إنها مصر

الموقف الشريف لمصر والرئيس

كرم جبر
كرم جبر

منذ اللحظات الأولى لأحداث "طوفان الأقصى" كان الموقف المصرى ولا يزال شريفًا، فى مواجهة عدو يفتقد أدنى معايير الشرف، وتحرك الرئيس على كافة الأصعدة، لمنع الجرائم الكبرى التى خطط لها نتنياهو، وهى التهجير القسرى وتصفية القضية الفلسطينية.

وتصاعد موقف مصر على مستوى الأحداث، ضاربًا عرض الحائط بمقترحات سخيفة حول إغراءات مالية مقابل أجزاء من سيناء، والآن تأكدوا أنه لا يمكن التفريط فى شبر واحد بكل كنوز الدنيا.

ولم ييأس "شمشون تل أبيب" الذى يحاول حرق المنطقة وتوسيع نطاق الحرب، فدفع سكان غزة إلى الجنوب بالقرب من الحدود المصرية، أملاً فى إعادة مؤامرة التهجير القسرى بأسلوب إجرامى جديد.

وكما كانت مصر شريفة وصادقة وحازمة وقوية وهادئة فى التعامل مع مجرم الحرب، تحلت بنفس الصفات وهى تحذره بأن يحمل مؤامرته ويرحل بعيدًا، وإلا فإنه يفتح على نفسه وبلده بوابة جهنم.

رسالة واضحة من ملايين المصريين الذى خرجوا إلى الانتخابات يقولون لرئيسهم "نحن معك" ويحذرون بحزم تل أبيب "اتق شر المصريين إذا غضبوا" ولا تغتر بقوتك ونهايتك ستكون مثل كل مجرمى الحروب على مر التاريخ.

تخيل نتنياهو أن "الطوفان" الذى حدث يوم 7 أكتوبر فرصة سانحة لإزاحة الفلسطينيين إلى سيناء، وغاب عنه أن هذا التاريخ هو مرور 50 عامًا على حرب أكتوبر المجيدة، وفى مثل هذا اليوم بالذات، كان اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، يبلغ الرئيس السادات بنجاح العبور واقتحام كل التحصينات الإسرائيلية وتحرير شرق القناة بالكامل.

وفى نفس الليلة فتحت أمريكا مخازن السلاح، لجسور جوية إلى سيناء مباشرة لإنقاذ إسرائيل، وتحرك هنرى كيسنجر وزير خارجيتها لوقف إطلاق النار، قبل أن تدمر مصر الثغرة الوهمية للقوات الإسرائيلية غرب القناة وتقتل من فيها.

وظلت حرب أكتوبر الشبح الذى يخيف إسرائيل، وكان مشهد المستوطنين مأساويًا وهم يبكون ويصرخون أثناء الانسحاب من سيناء، وهم فى حالة هذيان متصورين أنهم ينسحبون من أرض الميعاد، ولكنهم أدركوا أن سيناء كانت وستظل مقبرة للغزاة.

ألاعيب نتنياهو بالقرب من الحدود المصرية مصيرها الفشل، وهو يراهن برقبته وبأمن واستقرار المنطقة، غير مدرك أن جهودًا كبيرة وتضحيات عظيمة قادت إلى السلام الذى تهنأ به إسرائيل، ولكنه قضى بالفعل على إمكانية أن تكون صديقة لدول وشعوب المنطقة.

وعاد نتنياهو بإسرائيل إلى الوراء، إلى ما قبل حرب 1967، حين كانت بلاده عدوًا لكل العرب، وتعانى العزلة والانكماش داخل حدودها، فليس فى وسع أى دولة عربية أن تضع يدها فى يد سفاح، يقتل ويذبح ويرتكب أبشع المذابح على مدى التاريخ.

مصر ورئيسها منذ اللحظات الأولى يتعاملون بشرف مع عدو يفتقد أدنى معانى الشرف، ولم ينقطع جهدها لحظة واحدة لحقن الدماء وإنقاذ الضحايا ووقف إطلاق النار، والاقتراب من ملف السلام الذى أصبح بعيدًا بعيدًا.