«نصف نظرة حانية» قصة قصيرة للكاتب محمد عبدالحافظ ناصف

 محمد عبدالحافظ ناصف
محمد عبدالحافظ ناصف

 كل شيء أرخى أطرافه في الشقة ونام إلا هي، تحاول التقلب فلا تستطيع، خط ملحي تبدو ملامحه على وجهها الأبنوسي، انخلعت لصراخها روحي الضعيفة، هرولت إليها متقطع الأنفاس، قطرة دافئة تمسح الخدين المرمر في جلال، ترمي إلي بطرف عينيها اليمنى نصف نظرة ثم تغمضها، تصرخ ثانية فينخلع قلبي، أتحسس بطني المنتفخة مثلها، تحاول جاهدة أن تخرج ريحاً فلا تستطيع منذ وقت طويل، منذ ثلاثة أيام وهي تحاول فلا تستطيع، أحاول - أنا- أن أتخلص من وجعي الساكن في بطنها منذ أن اشتكت بلا جدوى.

قال الطبيب:

- الإمساك للأطفال أحسن.

 قلت:

- لا.. الأفضل أن أستريح.  

أتوضأ بعجلة، لا أدري هل مسحت على رأسي أم لا، أدخل في صلاتي دون تكبير واضح، أرفع يدي وعيني فأراها معلقة في سقف حجرتي تبحث عن راحة كالخل الوفي، نصف نظرة حانية فقط ترميها إلي ثم تعود تحدق في المدى البعيد، أشعر بأنني محتقن منذ ثلاثة أيام، يقتلني الإمساك لدرجة الجنون، أخرج من صلاتي دون أن أتذكر شيئا يؤكد أنني سآخذ شيئا منها، أشعر أنها قد قذفت في وجي ثانية كالخرقة البالية، بالطبع صلاة مكروهة، أجري مسرعاً بلا هدف واضح غير الحمام، أشوط أشياء كثيرة في طريقي إليها، كنت حريصاً أن أضعها سلفاً برفق، أتبوأ مقعدي متهيئاً، بإصرار أحاول بصعوبة أن أستجمع قواي الخائرة، أحاول مرة، اثنتين، ثلاثا، تسقط مني قطرة ماء حارقة لا أقصدها، تصرخ صغيرتي أكثر، تحتقن أوردتي، تجحظ عيناي، أنهج مقطوع الأنفاس، تضطرب دقات قلبي الوهن، لا شيء يخرج مني/منها، كل شيء يعود هادئاً مستقرا، مناوشات صغيرة داخل بطني، أقترب منها، أمسح جبهتها التي تطرزها حبات العرق الذي بطعم الملح، تشعر بي أمها التي غافلها النوم على فترات متباعدة، تراني فجأة فتقول:

-        الإمساك للأطفال أفضل!

-        لكنها لم تمص ثدييك منذ الأمس وتمص البزازة بشغف شديد.

قالت بضيق شديد:

ماذا أفعل؟

ثم قامت بعادية وفتور شديدين كأنها لم تلدها، جهزت بعض المشروبات الساخنة بضيق شديد، اشتاقت نفسي لها، أخذت منها بعض رشفات، قالت بغيظ ووجهها يغلفه ضيق مصطنع:

-        هذا للصغار فقط!

تمد يدها بملء معلقة للبنت الصغيرة، تشرب البنت بصعوبة ملء معلقة، اثنتين، ثلاث، يستدير فمها بتلقائية غريبة، ترفض أن تشرب ثانية رغم جوعها الشديد منذ يومين، أشعر بسوء طعم الشراب رغم أن نفسي اشتاقت له في البداية، يوجعني قلبي أكثر.

-        هي ترفض أن تشرب، بطنها ملآنة.

-        ومن علمها ذلك؟

-        الله.

-        يا رب يفرج عنها.

يزداد صراخها الموجع، تنتزعني من هدوئي، أهرب إلى زوايا الشقة من نصف نظرتها القاسية الحانية أحياناً، أغرق في زرقة عينيها، تلاطمني أمواج عاتية، تؤلمني بطني بضراوة أكثر من ذي قبل، تندفع أمعائي لأسفل، تثقل علي، أمسك مؤخرتي، أهرع للحمّام حيث لا راحة، تصرخ هي الأخرى، ينفلت مني بعض وجعي.. تصرخ أمها:

-        خلاص.. ارتاحت.

هرعت إليها قبل أن أزيل عني الألم، حملتها، أغلقت مفاتيح الوجع في بطني، هدأت روحي روحها، استكان كل شيء، لم تبد أمها أي شيء غريب، رميتها بنظرة غاضبة كانت كافية لإشعال ثلوج في قلبي.