هكذا تغتصب إسرائيل ذاكرة العرب!.. إيهاب الحضري يكشف جرائم الصهاينة لمحو التراث الفلسطيني

صورة موضوعية
صورة موضوعية

■ كتب: حسن حافظ

لا تكتفى عصابات الصهيونية بجرائم قتل البشر وإبادة الشعوب، بل تسعى لجرائم محو كاملة للذاكرة، عبر السطو على تاريخ الشعوب العربية ومحاولة نسبتها إلى اليهود في عمليات سرقة تاريخية علنية وغير مسبوقة في التاريخ من عصابات وشراذم لا أصل لها تسعى لاستخدام التوراة بشكل متعسف من أجل تحوير قصصها لكى تكون مستندات تاريخية مزورة لسرقة حضارات المنطقة العريقة الموغلة فى القدم، عن هذه الجرائم جاء كتاب (اغتصاب الذاكرة: الاستراتيجيات الإسرائيلية لتهويد التاريخ) للكاتب الصحفى إيهاب الحضرى مدير تحرير جريدة الأخبار، الذى يفضح بالكلمات المخططات الصهيونية لسرقة حضارة وتاريخ شعوب المنطقة وفى مقدمتها فلسطين المحتلة.

◄ «مجازر الحضارة» الوجه الآخر لجرائم العدوان الإسرائيلي على غزة

◄ حكايات النصوص الدينية اليهودية لا تصلح كمصدر تاريخي يثبت الحقوق

■ إيهاب الحضري

الحضري احتفل مؤخرا بإطلاق الطبعة الثالثة من الكتاب الصادر عن دار الفؤاد، والذى يتزامن مع الهجوم الهمجي الوحشي الذى تشنه عصابات الدولة الصهيونية على الشعب الفلسطينى فى غزة، منذ أكتوبر الماضى، والتى تحولت إلى حرب إبادة وتطهير عرقى ترتكب فيها جرائم الحرب بأعصاب باردة لقتلة يتلقون الحماية الدولية من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بالتوازى مع سفك الدم البشع تجرى جريمة أخرى لا تقل بشاعة وخطورة عبر تدمير التراث الفلسطينى ومحوه عبر تدمير الأماكن الأثرية والتاريخية فى غزة من ناحية، وسرقة التراث العربى ومحاولة لصقه بتراث مخترع ومزور لإثبات الوجود المزعوم لدولة يهودية قديمة.

◄ كشف المخططات
أهمية كتاب الحضرى فى قدرته على الكشف عن المخططات الإسرائيلية لسرقة التراث العربى، فالأمر لا يتوقف عند التراث الفلسطينى، بل يمتد ليشمل تاريخ وتراث شعوب المنطقة فى مصر وسورية والعراق ولبنان واليمن، هى إذن حرب على الذاكرة لمحاولة سرقة تاريخ العرب وإعادة حشره فى تفسيرات مغلوطة وقراءات متعسفة للقصص التوراتية، على الرغم من أن الكثير من علماء التوراة اليهود والأجانب أجمعوا على عدم دقة هذه القصص وشككوا فى أن تكون وقعت تاريخيا أصلا، وأنها مجرد قصص رمزية ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالأراضى العربية، إذ الثابت تاريخيا أن الوجود اليهودى على مدار صفحات التاريخ القديم كان محدودا وهامشيا على الدوام.

