هل توقف مطالب «إيوني بيلارا» جرائم إسرائيل؟

إيوني بيلارا
إيوني بيلارا

■ كتب: هانئ مباشر

أربعة قرارات عاجلة.. مطلوب اتخاذها لمحاسبة إسرائيل ومسئوليها عن الإبادة الجماعية فى فلسطين.. هذا ما دعت إليه وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيونى بيلارا، الدول الأوروبية إلى اتخاذ هذه القرارات من أجل وقف هذه «الإبادة الجماعية»، والتى أوقعت آلاف القتلى من المدنيين الفلسطينيين، وتشمل هذه القرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفرض العقوبات الاقتصادية بشكل حاسم، وحظر «بيع الأسلحة» وتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وبعيدا عن مطالبات «الوزيرة الإسبانية»، ومدى استجابة دول الاتحاد الأوروبى أم لا لمطالبها، نطرح التساؤلات حول تلك المطالب فى مدى إمكانية سعى الدول العربية لتطبيقها، وهل هى مستحيلة؟!

الحديث لا يتوقف عن إيون بيلارا، وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية، والتى أدانت بكل شجاعة جرائم الحرب التى يقوم بها «بنيامين نتنياهو.. رئيس الوزراء الإسرائيلي»، بل ووصفت القصف الإسرائيلى بأنه مجزرة على قطاع غزة، ويصل إلى حد جرائم الحرب، واعتبرت القصف الإسرائيلى بمثابة إبادة جماعية مبرمجة بحق الشعب الفلسطيني، وأن ما يحدث هو عقاب جماعى ينتهك بشكل خطير القانون الدولى الإنساني، وبعيدًا عن كون «إيون» قد أصبح لها شعبية لدى العرب بعد جرأتها فى توجيه تلك الانتقادات، فإنها - رغم صغر سنها - تعد سياسية إسبانية بارزة، فهى الأمين العامة لحزب بوديموس الإسباني، وتعمل ببرنامج اليسار الاجتماعى ضد الفساد السياسي والاقتصادى فى إسبانيا، وعضوة فى مجلس النواب الإسباني، وناشطة بارزة ضد مراكز احتجاز المهاجرين.

◄ اقرأ أيضًا | مرصد الأزهر يثمن موقف وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية الداعم للقضية الفلسطينية

◄ التغيير قادم
الدكتور محمود السعيد، أستاذ العلوم السياسية، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا، يقول إنه على الرغم من صعوبة تنفيذ ما دعت إليه الوزيرة الإسبانية من قطع الدول الأوروبية العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفرض العقوبات الاقتصادية بشكل حاسم، وحظر الأسلحة عنها، وتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بهذه الهجمات غير الإنسانية على غزة، والأخيرة تحميها من أى تداعيات سلبية على المستوى الدولي، ومعظم دول الاتحاد الأوروبى تتوافق سياساتها تماما مع سياسات الولايات المتحدة، والدول العربية تقف عاجزة أمام السعى لتحقيق ما طالبت به الوزيرة الإسبانية نظرا لضعف أوراق الضغط السياسية التى يمكن أن تضغط بها على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

أضاف، أنه بالرغم من كل ذلك إلا أن تصريحات الوزيرة الاسبانية «إيون بيلارا» تعبر عن وجهة نظر شريحة كبيرة من المواطنين الأوروبيين وتعكس وجهة نظرهم الحالية فى دولة إسرائيل، وتصحح الرؤية المغلوطة عن العرب بصفة عامة والفلسطينيين بصفة خاصة التى كانت لدى المواطن الأوروبى منذ نشأة إسرائيل، وهو تحول هام يجب أن نبنى عليه خلال الفترة القادمة، فهذا التحول فى وجهة نظر شريحة كبيرة من المواطنين فى أوروبا سينتقل بكل تأكيد إلى الولايات المتحدة نفسها، وخصوصا فى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة وما يخلفه من ضحايا أبرياء من أطفال ونساء وكبار السن. وسوف يكون لهذا التحول فى الرأى والرؤية للمواطن الأوروبى تأثير كبير على دولة الاحتلال خلال الفترات القادمة.

