«أحببتهم الثلاثة» قصة قصيرة للكاتبة مارا أحمد

صورة موضوعية
صورة موضوعية

التقيت به، كان بل مازال وسيما ناعما كما الحرير، يتأنق لي؛ ينتقي من الملابس ما يجذب أنوثتي وبعطور عبقها يتسلل الأرواح قبل الأنوف؛ كان يقرؤني ويقتحم أبوابي بسهولة؛ كان بداخله "سنسور" غير متوفر إلا في النساء والأمهات خاصة؛ يعرف به متى وكيف وأين يستحضر ما بداخلي من نساء، حوّطني بعالمه الساحر والإضاءات التي تأخذني إلى أرض يقطنها آدم وحواء فقط، ولكن ما أوجعها من "لكن"؛ لكنه كان كما الحبيب في رواية تعيش معه قصة عشق خيالية، لكن أبدا لن يمنحني الحب الذي ينبت ولدا برحمي؛ كان حبا شفهيا لا يتعدى قبلات حارة وأحضان ناعمة دافئة، وكأني بين ذراعي أمي أو كان هو كما ابني، يتركني وعطش لا يروى، لم أتمكن من أن أتخلى عنه؛ فما بيننا رابطة ليس من السهل أن تمزق، كنت له أما وهو ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ في حاجة إلى وجودي بجانبه.

لألتقي به؛ ذلك الرجل ذي العقل الحاسوبي المنظم حد الكمال؛ دائما في عقله خطتان: خطة أ وخطة ب؛ فلا مجال للمصادفات أو التلقائية، يتحرك بروزنامة وقلم ولابتوب، قال لي: إن تفاهمنا سنتزوج

في غضون سنة كخطة أ، إن لم نتفاهم سنمد العلاقة ليتم الزواج بعد عام ونصف ليس أكثر كخطة ب، سننجب بعدها بعام كخطة أ، نسبة ألا ننجب لن تتعدى 2% عندها سنلجأ إلى الخطة ب وهي الحقن المجهري، هكذا كانت علاقتي به مخطط لبيت وأسرة،

"لكنه" لم يحدثني عن الحب ولوعته وغنوة نظمها الشاعر لي خاصة أو العطر المفضل لي ولا حتى سألني عن لون قميص النوم المفضل لديه.

والتقيته؛ كان كما غضب من السماء، لأنني لم أمتن لما منحته لي من قبل، أحببته، صرت بين يديه كما الصلصال بين أصابع طفل يلهو به ويشكل منه النساء التي يشتهيها؛ حبنا كان عشوائيا، تلقائيا. أحببت عشوائيته وعشق همجيتي في ممارسة الحب و"لكنه" أبدا لم يمنحني وعدا أو موعدا للقاء، فكنت في انتظار مستمر ثم مكالمة مفاجئة وكلمتان، تصيب جسدي وقلبي بزلزال يصيب أوصالي، قوته تعدت ستة ريختر، هما "وحشتيني، تعالي".

 كنت أتحرك كما مسلوبة الإرادة كما الملبوس بجن، أسرع إلى أحضانه، ثم لا موعد محدد بل انتظار.

أحببتهم الثلاثة، كلما حاولت أن أقصى اثنين منهم لأبقى على واحد فقط في بؤرة التفكير وحياتي، أرى صراعا يتزايد بينهم الثلاثة ليتصدروا المشهد وقلبي.

كنت أتجنب حين أكون مع أحدهم أن ألفظ باسم الآخر، فاكتفيت ب "بيبي"

كلمة ليست هي بحبيبي كاملة، ولا أبي واضحة، ولا حتى ابني بلفظ الدلال واضحة،

هي جمع لهم الثلاثة وليست أحدهم.

إلى أن حانت لحظة الاختيار، قال من كان كما ابني العاجز: "لا بد أن نكلل علاقتنا برضا الله."، والثاني الذي كان كما أبي ذي العقل الحاسوبي صاحب خطة أ وخطة ب، قال: "إنه موعد إقامة شركتنا التي أتمنى أن تكبر لتصير مِؤسسة ناجحة بأسهم ترتفع إلى السماء."،

وحبيبي الثالث طلب مني أن أكون في بيته متهيئة الأنوثة كما فنانة إغراء دوما على سرير من حرير برباط أبدي.

ليس سهلا أن أبتعد عن أحدهم لأنتصر للآخر؛ فهناك من منحني الأمومة ومن منحني الأبوة وهناك من وهبني الحب. كيف أعيش بأحدهم دون الاثنين؟! ولأنني أحيا في ثقافة علمتنا أن نعيش منقوصي السعادة، فالكمال لا يجوز ويتنافى مع الطبيعة، ولأني أشك أنني سأخلص لأحدهم طالما ما زلت في حاجة للاثنين الآخرين، ولا بد أن يتملكني واحد، اضطررت أن أختار رابع الاختيارات، وأن أحمل أوجاعي وحنيني إليهم جميعا، وأختار "حريتي".