خطابات الرئيس.. قوة الكلمة وصدق النوايا

الرئيس عبد الفتاح السيسي
الرئيس عبد الفتاح السيسي

بإرادة قوية وحرة اختار الشعب بأغلبية ساحقة عبد الفتاح السيسى ليكون رئيسا للبلاد لولاية جديدة، وعقب كل فوز يقف الرئيس ليوجه خطابا موجزا للأمة يحتوى على كلمات قليلة ومعان ودلالات عديدة، تثبت فى كل مرة أنه العارف بأحوال المواطن، والقارئ للتحديات، والمالك لخطة النجاح.. وفي هذا التقرير التالى تحليل وافٍ يُقدّمه خبراء اللغة لخطابات الرئيس الثلاثة:

في البداية يؤكد د.محمد العبد، عضو مجمع اللغة العربية، وأستاذ تحليل الخطاب بآداب عين شمس، أن الإيجاز والدلالة من ثوابت بلاغة الخطاب السياسى للرئيس فى السراء والضراء، وإذا كان الإيجاز معيارًا كميًّا، فالدلالة ليست إلا معيارًا كيفيًّا ينشد كل خطاب بليغ تحقيقه مهما تباينت موضوعاته وأغراضه، ويستطيع المتابع أن يقرأ فى خطابات الرئيس الثلاثة فى مناسبة فوزه فى الانتخابات الرئاسية نهج منتج الخطاب فى العمل الوطني، فلا تردد فى الإنجاز، ولا إنجاز إلا للوطن والمواطن، ولا وطن أو مواطن إلا بالاصطفاف وتشابك السواعد من أجل الغد.

◄ اقرأ أيضًا | المفتى: لا تنتبهوا للفتاوى الموسمية الشاذة واحتفال المسلمين بميلاد المسيح «مشروع»

وأضاف: من مسلَّمات التواصل اللغوى أن الطريقة التى يُقال بها الشيء جزء أصيل مما يُقال، وهى فى الوقت نفسه جزء من صاحبها، وقد جرت الطريقة فى تلك الخطابات الثلاثة على نسق واحد يتسم بالإيجاز المفيد: تناول ما لا يُمكن تجاهله، والدفاع عما لا يُمكن التفريط فيه، والتطلع إلى ما لا تكتمل صورة الطموحات الجماهيرية إلا به، رغم أن لكل خطاب منها سياقه التاريخى الخاص إلى حدٍّ ما: زمن الخطاب، الأحداث المصاحبة، حجم الإنجازات، أفق التوقعات والتطلعات المرتبطة بكل مرحلة أو فترة رئاسية، فإن هذه الخطابات تنجح فى قراءة الواقع واستطلاع المستقبل بلغة يفهمها العامة والخاصة.

الاتفاق والاختلاف
ويضيف د.العبد أن خطابات الرئيس تتسم بوحدة المناسبة، ووحدة الغرض، ووحدة الوسيط الاتصالى، ووحدة الطابع الاحتفالى، ووحدة الشكل اللغوى، ورؤية هذه الوجوه من التشابه تشير إلى قواسم إيجابية، من أهمها: شجاعة الإبقاء على ثوابت التعبير اللغوى عن هذه المناسبة، وبراعة التغيير فى معجم النص وتراكيبه، ونجاعة الربط بين ملابسات المناسبة الخاصة (الفوز فى الانتخابات) وملابسات الأجواء العامة الداخلية والخارجية.

ومن منظور (بنية النص) نرى تأطير نص الخطابات بعبارة الاستهلال الأثيرة (شعب مصر العظيم)، والخاتمة (تحيا مصر)، والعبارتان مصوغتان على نسق لفظى وتركيبى حتى صارتا علامتين إيجابيتين مميزتين لخطابات الرئيس فى تلك المناسبات الوطنية الاحتفالية.

الخطابات بلغت الرسالة المنشودة من أقرب طريق وأسلكه، وعوّلت على الألفاظ والتراكيب المتداولة، وتوالت فيها الجمل القصيرة، بلا مجازات إلا ما كان مألوفًا بين الناس، ولا محسنات إلا ما كان طبيعيّ التأتي، ولا تقديمات وتأخيرات واعتراضات واستطرادات إلا ما كان منها لغرض أوجبه الخطاب، وكان التوازن بين بلاغات التواصل وطبيعة الجمهور المستهدف غاية حاضرة.. وهذه كلها من علامات خطاب سياسى ناجع، عرفت لغته الطريق إلى الجماهير بغير عنت، وصار فى تاريخ التواصل الجماهيرى نسقًا معتمدًا ومواصفة قياسية، ولهذا فقد حققت الغرض منها ووصلت إلى مبتغاها.

