نقاوم بالصورة وبالقصيدة وبالأغنية

«مريم».. شاعرة «غزة»: الدعم المصري يشعرنا بالثقة في مواجهة الوحشية | حوار

مريم قوش
مريم قوش

مريم قوش، شاعرة وأديبة فلسطينية، تعد حاليًا رسالة الدكتوراه فى فلسفة الأدب، وصدر لها العديد من المجموعات الشعرية، ومنها: «سبعٌ عجاف»، «كما تمشى القطا»، «رسائل إلى البرتقالي»، «انتماء للنهار»، وقد حصدت «مريم» العديد من الجوائز مثل: «جائزة جاكوتشى» للشعر العالمي، بالتعاون بين وزارة الثقافة اليابانية، ودار «يافي» للنشر 2019، وتُرجمت قصائدها إلى اليابانية، كما حصلت على جائزة فلسطين الدولية فى مجال الشعر 2021، وجائزة دولة فلسطين التشجيعية للمبدعين الشباب 2021، وجائزة البحر الأبيض المتوسط الدولية للشعر 2022، وجائزة «أنطون سعادة» للشعر 2023، وجرى اختيارها ضمن 28 شخصية فلسطينية مؤثرة للعام 2022.

تسكن «مريم» في مخيم «النصيرات» للاجئين بقطاع غزة، ويقع منزلها بجوار بيت خالتها الذى تعرض للقصف الهمجى بالطيران الإسرائيلي في الحرب الحالية، مما أدى إلى تدمير جزئى لمنزل أسرة مريم قوش، وإصابتها، ووالدتها وابن أخيها بإصابات مختلفة، من هنا جاءت بداية تواصلى مع مريم، لمعرفة بعض تفاصيل العدوان الإسرائيلي الوحشي، والمدمر للحياة فى غزة، وقد بادرتنى «مريم» قائلة: نفتتح يومنا بتفقد من نحب، من نجا من الحرب، ومن ارتاح منها، نبدأ بالتفتيش في قائمة الأسماء الصاعدة إلى السماء، فى كل يوم تتسع بوابة السماء لحشد أكبر من الأحبة الذين يرحلون، أسماء الشهداء كلها مصحوبة بواو العطف، استشهد فلان وأمه، وأبوه، وأبناؤه، ومربعه السكني، وذاكرته وأحلامه، وأيام كانت تنتظره، ونحن لا نزال، لا نزال .. ننتظر، من ينقذ النور من عطش الكبرياء؟، وبعد الاطمئنان عليها وأسرتها، سألتها:

■ الدمار في كل مكان من جراء القصف الهمجي

◄ كيف ترين المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل في الحرب الحالية على غزة؟
• المواجهة هى صراع شعبٍ أعزل يريد أن يثبت حقه فى الحياة، وفى العيش بحرية وكرامة وبين احتلال وعد الله المؤمنين بزواله، نحن عشنا حروبا كثيرة، وانتفاضات، ومعارك طويلة، ولكن هذه الحرب هى أكثر الحروب دموية، فى كل يوم نودع مئات الشهداء، فى كل ساعة تتسع بقعة الدم، وتلتهب بقعة الزيت، ولا حل يبدو فى الأفق، ها أنا ذا أتحدث الآن بعد مرور أكثر من 50 يوما لاندلاع هذه الحرب.. خمسون يوما على النزف، خمسون يوما .. ودعنا أحبة، وقابلنا أحبة كنا نود لو أننا رأيناهم فى غير النزوح، خمسون يوما، وكل يوم بألف سنة، وكل ساعة بألف شهر، ولا تزال الأرض العربية تقدم الشهيد تلو الآخر، فى كل يوم تزيد أسماء الأحبة من الشهداء وتتسع السماء للراحلين، ونحن لا نزال ننتظر.

◄ إحكِ لي عن تفاصيل يومية أثناء هذه الحرب؟
• الذى نعيشه في الحرب لا يتخيله إنسان، هناك أزمة إنسانية حقيقية، الشهداء بالمئات واستهداف المستشفيات لا يتوقف، الحياة اليومية شبه متوقفة، نحن بانتظار الموت، الخوف يحدق بنا من كل جانب، لا كهرباء ولا ماء ولا وقود ولا حياة، نحن نتوقع الموت فى كل لحظة، وبمجرد أن يتوقف القصف نبدأ نتفقد أحبابنا من نجا من الحرب ومن استراح منها.

