«الأخبار» تحاور عاطف أبوسيف وزير الثقافة الفلسطينى داخل مخيم النزوح بجنوب غزة:

نثمن جهود مصر السياسية والدبلوماسية لوقف العدوان على شعبنا

.
.

شعبنا لن يذهب  إلى أى مكان آخر  لا بلاد لنا إلا فلسطين

عاطف أبوسيف، وزير الثقافة الفلسطينى حاليًا، كاتب وروائى وسياسى فلسطينى، ولد فى مخيم جباليا بقطاع غزة عام  1973، لعائلة هاجرت من مدينة يافا، حصل على بكالوريوس من جامعة بيرزيت وماجستير من جامعة برادفورد فى بريطانيا، ودكتوراة فى العلوم السياسية والاجتماعية من جامعة فلورنسا فى إيطاليا، منذ 13 أبريل 2019 يشغل منصب وزير الثقافة حتى الآن، أحب القص والسرد منذ صغره لتعلقه بجدته عائشة التى ماتت وهى تحلم بيافا وتعيد سرد حكاياتها ويومياتها فى المدينة، صدر له عدة روايات، منها: ظلال الذاكرة، حكاية ليلة سامر، كرة الثلج، حصرم الجنة، حياة معلقة، الحاجة كريستينا، ومؤخرا صدرت له رواية «ممرات هشة»، إلى جانب ذلك له مجموعتان قصصيتان وثلاث مسرحيات ومجموعة من الكتب البحثية فى العلوم السياسية، تعرض منزل عائلته بقطاع غزة للتدمير فى الحرب الحالية، واستشهد 80 من أفراد عائلته، وتم تهجيره قسريا من مخيم جباليا إلى مخيم النزوح بالجنوب، تعرض للإصابة بشظية فى ساقه، وفى حوار خاص لـ «الأخبار» تحدث عاطف أبوسيف، وزير الثقافة الفلسطينى، من داخل غزة قائلا: إن ما يحدث هو حرب إبادة شاملة تشنها دولة الاحتلال على شعبنا الفلسطينى، واستكمال لتلك الحرب البشعة التى تمت فى النكبة، وأن الحرب الحقيقية هى بعد انتهاء الحرب، حين يعود الناس إلى بيوتهم فلا يجدون شيئا، وتحدث عاطف أبوسيف، أيضا، عن الثقافة الفلسطينية ودورها فى مقاومة المحتل وكيفية الحفاظ على التراث والتاريخ الفلسطينى وحمايته من محاولات السرقة التى يمارسها الكيان الصهيونى، وإلى نص الحوار..  
 

