إنها مصر

شمشون و«غربلة» غزة !

كرم جبر
كرم جبر

لم يستطع أحد الإيقاع بـ «شمشون» لقوته الخارقة، ولكن «دليلة» فعلت ذلك، واكتشفت أن السر فى جدائل شعره السبعة، واعترف لها بذلك بعد أن وقع فى غرامها.


وغافلته أثناء نومه وحلقت جدائله، فصار ضعيفاً وعاجزاً، فاستدعت قومها فأمسكوه، ومثلوا به وأهانوه وسخروا منه، ولكنهم لم يكتشفوا أن جدائله نبتت من جديد وعادت إليه قوته.


وتكملة القصة التى وردت فى «العهد القديم»، أن شمشون دعا الرب لينتقم من الفلسطينيين الذين عذبوه، فأمسك بأحد العمودين فى المعبد الذى كان مقيداً فيه، وهدمه فوق رأسه وعلى الفلسطينيين، فمات كل الشعب، ومن أماتهم بعد موته كانوا أكثر بكثير ممن أماتهم فى حياته.
ونرى بعض فصول هذه الأسطورة فيما يحدث الآن فى غزة، والحرب المجنونة التى يشعلها نتنياهو، لهدم المعبد على من فيه، ولو قرأ نهاية شمشون جيداً، لأدرك أن نهايته ستكون قريبة، مع اختلاف واحد هو أن الشعب الفلسطينى لن يموت، ولا يزال حياً رغم آلاف السنين.
فما يفعله نتنياهو الآن هو «غربلة غزة» بحيث لا تكون صالحة للحياة مثل معبد شمشون.
القنابل التى يستخدمها الجيش الإسرائيلى، لا تهدم البيوت وتحدث الخراب فقط، ولكنها تحول البنايات إلى كتلة هشة مليئة بالثقوب، ولا تصلح لشىء إلا لهدمها.
والدمار فى غزة ليس عشوائياً، بل شامل للمرافق الحيوية، مثل المدارس والجامعات والكنائس والمساجد والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء والاتصالات، وغيرها لتصبح مدينة من القرون البدائية، قبل أن يكتشف الإنسان الكهرباء ووسائل الاتصال.
وتمتد مؤامراته إلى المستقبل الذى يخطط له، دون إرادة شعبها، وبعيدا عن السلطة الوطنية التى تمثلها.
فإسرائيل تخطط للبقاء العسكرى فى غزة وعدم تركها بعد الحرب، وأن تكون منزوعة السلاح، تحت سلطة مدنية لا تمثل فيها منظمة التحرير، التى يتهمها نتنياهو بأنها شريك لحماس، ويعتبر حل الدولتين غير قابل للتنفيذ.


ولكن كيف يفكر الفلسطينيون فى المستقبل، وما هى رؤاهم حتى لا يتركوا تقرير مصيرهم فى يد نتنياهو؟
الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هى المصالحة ولم الشمل، والاتفاق على خطة فلسطينية حول الأوضاع فى غزة بعد وقف إطلاق النار، حتى لا يفاجئوا بحلول يتم فرضها عليهم.. ولكن كيف يحدث ذلك؟
الخطوة الثانية هى أن يكون لحماس رؤية حول مستقبلها، وهل ستظل تحمل السلاح والجهاد، فتكون النتيجة هى الوحشية الإسرائيلية فى الرد والعقاب الجماعى والمجازر الإنسانية، فى ظل أوضاع إقليمية ودولية لا تملك التأثير على إسرائيل؟.
والخطوة الثالثة هى رسم خريطة غزة الجديدة بعد تدميرها وإخراجها من الأماكن الصالحة للحياة.. من يحكمها ومن يعيد تعميرها؟، وأسئلة أخرى كثيرة حول الأمن والأوضاع المعيشية وإعادة الحياة إلى مرافقها.
الحرب تقترب من النهاية، وحصار غزة له نهاية، والمهم ماذا تفعلون فى اليوم التالى بعد إيقاف الحرب؟.. المأساة يجب ألا تكون سبباً فى عدم التفكير فى المستقبل.