الرئيس «المُخلّص»! 
ومن جانبه يوضح د. جودة مبروك محمد، العميد السابق لكلية الآداب، جامعة بنى سويف، أن الرئيس السيسى ظهر واضحًا فى مشاهد وطنية مرتبطة بما يسمَّى فى الآداب الشعبية بالمُخَلِّصِ، وهو مصطلحٌ يُطلق على البطلِ، فقد أنقذ البلاد من أحداث كادت تعصف بالأمة، ولقد تضمَّنت خطابات الرئيس عقب الانتخابات، طبيعة الظروف التى تمر بها البلاد، وإن اتفقت جميعها فى أن المتحدث هو شخص الرئيس الوطني المحب لشعبه وبلده، فاتفقت فى أنه يبدأ حديثه بنداء عموم الشعب المصرى قائلًا: (شعبَ مِصْرَ العَظِيمَ)، واصفًا إياه بالعظمة، ومتابعته الحثيثة لعملية الاقتراع، وتقديم الشكر للمواطنين كافةً فى احتفائهم بالعُرْسِ الديمقراطي، مع تقدير دور الجيش والشرطة بوصفهما جناحَي الأمن فى البلاد فى تأمين المشهد الانتخابى بعزم وكفاءة، وتقديم الشكر لرجالِ القضاء على إشرافهم على الانتخابات، الذي وصفه بالنزيه، واحترام فخامته وتقديره لمنافسيه، وتأكيده على عظمة المشهد الانتخابى بوجود تنافسية على أن الفائز الحقيقيَّ هو الوطن، ولم يختلف الرئيس الإنسان فى خطابه عقب الفوز بالانتخابات الرئاسية ٢٠٢٣، بل يذكر فى الأخير أنه: «رجل مصرى، نشأ فى أصالة الحارة المصرية العريقة»، مفتخرًا بأنه ابن المؤسسة العسكرية العريقة.

فى خطاب 2014، يتحدث إلى المصريين واصفًا الانتخابات بقوله إنها: «ثانى استحقاقات خارطة المستقبل التى توافقت عليها القوى الوطنية المصرية، جاء كنتيجة مستحقة لما قدمتموه من تضحيات على مدار ثورتين مجيدتين فى 25 يناير، و30 يونيو»، ويحثُّ المواطنين فى هذا الخطاب على العمل والإنجاز، وهو ما كانت الأمور تستدعيه بعد الثورات والمظاهرات التى قيدت وشلت حركة الاقتصاد، فيقول: «لقد أديتم ما عليكم، وحان وقت العمل. العمل الذى تنتقل به مصرنا العزيزة إلى غدٍ مشرق ومستقبلٍ أفضل، العمل الذى يعود به الاستقرار».

ويكشف الرئيس فى خطاب 2018 عن إرادة المصريين الأبيَّةِ وتَضْحياتهم الكبيرة من أجل الوطن، بقوله: «أيها الشعب الأبىُّ الكريم، الذى يُثْبِتُ فى كل وقتٍ وحينٍ أنه شعب نابض بالحياة، وقادر على تحدى التحدى ذاته، شعب قادر على إنفاذ إرادته الحرة وإعلائها فوق أى أهـواء أو مصالـح، إلا مصالح الوطن وغاياته»، ولقد تضمَّن هذا الخطاب خصوصية معاهدة الشعب على بناء المؤسسات ووضع الوطن فى مكانه بين الأمم، وتحقيق التنمية والاستقرار، وأشار إلى توفير الحد اللازم من جودة الحياة دون تمييز بين المواطنين، وزيادة المساحات المشتركة بينهم، وقد تحقَّقت هذه الإنجازات فى مشاريع تنموية كثيرة ومبادرات فى الصحة والتعليم وحياة كريمة.

ويُعلن فى خطاب 2023 عقب الفوز بالانتخابات الرئاسية عن عِظَمِ التَّحدياتِ وآثارِها، يقول: «فى هذا الظرف الدقيق، والذى تواجه فيه الدولة حِزْمةً مِنَ التحديات على كافة المستوياتِ، يأتى فى مقدمتها، تلك الحرب الدائرة على حدودنا الشرقية، والتى تستدعى استنفار كل جهودنا للحيلولة دون استمرارها، بكل ما تمثله من تهديد للأمن القومى المصرى بشكل خاص، وللقضية الفلسطينية بشكل عام»، ولقد لامسَ الخطاب الواقع المجتمعى والسياسة الخارجية، خاصة فيما يرتبط بالأحداث الجارية على الحدود الشرقية، وقد نوَّه على حقوق الشعب الفلسطيني، ولا أدل على ذلك من ذكره أن الشعب عندما اصطفَّ بجميع طوائفه فى الانتخابات كان يدلى بصوته للوطن، فيقول: «وكأن اصطفاف المصريين، كان تصويتا للعالم كله من أجل التعبير عن رفضهم لهذه الحرب غير الإنسانية، وليس لمجرد اختيار رئيسهم لفترة رئاسية، فى مشهد حضارى راقٍ تضافرت فيه جهود الدولة- حكومة وشعبًا- ليخرج بهذا المظهر المشرف».

