إنها مصر

متى يعود السودان؟

كرم جبر
كرم جبر

من يصدق أن دولة هى الأغنى، يعانى شعبها من الفقر والجوع والمرض والتهجير، ويحارب أهلها بعضهم البعض، من أجل سلطة مخضبة بالدماء؟
السودان الشقيق الذى نسيناه فى خضم وحشية إسرائيل فى غزة، عاد إلى بؤرة الأضواء، بعد اقتحام قوات الدعم السريع واد مدني، لتعود المأساة من جديد إلى ما قبل نقطة الصفر.


وواد مدنى كانت ملجأ للفارين من الحرب، وجذبت الباحثين عن فرص للحياة والرزق، وتتمتع بنشاط اقتصادى واستثمارى كبير، وهى نقطة ضوء وسط الظلام.


ولكن فجأة تحولت إلى مدينة للموت والقتل والاغتصاب والسرقة والنهب وتهديد حياة السودانيين، فلم يجدوا سبيلاً إلا الفرار، فى مشاهد مأساوية تشبه كثيراً النازحين من شمال غزة إلى جنوبها.
وما أصعب أن يترك الإنسان منزله بما فيه من أموال وأثاث وذكريات، ويحمل ما خف ويمضى سيراً على الأقدام إلى منطقة آمنة، قبل أن تجتاحها الحرب ويداهمها الموت.
القوى الخارجية تطمع فى ثرواتها وتخطط لتقسيمها، وتجد ضالتها فى جماعات متحاربة من أجل السلطة، ومنذ ثورة السودان عام 2018، وشعبها يتظاهر ويُضرِب ويعتصم من أجل أحلام مستحيلة.


ففى كثير من المجتمعات تتحول الثورات إلى نكبات إذا لم يتم كبح جماح الثائرين الطامعين فى أجزاء من كعكة السلطة، وكل يتصور أنه الأحق، فيكون من السهل استثماره فى تنفيذ مخططات شريرة.


ثروات السودان هى السبب فى المأساة الأخيرة، بلد يمتلك جبالاً من الذهب ويصدر أطناناً ويحتل المرتبة الثالثة فى امتلاك الذهب على مستوى أفريقيا ورقم 13 على مستوى العالم، ولديه احتياطيات ضخمة، بجانب البترول والفضة والنحاس واليورانيوم وقائمة أخرى من المعادن الثمينة، التى كانت سبباً فى أطماع الغير.
السودان لديه أكثر من 200 مليون فدان صالحة للزراعة و100 مليون أخرى للمراعى الطبيعية، و100 مليون رأس من الماشية و45 مليوناً من الدواجن.. ورغم ذلك يعانى شعبه من العوز الشديد، والارتفاع الجنونى فى الأسعار.
السودان له تاريخ طويل فى الحضارة والثقافة والرقي، وكان خطوطاً خلفية لمصر بعد حرب 67، واستضاف سلاح الطيران، ورئيس وزراء السودان أحمد محمد المحجوب صاحب الصلح التاريخى بين جمال عبد الناصر والملك فيصل، عندما استضافت بلاده القمة العربية عقب النكسة.
وأعاد اللحمة إلى الصف العربي، والاعتبار لزعيم مصر الذى خرج منكسراً من الهزيمة، وصدرت عن القمة قرارات هى الأقوى فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف".


السودان يمتلك كل شيء ليكون الأفضل، ولكن الحرب التى صارت أهلية تجعله الأسوأ، وفى أمَسِّ الحاجة إلى لم الشمل والتهدئة ووقف إطلاق النار، وأن يجلس المتحاربون على مائدة واحدة لتقرير مصير بلادهم، شريطة أن يقطعوا الطريق على تدخلات الدول الخارجية.
السودان إذا عاد قوياً وصلباً ومتعافياً، فهو سند لمصر ومصر سند له، ففى دمائنا جميعاً تجرى مياه النيل.ضى القلم