◄ وما هو دور المثقفين في الصراع العربى-الصهيوني؟
• أثبتت الأيام أن فلسطين حاضرة فى ضمير العالم العربي، وفى ضمير المثقفين العرب، كنت سعيدة جدًا، وأنا أقرأ قصائد أصدقائى الشعراء من لبنان وسوريا والعراق والمغرب، وكل الدول العربية، وهم ينشدون قصائدهم لأجل فلسطين، شعرت بأن الدم الحر ينبض فى قصائدنا وأصواتنا ونشيدنا، شعرت بأننا بخير، وقلوبنا بخير، والقصيدة العربية المعاصرة بخير.

◄ اقرأ أيضًا | تتجاوز الـ3500 أسير.. حصيلة الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر

◄ وما الدور الذي تؤديه الثقافة؟
• نحن نقاوم بشتى الطرق، بالقلم والكتابة، بالكاميرا، بالصورة، بالأغنية، بالقصيدة، لأجل أن تبقى فلسطين حاضرة بقوة فى ضمير العالم الحر، إن الثقافة توازى ما تصنعه يد المقاوم، فيد الأديب الذى يضيء وعى العالم، ويوجه أعين الخلق إلى القضية فلسطين العادلة، يده توازى يد من يقف فى ميدان المعركة، ويده توازى يد الصحفى الذى يتنقل بين أنياب الموت ليلتقط عين الحقيقة، ويقدمها إلى العالم، ويده توازى حنجرة المغنى الفلسطينى الذى يهتف: دمى فلسطيني، لذلك لا يمكننا أن نغفل مطلقاً عن الدور العظيم الذى تقوم به الثقافة فى تسليط الضوء على عدالة القضية الفلسطينية.

■ دماء مريم وأمها وابن أخيها على الأرض

◄ كيف تشعرين كمواطنة فلسطينية بالدعم والمساندة من مصر والعرب؟
• نشعر بثقة كبيرة حينما نرى الدعم المصرى لغزة، ولموقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين، ودعمها للمرضى الذين غادروا لأجل العلاج فى مصر، وهذا ليس غريباً على مصر التى كانت دوماً داعمة وسنداً للقضية الفلسطينية، وأيضاً الجماهير العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط وتخرج فى مظاهرات تشعرنا أننا لسنا وحدنا، وأنها كلها تدعم القضية الفلسطينية.

◄ هل قمتِ بكتابة أشعار تعبر عن مأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني في هذه الحرب؟
• بالطبع كتبت عدة أشعار، سأرسلها إليك، وأهديها إلى الشعب العربى، والفلسطينى، ويسعدنى ويشرفنى أن ترى أشعارى النور ويقرأها الجميع من خلال جريدتكم الغراء «الأخبار»، وأن أوثق ما شاهدناه فى هذه الحرب لأجل التاريخ، ولأجل أجيالنا القادمة.

• في الختام، ماذا تحب «مريم قوش» أن تقول؟
• بعد ألف عام، سوف يقف معلم التاريخ يشرح درساً اسمه «غزة»، ستقرأ الأجيال القادمة أيامنا وأسماءنا، ومواقفنا، وأوجاعنا، وخذلاننا، ونزفنا، ونداءنا انتظارًا، نحن لن نعاتب أحدًا، يكفى بأن التاريخ لا ينسى.


◄ أنين الركام
هوينا على الرملِ،
تحتَ الركام هناك رضيعٌ وشيخ عجوزٌ وسيدةٌ تعشق الشمسَ، تجدُل أيامها الشاهقة
هوينا، فلى جثة الطينِ تزهرُ
من وجع النزف فكرتنا الواثقةْ
هوينا، فسِرْ للشّمالِ، وودعْ عروق السؤالِ، وعانقْ رؤى دافئة
12 نوفمبر


◄ هل نلتقي
هل نلتقى لو أن هذى الحربَ يومًا تنتهى؟
هل نلتقى فى شارع المختارِ، فى حى الرمال أو الكرامةْ
هل نلتقى، فى دهشة «الكورنيش» نرشف شاينا والفستقُ الحلبيُّ
يروى ما تبقّى من قشيبِ للغيمِ شوقًا لليمامةْ
هل نلتقى لو تنتهي
هذى الحروبُ بذلك المقهى العتيقْ
نطل نحو كنيسةٍ ألقت على (كاتبْ ولايةَ)
دهشةَ الدمعِ الأنيقْ؟
ونعود نحملُ كل أسرارِ البنفسجِ للمخيمِ
: إننا عدنا!
كأنا لم نغادرْ لحظةً
هل نلتقي؟
أم أننا سنموتُ مثل الياسمين بحارة النسيانْ
هل نلتقي؟
وإذا التقينا هل نلاقى ذكرياتِ الروح فى وجع المكانْ
هل نلتقي؟ أم أن لقيانا خيالٌ الماء
فى وجع البريقْ
26 أكتوبر