«منتصف الليل» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

الكاتبة فاطمة مندي
الكاتبة فاطمة مندي

 هناك في قريتنا الصغيرة، ذاكرة طفولتي البريئة أحيطت بجمال روحي، تستلم ذاكرتي مقتنياتي الزاخرة بعفوية الطفولة البريئة، شوقٌ يصطحبه نزاع بين الحاضر والماضي، ارتدّت علامات الشوق لطفولتي عند الكبر، تتصارع في الحياة، اشتهي للبراءة، وأشتهي نقاش الاصدقاء، أبحث عن الصدق في وجوه من حولي، ارجع بذاكرتي لأيام طفولتي الجميلة. كنا نجوب القرية عدوا، كما كنا نستعجل الايام، نحلم بالشباب ونحن صغار، لقد حلمنا بأشياء كثيرة، حلمنا بالجامعة، والمناصب، حلمنا بالعربات الفارهة.

 

ذات يوم من أيام طفولتي، مرضت، أخذتني أمي إلى طبيب الوحدة، بهرتني وسامته، ثقته بنفسه، اتقانه لعمله، كما بهرتني طريقة حواره معي ونظافة هندامه، لقد اخذت دوائه، وزال عني المرض بين ليلة وضحاها، لقد نعتني بالطبيب، بهرني بهذا اللقب الفخر، لقد حاورني، انجذب لرجاحة عقلي الصغير، وكلماتي العفوية، قال لي: إنك ستصبح طبيب مثلي أو سيكون لك شأن في الحياة.

 

 أخذت على عاتقي كلماته بمحمل الجد، بل وجاهدت كي ارسم طريق للوصل الي ما نعتني به (طبيب) تساءلت مراراً هل لفقير مثلي أن يتخطى كل هذه الصعاب؟ وهل سيضع لضجيج نفسي من نهاية؟

 

تختلق في نفسي متاهات حية، تهاجم أي عراقيل عبر السنون، امضي أقلبُ الحكاية والشكوة حائرة متمردة.

تنتصر في النهاية عزيمتي الفولازية، فلقد وضعت أمامي صورة اهواها كي تكون حافزي على الخط المستقيم.

 

 لقد وصلت لمبتغاي، بعد ما عصرني الزمان بين راحتيه، نلت شرف اللقب، تم تعيني في إحدى القرى، كنت اغتنم فرصة الراحة في اتمام رسالتي، سمعت طرقاً عالياً متلاحقاً، خرجت مسرعاً لإجابة الملهوف، تحدث الطارق: ابنتي تحتضر الرجاء الاسراع في انقاذها.

سألت: ماذا أصابها؟

قال لي: لا علم لي، تعالى معي كي تدركها قبل فوات الآوان.

ذهبت معه جلست بجوار ابنته الي أن تعافت، تركتها بعد منتصف الليل، سلكت طريقاً مختصراً بين الحقول، لأن السماء بدأت تنذر بسقوط المطر، وتزاحمت صور الماضي والحاضر في مخيلتي عند طريق عودتي تبحث عن إجابات لبعض الأسئلة.

أوقفني صوت غريب أمسك بجرأتي، من بعيد ينتصب واقفاً قبالتي شبح لم أميزه في الظلام الدامس، ارتدي ثوب الشجاعة في صمت عجيب رغماً عني تستطيب الدمعات وارفة من المقل، أعاود السير غير مكترث، تحدثني نفسي أرجع أدراجي.، أجيب عليها لقد قطعت شوطاً كبيراً ثلثي الطريق ولقد بللت مياه الأمطار معطفي.

 

 أحاول شغل ذهني بأفكار عديدة يتصاعد الشبح قبالتي من بعيد ثم يخبو، أقرأ كل ما حفظت من القرآن الكريم ثم أنظر، لأجده قد انتصب أمامي ثم هبط، قررت أن أغمض عيني والسير في خط مستقيم، حتى وصلت لمكان وجوده لم أجد شيئاً، تنفست الصعداء وأكملت السير بضربات قلب سريعة وأنفاس لاهثة.

 فجاءة وعلى غير توقع ظهر قبالتي ولفني بداخله وقعت مغشياً علي، تساقطت حبات المطر فوق وجهي فارتدت روحي الهاربة الي جسدي، وجدته ممددا بجواري فانفجرت في نوبة من البكاء، ثم نوبة من الضحكات العالية، إنه كيس طويل يضعه الفلاح كي تحركه الرياح لإخافة الطيور.