضحة، وبإذن الله تبقى الشعوب العربية كلها نصيرةً لقضيتنا العادلة».