سبعون يوما وأكثر من القصف، والنسف، والتدمير، والقتل، صف لى الأوضاع  داخل غزة، ومشاهداتك لما جرى ويجرى داخل القطاع.
ما يجرى فى قطاع غزة، حرب إبادة شاملة تشنها دولة الاحتلال على شعبنا الفلسطينى، وهى بنظرى استكمال لتلك الحرب البشعة التى تمت فى النكبة، والتى حاولت وهدفت إلى اقتلاع شعبنا من أرضه، واجتثاثه من بيئته وتدمير قراه ومدنه وتهجير السكان، وتحاول إسرائيل الآن استكمال هذا المشروع  فى غزة من خلال تدمير معظم المبانى سواء التاريخية أو الحضرية أو المؤسسات أو المتاحف أو المكتبات أو المؤسسات العامة، بما يعكس سياسة إسرائيلية راسخة وهى بدورها انعكاس للوعى الصهيونى الأساسى القائم على محاولة ليس فقط احتلال فلسطين، ولكن إنهاء الشعب الفلسطينى، أنا أقول دائما ان الصهاينة يريدون كنسنا مثل الغبار عن عتبات البيوت، ولكننا لم نزل ولم ينته شعبنا، ولم نذهب إلى عالم النسيان، بل بقينا حاضرين بقوة، بفضل نضال شعبنا وتضحيات شهدائنا وأسرانا وجرحانا، وبفضل هذا الصبر الكبير الذى تحمله شعبنا، الذى كان يقول عنه الرئيس الراحل ياسر عرفات «شعب جبارين»، بهذا بقينا موجودين وبقى شعبنا فى أى مكان فى العالم، لا يحلم إلا بشىء واحد، العودة إلى فلسطين، الإيمان المطلق بأن هذه البلاد له، وأن لا شىء آخر، ومهما تبدلت موازين القوى، فستبقى فلسطين، وما يتعرض له شعبنا الآن هو حرب إبادة كما قلت، مجازر يذهب ضحيتها المئات بدم بارد، يتم قصف المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والجامعات والمتاحف والمكتبات العامة ودور النشر والصحف، ويتم قتل الشيخ والشاب والمرأة والرجل والطفل والصحفى والأستاذ الجامعى والكاتب والفنان، لا يتم استثناء أحد من هذه المذابح التى تقوم بها إسرائيل بحق شعبنا، فهى حرب إبادة تستهدف الوجود الفلسطينى برمته فى البلاد، وأمام كل ذلك لا نملك إلا خيارا واحدا، هو أن نبقى، ونصمد وننتصر، لأن إرادة الشعوب لا يمكن أن تنتهى، ولأن كل آلات القمع والتدمير والتحطيم لا يمكن أن تفنى شعبنا، وكما نلاحظ، الحرب ليست فقط فى غزة، الجيش الإسرائيلى، وقطعان مستوطنين يواصلون هجماتهم الشرسة والهمجية بحق شعبنا فى القدس المحتلة، وفى جنين، وفى رام الله، ونابلس، وفى الضفة الغربية، وفى كل مكان هناك مئات الشهداء أيضا، وهذا يعكس حقيقة النظرة الإسرائيلية لما يجرى، هى حرب على الشعب الفلسطينى فى كل مكان موجود فيه من أجل استكمال مشروع النكبة، ومن أجل مواصلة الضغط لتهجير شعبنا، شعبنا لن يذهب إلى أى مكان آخر، لا بلاد أخرى لنا إلا فلسطين، نحن نحب مصر، نحب الأردن، نحب كل الدول العربية، ولكننا نحب فلسطين أيضا ، ونريد أن نبقى فى فلسطين، ولا نريد أن نسكن فى أى بلد آخر إلا فلسطين، فلسطين التى قدمت أو ساهمت فى الحضارة الكونية، مرورا بدورها المركزى والمحورى فى الديانات السماوية، تحديدا الإسلام والمسيحية، بجانب المساهمات الكبيرة للثقافة الفلسطينية فى الثقافة العربية والإنسانية، سواء فى الشعر أو الرواية أو المسرح أو السينما، هذا الشعب العظيم لا يملك إلا خيارا واحدا أن يظل فى فلسطين، وأن يصمد فى فلسطين، وأن سياسة دولة الاحتلال لن تنجح فى تمرير كل مخططاتها.


متى وكيف تعرض منزلك للقصف والتدمير، أين كنت وأسرتك وقتها، وكيف نجوت؟
أنا خلال الحرب كنت متواجدا فى غزة، كان يجب يوم السبت، حين بدأت الحرب فى السابع من أكتوبر، أن نحتفل بيوم التراث الوطنى الفلسطينى الذى يصادف 7 من أكتوبر فى كل عام، وكنت وطاقم الوزارة ننوى أن نطلق فعاليات يوم الثقافة، يوم التراث الفلسطينى، بالتوازى بين بلدة عرابة التاريخية فى جنين، ومتحف القرارة فى بلدة القرارة شرق خان يونس، المتحف بالمناسبة، الذى قامت قوات الاحتلال بتدمير أجزاء كبيرة منه، وتعرضت مقتنيات أثرية تاريخية من تماثيل كنعانية إلى جرار رومانية إلى التدمير والهدم، بسبب القصف الإسرائيلى المستمر للمتحف، ولكن حدثت الحرب وبقيت فى غزة، وطبعا خلال الحرب عانيت ما عاناه شعبنا الفلسطينى من الشعور الدائم بالخطر، ومن خسارة الكثير من أفراد العائلة، فقد فقدت زوجتى شقيقتها الوحيدة مع عائلتها كاملة، بجانب أن أكثر من 80 من أفراد عائلتى أبوسيف استشهدوا فى الحرب فى أماكن مختلفة، سواء فى جباليا أو خان يونس، بجانب إصابتى خلال هذه الحرب بشظية فى ساقى اليسرى، وطبعا هذه حرب شرسة تطال الحجر والبشر والشجر والبيوت والإنسان والأرض، حين تعيش مثل أوضاعنا فى قطاع غزة، تضطر الى أن تترك مكان سكنك أكثر من مرة، وتنتقل إلى الأماكن الأخرى بحثا عن الأمن والسلامة، وما حدث أن بيتنا تم تدميره بشكل كامل مع ستة بيوت لأبناء عائلتى فى منتصف مخيم جباليا، ولحسن حظنا لم نكن فى البيت، أنا بقيت فى مخيم جباليا 45 يوما، ثم ذهبت وتوجهت جنوب وادى غزة، وبقى بعض أفراد عائلتى فى جباليا وفى مدينة غزة.
 بعد التهجير القسرى، تعيش الآن داخل المخيم فى رفح، احك لى حجم المعاناة، وتفاصيل يومك داخل المخيم.


