حروف ثائرة

«إلحق إنزل»

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

«فاجأ الجميع». هكذا باختصار شديد يمكننا وصف موقف الشعب المصرى من الانتخابات الرئاسية التى تغلق باب التصويت اليوم الثلاثاء، إقبال غير مسبوق لم يتوقعه أكثر المتفائلين والمؤمنين بالمعدن الأصيل للمصريين، لوحة وطنية رائعة تم رسمها بمداد عشق تراب البلد، وكالعادة كان مكونها الأساسى الرجال، لكن لم تترك له عظيمات مصر الساحة خالية، بل زاحمته وربما زاد نصيبها بتلك اللوحة الوطنية الخالدة، وزيّن اللوحة بكافة جوانبها الشباب الواعى الواعد، وعجائز مصر الذين خبروا الدنيا ولم يجدوا أفضل ولا أغلى منها وطناً.


إن ما حدث اليومين الماضيين سيسجله تاريخ المصريين، فهذا الإقبال ليس فقط للتصويت واختيار رئيس جديد، إنما تعبير عن شعورهم بالمخاطر المحدقة بوطنهم وتحديات الحاضر والمستقبل، فالمعروف بأى انتخابات أنه طالما كان هناك استقرار واطمئنان تقل المشاركة، وهو ما كان يتوقعه الكثيرون للانتخابات الحالية خاصة قبل اندلاع أحداث غزة، لكن ما حدث يؤكد عدة معان متأصلة بالمصريين عبر الزمن، أهمها خوفهم الشديد على وطنهم وعشقهم لترابه، وسعيهم بكل الطرق لحماية مقدراته ومكتسباته وأمنه القومى.


ولعل الموقف المصرى الرائع والوطنى والقومى من حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة علامة فارقة بالمشهد الحالى، لقد أدرك الجميع أن تلك الحرب لا تستهدف الفلسطينيين بالقطاع فقط، إنما تستهدف معهم مصر وأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها وهو ما يمثل للمصريين خطوطا حمراء لا تسمح لكائن من كان بأن يتجاوزها، فحكومة تل أبيب بفكرها الإجرامى الاستعمارى استهدفت تدمير أساسيات الحياة والبنية التحتية بغزة، وارتكاب فظائع وجرائم ضد الفلسطينيين، وإقناع العالم بأسره بأن الحل الوحيد والأمثل للأزمة هو تهجير سكان غزة إلى سيناء، وبعدما نجح الموقف المصرى الصلب وبذكاء شديد فى إقناع العالم حتى أمريكا بسذاجة الطرح الإسرائيلى ورفضه تماما، لم ولن تهدأ تل أبيب، وتضغط بكل قوة على سكان غزة لدفعهم إلى سيناء.


هنا شعر المصريون بتهديد حقيقى لوطنهم، كما شرفهم وأبهرهم موقف بلدهم، قيادة وجيشا وحكومة، برفض كل المغريات للنيل من أرض مصر، وعبروا عن ذلك منذ اندلاع حرب غزة، وعندما حلت الانتخابات الرئاسية وشعر المصريون بأن عليهم دورا مهما جدا بمواجهة المخاطر التى تهدد وطنهم، هذا الدور بالتعبير عن دعمهم لوطنهم وقيادتهم فى موقفها المشرف، وشعروا كذلك بأن الانتخابات فرصة لإثبات موقفهم هذا، كان تدفقهم اليومين الماضيين على طوابير الانتخابات الممتدة بشكل لم نشاهده من قبل.


بالطبع، هذا الموقف ألقى الذعر والضيق فى قلوب الذين خانوا وطنهم والذين يتربصون بمصرنا الغالية، وسوف يسعون جاهدين لتشويه تلك اللوحة الوطنية والموقف التاريخى بشتى الطرق، لكن هيهات أن يفلحوا وسيخيب سعيهم، والآن علينا أن نكمل اللوحة الحالية حتى نهايتها، فاليوم آخر يوم تصويت بالانتخابات الرئاسية، وأناشد كل من لم تمكنه ظروفه النزول اليومين الماضيين، الإسراع بالنزول فى اليوم الأخير حتى تكتمل صورة الوطن المفرحة، وحتى يؤدى كل منا دوره، ليس مهمًا من تنتخب، الأهم ان نشارك ونؤدى دورنا، نداء للجميع «إلحق إنزل».


وتبقى كلمة شكر لهذا الشعب البطل على هذا المشهد الوطنى الخالد، والشكر لكل من ساهم فى تسهيل نزول المواطنين وتأمينهم وتوعيتهم والتسهيل عليهم، وتحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.