أحمد عبدالوهاب يكتب: «غزة».. والعيش تحت الحصار

الكاتب الصحفي أحمد عبد الوهاب
الكاتب الصحفي أحمد عبد الوهاب

«من رحم المعاناة يولد الأمل».. تعبير بسيط لكنه يحمل معاني كثيرة، تجسد حالة الصبر والإيمان التي يتحلى بها أهالي غزة، الجالسين وسط أنقاض منازلهم، ينتظرون الموت في كل لحظة، تخترق مسامعهم أصوات الانفجارات المدوية، التي أصبحت شريكًا أساسيًا لهم في الحياة اليومية، يشاهدون دماء وجثث أقرب الناس إليهم، ولا يملكون سوى الصراخ والبكاء، والدعاء للمولى عز وجل بأن يرحم من سالت دمائه غدرًا، دون ذنب.

نتفق أو نختلف على الكثير من التفاصيل، لكننا حتما متفقين أن ما بعد 7 أكتوبر ليس كما قبله أبدا.. عائلات فقدت أحبابها وأخرى مُحيت كاملة من السجل المدني، وأصيب الأبرياء في أنفسهم وأمنهم وأموالهم وأملاكهم، ورغم كل ما يمرون به من فظائع، لديهم عزيمة وإيمان بحتمية النصر الذي بشرنا به رب العالمين، يستشهدوا على نية الرباط فى بيت المقدس.

ما يحدث في غزة، يبعث بالإحباط واليأس لمن يرون المشاهد من منازلهم أمام شاشات التلفاز.. ولكن من يعيش وسط الخراب والدماء والموت المنتظر، لديه أمل وعزيمة على أن النصر آت لا محالة شعب، وهو الأمر الذي يؤكد للقاصي والداني أن الشعب الفلسطيني «حي لا يموت».

على مدار سنوات طويلة، مارست دولة الاحتلال الإسرائيلي، كل أنواع الضغوط، فلم تكن الحرب مجرد أسلحة يستخدمونها لإرهاب وقتل المدنيين العُزل، وإنما شنوا حربًا نفسية، أرادوا منها كسر عزيمة الفلسطينيين، الذين صمدوا ولقنوا الاحتلال دروسًا على مر التاريخ، بأنهم لن يتركوا أرضهم ولا قضيتهم، حتى يبلغون النصر مهما كلفهم الأمر.   

يظن جيش الاحتلال، أنه بهدم المنازل بالصواريخ والدبابات، ونزوح أكثر من مليون فلسطيني من منازلهم في الشمال والمنطقة الوسطى إلى جنوب القطاع، ومناطق متفرقة أخرى، في ظل الحرب النفسية التي يمارسها جيش الاحتلال على الفلسطينيين، للتهجير القسري من أرضهم إلى خارج قطاع غزة، أنهم بذلك قطعوا شوطًا نحو تحقيق النصر.

ويواجه الفلسطينيون أزمات طاحنة، في الحصول على الماء وشحن البطاريات والأدوية والوقود والاتصالات والإنترنت، في معارك يومية طاحنة، للحصول على ما يمكنهم من العيش، فنجد مهزومًا ومنتصرًا في معركة الخبز، ولكن لن تجد منتصرًا واحدًا في غزة في معركة تأمين فزع أطفاله من الموت المتربص عند كل شهيق قد لا يتلوه زفير، تجد من غادر طلبًا للسلامة قد ذهب لحتفه.. تسمع عن عائلات كاملة قد محيت من سجل الأحياء.. تسمع قصصًا لم تكن تسمعها سوى فى كتب الخيال من مفارقات الموت والحياة.. تتأكد أن الموت والحياة فى غزة شيئ واحد.

ولدى الفلسطينيون عقيدة راسخة، وحلم بالعودة إلى الأرض التي نزع منها مجبرًا.. فالارتباط بهذه البقعة من الأرض يجري في شرايين شعب فلسطين، وأصبحوا مدركين أن ما يحدث لهم من حرب إبادة هدفها التصميم على الطرد خارج الأرض، وتصفية القضية التي دفُع فيها ثمنًا باهظًا، ليس أموالًا ولكن أرواحًا أرادت الحياة في طمأنية، وكتب لهم القدر الموت في حرب غير متكافئة، تجمع جيشًا طاغيًا يتمتع بحصانة من الزاعمين بأنهم حُماة الإنسانية، بشعب أعزل يقف نسائه وأطفال وشبابه وشيوخه، أمام الدبابات دون خوف أو هروب.

وفي اعتقادي، أن التحديات التي فرضتها الحرب على غزة، لم تمنع أصحاب الأرض، من الحلم بالتعايش السلمي، رغم أنهم ينتظرون الموت في كل لحظة، يتشاركون اللحظات والأيام العصيبة، التي لم تكن جديدة عليهم، ولكنها أشد وأعنف مما سبقها، يجلسون سويًا ويتبادلون أطراف الحديث، عن المصير الذي لم تتضح وجهته، وسط الحرب الضروس.