بعد انتقالى للجنوب، تنقلت فى أكثر من مكان، حيث أقمت لدى أصدقاء فى البداية، والآن أقيم فى مخيم النزوح غرب مدينة رفح، طبعا الحياة فى الخيمة ليست متعة بكل المعانى، ولا بأى معنى أيضا، ولكن الإنسان لا يملك خيارا آخر، بعد هذه المحرقة التى عملتها دولة الاحتلال فى بيوتنا، الناس فقدت بيوتها بشكل كامل فى غزة، وأنا دائما أقول إن الحرب الحقيقية هى بعد انتهاء الحرب، حين يعود الناس إلى بيوتهم فلا يجدون شيئا، عائلات كاملة مكونة من أكثر من 100 شخص ليس لهم مأوى حين يعودون، بمعنى أن الرجل لديه مثلا أولاد متزوجون وكل واحد منهم لديه عائلة كاملة، والبيت من ثلاثة أو أربعة طوابق تم قصفه بشكل كامل، وبالتالى هذا يعنى أنهم حين يعودون إلى شمال غزة لن يجدوا مكانا يبيتون فيه، إلا ربما خيمة يقيمونها حتى تتم إعادة إعمار بيتهم، طبعا إعادة إعمار قطاع غزة عملية معقدة وصعبة آخذين بعين الاعتبار أن أكثر من 60% من مجمل البيوت فى شمال غزة دمرت بشكل كامل، ولكن ما أقوله فى وصف ما أعيشه فى مخيم النزوح، فى أول الأمر وفى نهايته، أنا أحد أبناء هذا الشعب ويجرى على ما يجرى عليهم، هم يعيشون فى الخيام وأنا أعيش فى خيمة، معظمهم جيرانى وأصدقائى وأبناء عائلتى وأبناء عمومتى وزملائى فى مواقع مختلفة من العمل النضالى والوطنى والوظيفى، والعيش فى خيمة ليس ترفا بل هو أمر مؤلم وقاس فى نفس الوقت، عليك أن تؤمن حاجياتك الأساسية من المياه والطعام والغطاء، والملابس أمر مختلف، فقد بدأت الحرب وكانت الأوقات أشبه بالصيف فى غزة فى ذلك الوقت، والآن بدأ البرد القارص ولا يوجد لديهم ما يلبسونه بالطبع، بالتالى هناك تفاصيل مهمة فى الحياة، فى سياقات عادية تبدو مسلمات، مثل أن يكون هناك كهرباء، لا أحد يتذكر أنه لا يوجد كهرباء فى غزة منذ اليوم الثالث للحرب، أى منذ أكثر من 70 يوما، وفقط إذا أردت أن تشحن هاتفك فعليك أن تصطف بطابور لدى من لديه طاقة شمسية ويقوم بشحن هواتف المواطنين، وعليك أن تستنفر الأمور أيضا للحصول على الخبز والفلافل ومياه للشرب، هذا أمر معقد جدا، الحياة فى النزوح شحنة مكثفة من الألم، يوميا عليك أن تفكر فى كل هذه التفاصيل، كل صباح أنت تعيش حياتك بعقد يومى مع الحياة، بمعنى أنك تعيش يوما بيوم، الحياة لا تمنحك يومين أو ثلاثة أو أربعة، هى تقول لك اليوم يمكن لك أن تعيش وفق هذه الظروف، ولكن لا ضمانة ولا بوليصة تأمين لحياتك يوم غد، يوم غد أنت تصحو من النوم وتعقد اتفاقا آخر مع الحياة، انك فى هذا اليوم يجب أن توفر كذا وتعيش لكذا وتقوم بكذا. 


كيف ترى الدور المصرى فى الحرب على غزة؟
نحن فى فلسطين فخورون بالدور المصرى الكبير و نثمنه، وهو يليق بمصر بوصفها حاضنة العروبة والقوة العربية الأولى، مصر لم تتوقف يوما منذ حصار الرئيس الخالد جمال عبدالناصر فى الفلوجة، الجيش المصرى واستبساله فى معارك النكبة، وبعد ذلك الحروب المستمرة للقوات المسلحة المصرية فى الدفاع عن فلسطين وعن القضايا العربية، وبالتالى نحن فخورون بهذا الدور، وفخورون أيضا بدور الهلال الأحمر المصرى الذى يشرف على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وبما تقوم به مصر من محاولات سياسية ودبلوماسية لوقف العدوان على شعبنا، ومحاولة إنهاء حرب الإبادة تلك، ووضع حد لكل ممارسات دولة الاحتلال.