كوارث شركات الأمن الخاصة l جرائم متكررة داخل الكمبوندات.. والحــــــــــارس«الحاضر الغائب»

شركات الأمن الخاصة
شركات الأمن الخاصة

حبيبة‭ ‬جمال

   محاولة قتل أرملة الإعلامي الراحل وائل الإبراشي، تعيد فتح باب التساؤلات حول قدرات أفراد الأمن الإداري المكلفين بتأمين هذه الكمبوندات الراقية خاصة بعد تكرار جرائم القتل والسرقة داخلها واختيار أصحابها الإقامة فيها باعتبارها أماكن آمنة مزودة بكاميرات مراقبة على مدار الساعة وأفراد أمن إداري مدربين على أعلى مستوى.. "أخبار الحوادث" تفتح هذا الملف الشائك وتبحث عن معايير انتقاء أفراد الأمن ومدى قدرتهم على القيام بأعباء ومتطلبات هذا العمل وحماية أرواح وممتلكات السكان المقيمين بهذه التجمعات السكنية الراقية.. تفاصيل مثيرة وكواليس يجب أن تلفت الانتباه وتعيد النظر في شركات الأمن والحراسة الخاصة

في البداية نستعرض أبرز الجرائم التي وقعت داخل الكمبوندات رغم وجود أفراد أمن تابعين لشركات خاصة وكاميرات مراقبة. 

كانت سحر الإبراشي أرملة الإعلامي الراحل وائل الإبراشي متواجدة في منزلها بأحد المجمعات السكنية في 6 أكتوبر، برفقة والدتها؛ حين فوجئت بشخص يطرق الباب عليهم بشكل هيستيري، وعندما توجهت والدتها لفتح الباب، وجدت سيدة تقوللها «مدام سحر فين، قوليلها تجيلي حالا».

في لحظات قليلة كانت أرملة الإبراشي أمامها على الباب، تسألها عن سبب الحديث بهذه اللهجة، لكن السيدة كانت منفعلة، قالت لها «طبعا أنتي مش عارفاني بس أنا هسألك سؤال واحد إيه اللي يخليكي متأكدة أن جوزك مات»، ثم بدأت في الصراخ وتقول لها أنا هخلص لك على بنتك عشان ارتاح. 

واستكملت حديثها وسط ذهول سحر ووالدتها، «جوزك لسه عايش يامدام سحر وبيتهرب مني، وهو اللي كان السبب في أني ما اتجوزتش لأنه وعدني بالجواز وخلي بيا"!

حاولت أرملة الإعلامي الراحل تهدئة الأمور واتصلت بالشرطة.

عندها تلقى مأمور قسم أول أكتوبر بلاغا من شرطة النجدة بتحفظ الأمن الإداري لمنتجع سكني على سيدة حاولت الاعتداء على أرملة الإبراشي بسلاح أبيض، وتوجهت قوة من القسم إلى محل البلاغ واصطحبت المتهمة للقسم، وكانت تهذي بكلمات غير مفهومة. 

حضرت أرملة الإبراشي إلى القسم لسماع أقوالها واكتفت بالقول "معرفش طلعت لي منين؟!" مشيرة إلى أنها استغاثت بأمن الكمبوند لدى إشهار السيدة السلاح الأبيض، ثم طلبت شرطة النجدة، وحررت محضرا في قسم الشرطة اتهمت فيه السيدة بمحاولة الاعتداء عليها بسلاح أبيض وظلت تهذي بكلمات قائلة:"أنا كنت هشتغل معاه وما اشتغلتش وهو عايش لسه مماتش.. هو ليه بيتهرب مني ده كان واعدني بالجواز"!، واتضح أن تلك السيدة مريضة نفسيًا، وفي النهاية انتهى الأمر بالصلح، وتنازلت سحر الإبراشي عن بلاغها، خاصة بعدما ترجتها أسرة المتهمة بألا تضيع مستقبلها، احيل المحضر إلى النيابة العامة للتحقيق والتصرف فيه. 

مازن ابتلعته المياه

نترك قضية سحر الإبراشي، ونذهب لمحافظة الشرقية، وتحديدا العاشر من رمضان، داخل أحد الأندية، حدثت المأساة لأسرة الطفل مازن، الذي غرق داخل حمام السباحة، ودفع حياته ثمنًا للإهمال واللامبالاة. 