◄ الممكن.. والصعب!
أما الدكتورة دلال محمود السيد، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فترى أن المطالب المنسوبة لوزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية، لم تلق استجابة من الدول الأوروبية التى تنحاز بشكل كبير إلى إسرائيل، لكن الأمر المؤكد أن التصريحات الجريئة للوزيرة تتلاقى مع تفضيلات شريحة جماهيرية ليست بالقليلة فى إسبانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى التى بها جاليات عربية وإسلامية كبيرة، وهو ما يلفت النظر إلى أن الرأى العام الأوروبى لم يعد متفقا تجاه إسرائيل، وفى محاولة لمناقشة تلك المقترحات فإنها تبدو طموحة جدا فى الوقت الراهن بالنسبة للدول العربية لعدة أسباب، فبالنسبة للمقترح الخاص بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل يمكن للدول الأوروبية أن تنفذه بشكل فردي، ويصعب أن يكون هناك قرار أوروبى جماعى عبر الاتحاد الأوروبي فى هذا السياق، خاصة مع عمق العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول مثل بريطانيا التى ساندت إسرائيل من قبل الإعلان عنها فى 1948 أما بالنسبة للدول العربية، فإن العلاقات الدبلوماسية العربية مع إسرائيل هى قناة أساسية للحد من بطشها بالشعب الفلسطيني، وبالتالى قطع العلاقات يقطع هذه القنوات، كما أن هناك توترا فى العلاقات بين بعض الدول التى لديها اتفاقيات سلام واتفاقيات تطبيع وبين إسرائيل، وقطع العلاقات نهائيا من شأنه أن يزيد من توتر هذه العلاقات.

أضافت، أما مُقترح العقوبات الاقتصادية الحاسمة، فلكى تكون العقوبات الاقتصادية مؤثرة يجب توافر بعض الشروط، فى البداية أن تكون سياسة العقوبات جزءا من سياسات الدول التى تنفذها، وأن تكون العقوبات فى قطاعات مؤثرة فعليا على الاقتصاد الإسرائيلي، ألا تكون هناك بدائل تعوض الخسائر التى يمكن أن تلحق بالاقتصاد الإسرائيلى من جراء هذه العقوبات. ووفقا للمصادر المتاحة فإن العلاقات التجارية والاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية متفاوتة، ربما الأهم فيها مع دول الخليج والتى تتخذ موقفا توفيقيا فى المشهد السياسى الراهن وتبحث عن فرص لتهدئة وتسوية العلاقات، وتعتبر علاقاتها مع إسرائيل ورقة تفاوضية ضاغطة إذا لزم الأمر، ولفتت إلى أن مُقترح حظر الأسلحة، فهو مردود عليه بأن أغلب واردات إسرائيل من الأسلحة قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهى خارج نطاق تصريح الوزيرة، أما الواردات الأوروبية فأغلبها من ألمانيا وبريطانيا ثم فرنسا، وهذه الدول تتوافق فى رؤاها مع الولايات المتحدة وتستفيد بشكل مباشر من التصدير لإسرائيل وغيرها من دول الشرق الأوسط. وهذا المقترح لا مجال فيه للتأثير العربي اللهم الدخول فى سباق تسلح إقليمى بسبب التسليح الحديث المستمر لإسرائيل، أما المقترح الخاص بتقديم المسئولين الإسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية، لإدانتهم كمجرمى حرب، هذا الاقتراح ممكن لكنه ليس حلا سريعا، فالمحكمة تقبل بالوثائق والمستندات التى يمكن العمل على تجميعها وتوثيق الأحداث والعمليات الإسرائيلية اللاإنسانية فى غزة وفى الضفة أيضا، وهذا مسار يمكن أن يبدأ بعد أن تضع الحرب أوزارهاـ فعليا، ويتوقف نجاحه من عدمه على عدم تسييس هذا الملف وإبعاد تأثير القوى الكبرى عنه.

أضافت، لقد تسببت قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب فى تأجيج العنف ضد الفلسطينيين فى السنوات الأخيرة، حيث قتل الإسرائيليون من الفلسطينيين فى عدوانهم الحالى على قطاع غزة أكثر مما قتلوا فى أى عام منذ 2006، ومع وجود ائتلاف يمينى متطرفٍ حاكم فى إسرائيل زادت الدعوات العلنية والمتنامية إلى التطهير العرقي، وفى الوقت نفسه استمرت بلا هوادة وتيرة التوسع الاستيطانى الإسرائيلى غير القانونى وغير المسبوق، والاعتداءات المتصاعدة من المستوطنين، والحصار الخانق على غزة، وتشريد الفلسطينيين، وبينما يصعد النظام الإسرائيلى ممارسات الفصل العنصرى والاستعمار الاستيطانى فى فلسطين، ترتفع الأصوات الداعية إلى مساءلة إسرائيل، ومن تلك المطالبات دعوات متزايدة إلى فرض عقوبات على النظام الإسرائيلي.. غير أن التساؤلات حول هذا الأسلوب لا تزال قائمة من حيث فاعليته ومستوياته.