◄ نبرة الامتنان
أما الناقد د.أبو اليزيد الشرقاوي، أستاذ تحليل الخطاب الأدبي بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، فيشير إلى أن خطابات الرئيس تتشابه فى مقدمتها من جهة المضمون، والاختلاف فقط فى الصياغة ووجود جُمل تكاد تكون هى بعينها، لكن أداء الرئيس هو الفارق بينها.

وأضاف د. الشرقاوي أن تكرار البُعد العاطفى فى خطابات الرئيس وأثر وقع نتائج الانتخابات على مشاعر الرئيس ونبرة الامتنان التى يوجهها للناخبين والشكر واضح جدا، ففى 2014 قال: «أشكر ملايين المصريين الشرفاء داخل الوطن وخارجه الذين اصطفوا أمام صناديق الاقتراع من أجل كتابة مستقبل مصر»، وهى قريب مما قاله سنة 2018، حين قال: «سأحدثكم بمشاعر الفخر والاعتزاز التى أحاطتنى وأنا أتابع عن كثب مشاهد احتشادكم أمام لجان الاقتراع، ولم يكن احتشادكم بهذه الصورة الوطنية المبهرة، من أجل اختيار شخص يرأس الدولة، بل كان احتشادا لتجديد العهد على مسار وطني، انحاز أبناؤه له وقرروا الاستمرار فى خوض معركتى البقـاء والبناء».

وستبدو النبرة العاطفية فى أوجها فى خطاب 2023، إذ يقول: «أتحدث إليكم اليوم، وقد غمرتنى السعادة بمشهد اصطفافكم، وانخراطكم فى صفوف الناخبين، فى الاستحقاق الانتخابى الرئاسى وهو ما يُعد دلالة واضحة لكل متابع، فى الداخل أو فى الخارج، عن حيوية وفاعلية المجتمع المصري، بكل أطيافه وفئاته، ويؤكد أن إرادة المصريين نافذة بصوت كل مصرى ومصرية، ذلك المشهد الذى تابعته عن كثب، ويدفعنى لأن أعبر عن عظيم تقديري وامتنانى لكل المصريين، الذين شاركوا فى هذا الحدث المهم فى هذا الظرف الدقيق.

وفى 2023 تم ربط الانتخابات بقضايا العالم فالتصويت للرئيس هو تصويت للعالم ضد الحرب على فلسطين، وكذلك تظهر الإشادة بالمواطن الذى اعتبره الرئيس بطل المرحلة، فقال إن البطل فى مواجهة هذه التحديات هو المواطن المصرى العظيم الذى تصدى للإرهاب وعنفه، وتحمل الإصلاح الاقتصادى وآثاره، وواجه الأزمات بثبـات ووعى وحِكمـة، وأجدد معكم العهد، بأن نبذل معًا كل جهد، لنستمر فى بناء الجمهورية الجديدة، التى نسعى لإقامتها.

ويتابع د. الشرقاوى أن إلحاح الرئيس يظهر فى إشراك فئات الشعب فى العملية النهضوية، فيذكر الشباب والمرأة على وجه الخصوص فيقول: فى المقدمة كان شباب مصر، يعبر عن نفسه، وعن حيوية مصر ومستقبلها.

وكالعادة، تثبت المرأة المصرية مرة أخرى، بأنها صوت الضمير الوطني، المعبر عن صمود وصلابة أمتنا، كما كان عمال مصر وفلاحوها، نموذجًا للوعى والإرادة ويؤكدون مرة أخرى، على أنهم صُناع المستقبل، وزارعو الأمل، والشكر موصول لجيش مصر وشرطتها وقضائها، الذين أمنوا وأشرفوا على خروج هذه الملحمة الوطنية التى استدعت الفخر والاعتزاز.

ويؤكد أنه مما يلفت النظر تشابه نهايات خطابات الرئيس فتجد فى سنة 2014: أجدد شكرى وتقديرى واحترامى للجميع. حفظ الله مصر، وحفظ شعبها الأبي، وتحيا مصر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وفى سنة 2018 جعل النهاية هتاف الجماهير فقال: «هذه نبوءة التاريخ التى ستحققها الجموع مــن أبناء أمتنا، مردديـن فى كـل وقت وحين: تحيـــا مصــر، تحيــا مصــــر، تحيـــا مصــر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وفى سنة 2023 كانت النهاية موصولة بوعد يقطعه الرئيس على نفسه بمواصلة البناء، فقال: وفى نهاية حديثى إليكم أؤكد أننى كما عاهدتكم، رجل مصري، نشأ فى أصالة الحارة المصرية العريقة انتمى إلى المؤسسة العسكرية، ولا أملك فى مهمتى التى كلفتمونى بها، سوى العمل بكم، ومن أجلكم لا أدخر جهدًا، ولا أسعى سوى لإرضاء الله تعالى، وتحقيق آمالكم وتطلعاتكم، إن اختياركم لى لقيادة الوطن، إنما هو أمانة، أدعو الله أن يوفقنى فى حملها بنجاح، وتسليمها بتجرد فلنعمل معًا لأجل مصرنا العزيزة وبقوة شعبها واصطفافه الوطني، دائما وأبدًا: تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».