البداية كانت بتلقي الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الشرقية، إخطارًا يفيد بشأن ما تبلغ لقسم أول شرطة العاشر من رمضان؛ بوفاة طفل يدعى مازن عمرو، ٨ سنوات؛ إثر سقوطه غارقًا في حمام السباحة في نادي "الرواد"، في نطاق دائرة القسم. 

بالانتقال والفحص تبين؛ أن الضحية مصاب بالتوحد، وقالت الأسرة: إن مازن كان يعاني من التوحد وفرط الحركة، وأنهم وقت حدوث الواقعة كانوا رفقة ابنهم يتابعونه وهو في منطقة الألعاب الموجودة في النادي قبل دقائق من غيابه عن أنظارهم، والعثور عليه غارقًا في مياه حمام السباحة الموجودة في النادي. 

الأسرة حملت مجلس إدارة النادي المسئولية كاملة عما حدث وتسبب في سقوط ابنهم في حمام السباحة ووفاته غارقًا، وسط تأكيد أن الكاميرات الموجودة في النادي وثقت ما حدث، وأن باب حمام السباحة الموجود ناحية منطقة الألعاب ترك مفتوحا دون وجود أي من أفراد أمن الإداري أو منقذين في المنطقة المحيطة بحمام السباحة، غير أن الطفل سقط في المياه على بعد خطوات من مكتب الأمن الإداري.. الأسرة حررت محضرًا واتهمت النادي، والنيابة لا تزال تحقق في القضية. 

مديرة بنك أبوظبي

في هذه الجريمة حاميها هو قاتلها..،

نعود مرة ثانية لمدينة السادس من أكتوبر، لنتذكر في عام 2016، تحديدًا في نهاية شهر نوفمبر؛ عندما عثرت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الجيزة على جثة مديرة بنك أبو ظبي الإسلامي داخل كمبوند "سيتي ..." بالطريق الصحراوي، مقتولة بعدة طعنات متفرقة بجسدها، وقتها تشكل فريق بحث لكشف اللغز، وكانت المفاجأة أن المتهم شاب يدعى كرم صابر، يعمل فرد أمن سابق داخل الكمبوند، وهو مرتكب الجريمة، والدافع كان السرقة. 

تحقيقات النيابة، قالت؛ إن المتهم توجه إلى فيلا المجني عليها يوم الحادث، ودخلها من خلال سور الفيلا المجاورة لها، ثم دلف إلى الفيلا عبر نافذة المطبخ، واستل سكينا، وبدأ البحث عن متعلقات يتمكن من سرقتها في الطابق الأرضي، واستولى على مبالغ مالية وهاتف محمول، ثم صعد إلى الطابق العلوي ودخل الجناح الخاص بالمجني عليها، واستولى على جهاز "آي باد" ومبلغ مالي، ثم أبصر حقيبة خاصة بالمجني عليها بالقرب من سريرها، وأثناء ذلك استيقظت الضحية وأمسكت بيده وحاولت الاستغاثة، إلا أنه عاجلها بـ 6 طعنات قاتلة، لم يكتف المتهم بما استولى عليه، بل شرع في البحث عن أي متعلقات أخرى، حتى استولى على مفتاحي سيارتين. 

المتهم بما إنه كان فرد أمن داخل الكمبوند، فكان يعرف كل تفاصيله، ويبدو أنه درس فيلا المجني عليه جيدا، لدرجة أنه عطل كاميرات المراقبة في أرجاء الفيلا البالغ مساحتها قرابة 1000 متر لكنها كانت رصدته، ثم غادر الفيلا.

رجال المباحث تحفظوا على جميع الأفراد العاملين بالكمبوند وتم عرض صورة المتهم عليهم، وتعرف عليه أحدهم، وقال: إنه كان معينًا بالأمن التابع للحي وجرى فصله لسوء سلوكه، وقرر أنه يعلم مكان إقامة ابن خالته في منطقة الوراق.

"لن يراه أحد"!

هذه مجرد نماذج لما حدث داخل الكمبوندات الراقية، تلك الجرائم تدفعنا كي نسأل، ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار أفراد الأمن الإداري؟!