◄ الحق الأصيل
السفير رخا أحمد حسن، مُساعد وزير الخارجية المصري السابق وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، يرى أن التلويح بالعقوبات الاقتصادية ضد إسرائيل والدول الداعمة لها، يُعد أحد الخيارات الفعالة لوقف حربها على غزة، ولعل مشاركة 56 دولة لكسر الحصار على قطاع غزة يمثل أهمية بالغة، خاصة أن هذه الدول تعد المجموعة الأكبر داخل الأمم المتحدة، فلقد أصبح لرفع الحصار عن القطاع أولوية، خاصة فى ظل الحاجة الماسة لإدخال الوقود على سبيل المثال، بما يمثله من أهمية للمستشفيات وسيارات نقل المصابين وتوليد الكهرباء، بالإضافة لإدخال المواد الغذائية والطبية، وتحقيق نتائج بشأن وقف إطلاق النار يتوقف على ما تشعر به الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بشأن تضرر مصالحها، خاصة أن هناك دعوات متصاعدة - رسمية وشعبية - على كافة الأصعدة «العربية والإسلامية والدولية» نوهت إلى ضرورة العمل على تغيير المعاملات التجارية مع الدول الداعمة لإسرائيل، وما لم يلوح بفرض عقوبات اقتصادية حقيقية وقوية على إسرائيل والدول الداعمة لها، سيترك الأمر لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية التى تماطل بالفعل، وتعمل على إتاحة الفرصة لإسرائيل لتنفيذ الخطة التى اعتمدها مجلس الحرب بإسرائيل.

أضاف رخا، لقد توفر الأساس القانوني لملاحقة إسرائيل أمام القضاء الدولي، وعلى الجميع استغلال آليات العدالة الدولية لمحاكمة إسرائيل، إن محاسبة مجرمى الحرب الإسرائيليين «حق أصيل» للفلسطينيين، وبالتالى فإن تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية.. كما طالبت «إيونى بيلارا» من الإجراءات الممكنة، ولا يزال من الممكن إيقاف الإبادة الجماعية فى فلسطين.

◄ واجب إنساني
الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى والخبير فى المنازعات الدولية، يقول إن الشعوب والمنظمات العربية والأجنبية مدعوة بل واجب عليها دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتقديم بلاغات رسمية إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، تتضمن توثيقا لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال رابط إلكترونى للمحكمة، كما أن القانون الدولى الإنسانى يحمى المدنيين فى النزاعات المسلحة وغير المسلحة، وقتل المدنيين وهدم منازلهم والتعدى على سيارات الإسعاف، وتدمير الطرق وقطع الكهرباء والمياه، ومنع وصول كافة لوازم المعيشة، وقصف المنشآت المدنية والمشاريع الحيوية، وحصار غزة بشكل عام يمثل جرائم حرب متعددة ومكتملة الأركان، مضيفا إن انتهاك هذه التصرفات للقانون الدولي، واتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين تجرم مثل هذه الأفعال، والأدلة على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى موثقة وكثيرة، سواء من خلال تقارير المنظمات الحقوقية أو الهيئات الدولية أو وسائل الإعلام، مشددًا على أهمية جمع هذه الأدلة وتبويبها وتقديمها للمحكمة بشكل منظم لتسهيل التحقيق والمحاكمة..

ويمكن تقديم هذه البلاغات، عبر الموقع الإلكتروني للمحكمة، من خلال استمارة تتيح تقديم التفاصيل الكاملة عن الجرائم، وإرفاق أى أدلة مثل الصور ومقاطع الفيديو، وذلك من خلال الرابط الآتى (cpi.int/-https://otplink.icc)

تابع، إن توثيق هذه الجرائم وتقديم الأدلة عليها يمثل خطوة أساسية نحو محاكمة المسئولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإنزال العقاب الرادع بمرتكبيها، ومحاسبة المجرمين أمام القضاء الدولى يعد حقا أصيلا لضحايا العدوان والاضطهاد، وواجبا أخلاقيا وقانونيا على المجتمع الدولى لوضع حد لهذه الممارسات غير الإنسانية وتحقيق العدالة.