ومن هذه الحقيقة التى أثبتها علم الآثار وحقائق التاريخ ينطلق الحضرى فى مقدمة الطبعة الثالثة من كتابه المهم، فى رصد العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة، الذى يتعلق فى جزء منه بهدم المناطق والمنشآت الأثرية التى تثبت الحقب التاريخية المتلاحقة لقطاع غزة ولا تعترف بأكاذيب الحركة الصهيونية بل تقدم شواهد لا يمكن دحضها، لذا تستهدف آلة الدمار الإسرائيلية هذه المعالم التاريخية بهدف تدميرها ومحوها من على سطح الأرض، بهدف العمل على تزوير الحقائق التاريخية والأثرية ومحو ما هو ثابت عن الوجود العربى بفضل هذه المنشآت، وصولا إلى الهدف الأساسى وهو اغتصاب الذاكرة الفلسطينية وخلق مساحة لترويج الأكاذيب حول الوجود المزعوم لليهود فى الأراضى الفلسطينية، ويلفت الحضرى الأنظار إلى أن القصف المتواصل على غزة لا يتم التركيز فيه على عمليات التدمير الممنهجة للمناطق الأثرية، وهى عمليات لا تحظى بالاهتمام الكافى مع التركيز على عمليات الإغاثة ومطالب وقف العمليات العسكرية الوحشية.

◄ التهويد الملعون
وتحت عنوان (مجازر الحضارة) يرصد إيهاب الحضرى فى مقدمة الكتاب جرائم إبادة الحضارة الفلسطينية فى قطاع غزة على وقع عدوان وحشى غير مسبوق، يقول: «وسط بكائياتنا على الضحايا، مر خبر استهداف كنيسة الروم الأرثوذكس دون اهتمام يذكر، وفى الوقت نفسه قصف الطيران المسجد العمرى فى جباليا شمال القطاع، انصب تركيزنا على أن كلا المبنيين يضم مدنيين مسيحيين ومسلمين أبرياء، صعدت أرواحهم إلى السماء دون ذنب ارتكبوه، دون أن نُركّز على القيمة التاريخية لكليهما. تحمل الكنيسة اسم القديس برفيريوس، الذى تولى منصب أسقف غزة فى القرن الخامس، وتم تشييد مبناها الأصلى منتصف القرن الثانى عشر، وشهدت تجديدًا عام 1856م. أما المسجد العمرى فقد أقيم فى منطقة جباليا، منذ أكثر من 700 سنة، وهو عمر مئذنته الباقية على حالها، أما باقى المبنى فيعود لنهايات العصر العثمانى، وتعرّض لقصف جوى فى عدوان 2014 دمّر جزءًا منه، وهناك أخبار تُشير إلى تعرضه لتدمير كامل فى العدوان الأخير».

ويوثق كتاب (اغتصاب الذاكرة) ممارسات النظام الصهيونى للسطو على تاريخ المنطقة، فالأمر لا يقتصر على سرقة تراث الشعب الفلسطينى وتاريخه، بل تشمل العديد من تراث دول المنطقة، إذ يوثق الحضرى لسرقات الآثار ومحاولات تهويد التاريخ التى يعتمدها الكيان الصهيونى، فى فلسطين ومصر والعراق وسورية ولبنان واليمن، وهى البلدان التى ورد ذكرها فى الكتب اليهودية القديمة، وتحاول الحركة الصهيونية سرقة آثار هذه المنطقة ومحاولة التلاعب بها وفبركتها لنسبتها إلى اليهود، وعندما يجد الكيان الصهيونى أدلة أثرية لا تتماشى مع الأحداث المزعومة عن وجود اليهود فى المنطقة يعمل على تدميرها وطمسها بشكل كلى.

◄ الشجرة المزيفة
ويذهب الحضرى فى كتابه إلى أنه لا يمكن الاعتماد على النصوص اليهودية الدينية كمرجع تاريخى يثبت أى حق إسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، واستدل على رأيه بجهود عشرات من علماء الآثار على مستوى العالم، الذين أثبتوا حجم التناقضات الموجودة فى حكايات وقصص التراث اليهودى الدينى، عبر الحفائر التى قاموا بها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، التى أثبتت بدورها عدم وجود أى دليل على الوجود اليهودى المزعوم فى الأراضي الفلسطينية، لافتا النظر إلى أن النصوص التاريخية للحضارات الرئيسية فى المنطقة بما فى ذلك الحضارة المصرية القديمة لم توثق لوجود بنى إسرائيل، فضلا عن الوجود المزعوم لدولة بنى إسرائيل كقوة عظمى فى المنطقة، إذ لم تكن إلا قبيلة هامشية فى عالم الشرق الأدنى القديم، كما أثبتت أن العرق النقى لليهود محض وهم وتزييف تاريخى فج فيهود العصر الحالى ليسوا امتدادا طبيعيا لبنى إسرائيل القدامى، بل إنهم زيفوا شجرة العائلة بهدف الزعم بأنهم الورثة الشرعيون للعبرانيين.