تواصلنا مع مسؤول إحدى الشركات، الذي وضع إعلانًا عبر "الفيس بوك"، يطلب فيه موظفين أمن إداري، فضلنا ألا نخبره بشخصيتنا، واكتفينا بسؤاله عن الوظيفة لأحد أقاربنا، في بداية المكالمة قال: إنهم ليسوا بحاجة الآن لأفراد أمن، وإنما هناك إعلان سيطلبون فيه موظفين خلال أسبوع بالكثير، فسألناه عن الشروط أو المعايير التي من خلالها يتم اختيار فرد الأمن، فقال: "الشرط الوحيد هو ألا يكون عنده عائق طبي وأقل من 18 سنة ولا يزيد عمره عن 62". 

أما بالنسبة للأوراق المطلوبة فهي، "فيش وتشبيه باسم الشركة، أصل شهادة الميلاد، أصل المؤهل الدراسي، وبرنت تأمين أي كعب عمل". 

سألناه: عما إذا كانت هناك تدريبات خاصة لهم قبل تعيينهم؟!، فأجاب قائلا: "نقدم له محاضرة داخل الشركة ودورة لمدة يومين عن كيفية التعامل مع الحريق"!

بغض النظر عن أن التدريب مجرد شيء روتيني ونظري، وحتى الدورة التدريبية مرتبطة فقط بكيفية التعامل مع الحريق ليس إلا، دون وضعهم في اختبارات حقيقية ومعرفة هل مؤهلين أم لا، سألناه بعدما لفت نظرنا السن الذي يصل لـ62 سنة، كيف يكون شخص بلغ هذا العمر ولا يقدر على الحركة مثل الشباب يكون مؤهلا لحراسة كمبوند، فهو لا يعرض غيره للخطر وإنما يعرض نفسه ايضا، وهنا كانت الكارثة عندما سألناه كيف يكون هذا الشخص فرد أمن مكلف بحراسة مكان، فرد قائلا: "من هم في هذه السن يتم وضعهم في الفترة الليلية حتى لا يراهم من تعاقدوا معنا"!

وأوضح كلامه قائلا: "العميل عندنا يتفق معنا على شروط، وليكن يطلب أفراد من سن 20لـ 30 سنة، فأنا مثلا لو عندي شخص عنده 60 سنة اخليه في الوردية الليلية، لأن العميل نفسه لا يكون متواجد وبالتالي لن يراه".

كما تواصلنا مع صاحب شركة أمن أخرى، في هذه المرة عرفناه بشخصيتنا وأننا نجري تحقيقًا بسبب كوارث بعض شركات الأمن الإداري والمعايير التي يتم على أساسها اختيار الأفراد العاملين بها، فقال: "لابد أن يكون معه مؤهل دراسي، وأيضا السن عامل مهم جدا، لابد ألا يتجاوز الحد الأدنى حتى يستطيع أن يقوم بأداء مهامهم والتعامل مع أي خطر، أي لا يزيد السن عن ٤٥، أما ٥٠ أو ٥٥ وفي هذه الحالة نجعله يقف في أماكن معينة الخطر فيها غير موجود".

أما عن التدريبات قبل التعيين، فقال: "هناك اجتماع مصغر مدته يوم عن كيفية التعامل مع أي خطر، وهو بطبيعة الحال يبدأ تعليم الشغل وأخذ الخبرة خطوة خطوة".

مراقبة وتفتيش

وعن الكوارث التي تحدث بسبب بعض شركات الحراسة وأفراد الأمن غير المؤهلين، كان علينا أن نعرف السبب وراء ذلك وكيف نعالج تلك المشكلة ونتجنب حدوث مثل هذه الجرائم مرة أخرى، فتواصلنا مع اللواء فاروق المقرحي، الخبير الأمني، فقال: "هذه الجرائم والكوارث تحدث بسبب عدة عوامل؛ سوء اختيار أفراد هذا العمل، وغالبا يكونوا من العاطلين الذين فصلوا من عملهم أو تركوه، بالإضافة إلى الأشخاص بمؤهلات لا تتناسب مع أعمال الحراسة والأمن، وعدم خضوعهم للتدريب على طبيعة عملهم، بالإضافة إلى أن أجورهم متدنية فلا يقبل بهم إلا أصحاب الشركات الذين لا يهمهم سوى الحصول على القيمة التي يحصلون عليها من الكمبوندات بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية".

وعن كيفية تجنب تلك المشكلة، قال: "لابد لهذه الشركات بعد أن تحصل على تصريح مزاولة العمل أن يتم التحري عن أصحابها ومدى صلاحياتهم لممارسة هذا العمل وألا يكون الشريك الرئيسي بهذه المجموعة شخص لا يكون لديه مؤهلا يتيح له ممارسة هذا العمل، ولابد وأن يكون القانون إلزاميا بألا تعطى تصاريح لهذه الشركات إلا بعد التأكد من أن تلك الشركات مؤهلة للحراسة، فـ وزارة الداخلية تعطي التصريح للشركة وليس للأفراد، فلابد من وجود مراقبة وتفتيش على شركات الأمن الخاصة".

فسألناه هل الأفراد المعنيين بالحراسة لهم الحق في أخذ تصاريح بالأسلحة، فقال: "حسب الشركة، فهناك شركات لا تأخذ تصاريح، وهناك شركات تأخذ تصاريح بعدد محدد من الأسلحة، حتى الرصاص الحي هناك شركات يكون لها أسلحة برصاص حي وأخرى رصاص فشنك، وهذا يتوقف على طبيعة العمل، فمثلا سيارات نقل الأموال لابد وأن يكون أفراد الأمن معهم أسلحة مزودة بطلقات حية حقيقية".

حيازة السلاح

وعن الناحية القانوني يؤكد الدكتور مصطفى سعداوي أستاذ القانون الجنائي قائلا: المبدأ أنه لا تجوز مزاولة مهنة أعمال حراسة المنشآت أو نقل الأموال، إلا من خلال شركة مساهمة وفقًا لأحكام القانون، ولكن قبلها لابد وأن يكون الأفراد الملتحقين بهذه الشركات الخاصة مؤهلين لأعمال الحراسة.

هل يحق لهؤلا حمل السلاح؟!

حيازة السلاح في التشريع المصري الأصل فيها هو الحظر، وقانون الأسلحة والذخيرة حظر حيازة الأسلحة المشخشنة وغير المشخشنة أو أي أجزاء منها، ولكن يجوز لوزارة الداخلية الجهة المختصة بإصدار تراخيص لبعض الشركات بحيازة سلاح بقصد الدفاع، وقد تمنح الوزارة بعد اجتياز الدرجة الأمنية ودرجة الحاجة ترخيص سلاح لبعض الشركات، لكن في أغلب الحالات لا تصدر تراخيص سلاح لأفراد شركات الحراسة.

سألناه: وماذا لو استخدم هذا الحارس سلاحه في مواجهة شخص؟

أجاب د.مصطفى سعداوي قائلا: "استخدام السلاح لابد وأن يكون بغرض الدفاع، واستخدام السلاح ضد أي شخص هو في كل الحالات جريمة، لكن ما الذي يجعل الجريمة تزول هو توافر سبب الإباحة، وهو الدفاع الشرعي عن المال أو النفس أو العرض، فعلى سبيل المثال لو فرد أمن له ترخيص استخدام سلاح، إذا وجد شخصين يختطفان أنثى بالإكراه بغرض الاعتداء عليها حتى لو خارج المكان المعني بحراسته يجوز له أن يدافع شرعا عنها، وإذا تهجم عليه أحد بقصد القتل أو السرقة يجوز له الدفاع عن نفسه.. إذا الغرض الذي يحكمه هو ذات الغرض الذي يحكم الشخص العادي في الدفاع الشرعي".

***

الآن يتبين لنا أن معظم أفراد الأمن العاملين في الكمبوندات السكنية غير مؤهلين لهذا العمل، ولا تتوافر فيهم المعايير الجسدية والذهنية المطلوبة في أي فرد أمن يتولى تأمين أي منشأة، هي فقط مجرد مهنة يمتهنوها.. في النهاية مطلوب مراجعة أداء بعض شركات الأمن ومحاسبتهم على عدم الالتزام بمعايير وضوابط اختيار أفراد الأمن، خاصة أن الأمر يتعلق بأرواح بريئة كان من الممكن الحفاظ عليها لو كان هناك فرد أمن مؤهل حقيقي يؤدي دوره في هذه الأماكن. 

إقرأ أيضاً : تعرف على السبب الحقيقي لوفاة خالد بشارة الرئيس التنفيذي لـ«أوراسكوم»

 

;