يؤكد ما يطرحه الحضرى، تلك السلسلة من الفضائح العلمية الدولية التى وقع فيها من ينتمى إلى الحركة الصهيونية فى سعيها للتنقيب عن أى آثار يهودية فى فلسطين، ومحاولة ربطها بما جاء من قصص فى التوراة على أمل إثبات أى حق إسرائيلى فى المنطقة، لكن بلا جدوى، فرغم عمليات التنقيب المحمومة على مدار سبعين سنة، لم يتم العثور على أى أدلة أثرية عن الوجود اليهودى المزعوم فى فلسطين، وهنا لجأ الصهاينة إلى فبركة التاريخ من ناحية، وسرقة التراث الفلسطينى العربى ونسبته إلى إسرائيل ظلما وعدوانا.

أمام حقائق التاريخ الصلبة اعترف زئيف هيرتزوج، الأستاذ فى دائرة علم الآثار ودراسات الشرق الأدنى القديم فى جامعة تل أبيب، بالحقيقة قائلا: «بعد سبعين سنة من عمليات التنقيب المكثفة فى أرض إسرائيل، توصل علماء الآثار إلى ما يلى: إن أعمال الآباء جميعا أسطورية، ونحن لم نقم فى مصر، ولم نخرج منها، ولم نفتح مدن هذه البلاد، وليس هناك ذكر لإمبراطورية داوود وسليمان. وهذا كله كان يعرفه المهتمون بهذه الحقائق على مدى سنين، غير أن إسرائيل شعب عنيد ولا يريد أن يسمع عنها شيئا. هذا ما توصل علماء الآثار إلى معرفته من التنقيبات التى قاموا بها… فالإسرائيليون لم يكونوا قط فى مصر، ولم يتيهوا فى الصحراء، ولم يفتتحوا البلاد بحملات عسكرية، ولم يسلموها إلى قبائل إسرائيل الاثنتى عشرة. والأكثر من ذلك صعوبة فى التصديق هو أن مملكة داوود وسليمان التى توصف فى الكتاب المقدس لليهود بأنها قوة إقليمية، لم تكن فى أحسن الأحوال غير مملكة قبلية ضئيلة».

◄ الجرائم العلمية
هذه الحقائق التى يعترف بها علماء يهود من غير الحركة الصهيونية، تتعرض للهجوم من أبناء الحركة الصهيونية الذين يعملون على قلب الحقائق التاريخية وتزويرها، عبر ارتكاب سلسلة من الجرائم العلمية، والنموذج الأبرز هنا هو فضيحة إعلان الأثرية الصهيونية إيلات مازار فى 2005، عن اكتشافها بقايا قصر داوود فى القدس الشرقية المحتلة، وتم التهليل الإسرائيلى لهذا الاكتشاف الكبير المزعوم، لكن أربعة من كبار الأثريين اليهود، على رأسهم زئيف هيرتزوج، فندوا هذا الاكتشاف المزعوم علميا، وأثبتوا أن البناء الحجرى المكتشف لا يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، الذى يفترض أن داوود بنى قصره فيه، وأنه يعود إلى فترات أحدث تعود تحديدا إلى القرن الأول قبل الميلاد، أى بعد التاريخ المزعوم بأكثر من 800 عام، وقالوا صراحة إن الرغبة المسبقة فى استخدام ما جاء فى كتب اليهود القديمة ومحاولة ربطها الآثار المكتشفة بصورة متعسفة تشوه أى عملية علمية لقراءة النصوص التاريخية والأثرية.