يوميات الاخبار

هولاكو يقابل نتنياهو

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

انتحِرْ.. لو وجدت الدنيا كلها تقف ضدك فانتحر.. لو انتحرت ستقطع الطريق على الجميع.. لن يستطيع مخلوق أن ينال منك

جلس نتنياهو فى مكتبه برئاسة مجلس الوزراء منهكاً. تمنى لو ينام لحظات، لكن الأحداث المتوالية لا ترحمه، فمنذ اليوم السابع من أكتوبر والأخبار السيئة لا تتوقف، والنوم الملعون لا يأتى. أغمض عينيه وحاول أن يغفو لحظات، لكن صوت فتح الباب أقلقه. فتح عينيه ليرى من القادم. فوجئ برجل فى ثياب مقاتل من العصور الوسطى. تعجب. هز رأسه ليتأكد أنه مستيقظ. ابتسم له الرجل بهدوء شديد. سأله نتنياهو منزعجاً: من أنت؟!
كان يخشى أن يكون أحد الفلسطينيين دخل متنكراً إلى مجلس الوزراء. أردف: كيف سمح لك الحرس بالدخول إلى هنا؟ أقسم إنى سأعاقبهم جميعاً.
قال الرجل بهدوء: لا تنزعج. لست من الفلسطينيين الذين تحاربهم. أنا مثلك أكرههم، وحاربتهم قبلك.
- من أنت؟
- ألا تعرفني؟
- لا.
- أنا هولاكو أكبر السفاحين على مر التاريخ. هل عرفتنى الآن؟
- لكن هولاكو مات منذ مئات السنين.
- أعلم
- كيف جئت إذن؟
- الموتى يبعثهم الله. وفى دينكم رجال بعثهم الله بعد أن ماتوا، فلماذا الاستغراب؟! على أى حال لقد جئت إليك اليوم لأمنحك لقباً يليق بك.
- أى لقب؟
- سفاح القرن الحادى والعشرين. إن لكل قرن سفاحاً كبيراً يكتب اسمه بدم أعدائه، وأنت سفاح هذا القرن. كم قتلت من الفلسطينيين؟ يقولون إنك قتلت فى المرة الأخيرة وحدها حوالى خمسة عشر ألفاً. هذا يدل على أنك رجل دموى فعلاً. تعشق الدم مثلى.


- أنا لا شأن لى بهؤلاء القتلى. إنه جالانت وزير الدفاع.
- هههههه. أنا لست قاضياً فى محكمة العدل الدولية لتكذب عليَّ. أنا أعرف أنك وافقت على خطة القتل والتهجير. لكن بالمناسبة، أريد أن أنصحك نصيحة غالية.
- أية نصيحة؟
- لا تهجِّر الفلسطينيين لمصر.
- والسبب؟
- احذر غضب المصريين. لو قمت بالتهجير.
تغيرت ملامح هولاكو وهو يكمل: إن جيشهم هو الجيش الوحيد الذى هزم جيش المغول. لم يهزمه فقط، بل قضى عليه تماماً. وقتل صديقى الغالى «كتبغا» قائد الجيش المغولى.
ضحك هولاكو بشدة. نغز نتنياهو فى جنبه وهو يقول له: لا تكذب علىَّ يا بيبي. أليس هذا اسم التدليل الذى ينادونك به؟ أنا أعرفك. أنت أجبن خلق الله. فى اليوم السابع من أكتوبر، حين مسح الغزاوية بكرامتك أنت وجيشك الأرض، كنت مرعوباً. رحت تبكى وتصرخ لأمريكا وأوروبا كى ينقذوك أنت وإسرائيل، ولولا المساعدات الأمريكية، والأسطول الأمريكي، والدعم الأوروبي، لكان أبناء غزة قضوا عليك. اسمع، لا داعى لأن يضحك أحدنا على الآخر. أنا أعرفك جيداً. أنت قتلت المدنيين فقط، وأكثر من قتلت كانوا من النساء والأطفال. وأنا لا أدينك، فأنا قاتل مثلك. أنا سفاح القرن الثالث عشر، وأكبر قاتل فى التاريخ. قتلت الملايين. كنت لا أرحم طفلاً أو شيخاً أو امرأة. أنا أعشق لون الدم مثلك.


- أنا لا أحب الدم. لكنى كنت مضطراً للقتال. كنت أدافع عن بلدى. أمريكا وأوروبا جميعاً أقروا بأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
- قل هذا الكلام لغيرى. أنت أردت أن تظهر بمظهر المنتصر الذى كبَّد عدوه أعظم الخسائر، فأرسلت جيشك ليقتل المدنيين، ويهاجم المستشفيات والمدارس والمساجد. وأنا لا ألومك، فهكذا القتلة والسفاحون على مر التاريخ لا يحترمون أى شيء مقدس. أتَذْكر هتلر؟ لقد كان....
-  من فضلك. لا تذكر هذا الاسم أمامي. أنا أكرهه.
- لم؟
- لأنه كان عنصرياً. قتل اليهود بلا رحمة لأنه كان يرى أن جنسه هو الأفضل.
ضحك هولاكو حتى استلقى على قفاه، ثم اعتدل ليقول لنتنياهو:
- يا صديقى أنت أشبه الناس بهتلر. أنت أكبر عنصرىّ فى هذا الزمان. ألست تريد طرد الفلسطينيين وتهجيرهم لكى تعلن أن إسرائيل دولة يهودية خالصة؟ أليست هذه عنصرية؟ على أى حال أنا لا أهتم بهذا. كل سفاح كانت لديه أسبابه الخاصة للقتل. المهم النتيجة. وأنا أرى أنك سفاح حقيقى بمعيار القتلى الذين قتلتهم، خصوصاً الأطفال والنساء.
هز نتنياهو رأسه. قال: أنا لا أصدق أنك هولاكو. مؤكد أنك رجل إعلامى جاء متنكراً ليجرجرنى فى الكلام، ثم ينشر هذا الحوار فى كل مكان. وفتح درج مكتبه ليخرج الطبنجة، ويوجهها لهولاكو وقد عقد العزم على قتله. لكن الغريب أنه فوجئ أن الطبنجة لا تطلق رصاصاً. نظر إليها غاضباً، وهو يتمتم: اللعنة.
لأول مرة يقترب هولاكو من نتنياهو، وفى نيته أن يربت عليه. لكن نتنياهو ابتعد وهو يرتجف. قال له: ابتعد. إياك أن تكون من الفلسطينيين الذين يقتلون من المسافة صفر. لعلمك أنا مقاتل قديم. كنت قائد فريق فى القوات الخاصة.


- اهدأ يا رجل. أنا لا أريد بك ضرراً. لا تنس أنى سفاح مثلك، وقد جئت لأمنحك لقباً غالياً، ستدخل به التاريخ. لقب «سفاح القرن الحادى والعشرين».
- لا أريد ألقاباً. لا أريد منك شيئاً. اذهب عني.
- أى رجل غريب أنت؟! أتعرف معنى أن آتى إليك من العالم الآخر لكى أمنحك هذا اللقب؟ هل يكون جزائى بعد هذا هو الطرد؟ لا لا لا. هذا لا يصح. لا يصح أبداً.
ذهب نتنياهو ليدق جرس مكتبه وهو فى قمة الانفعال قائلاً: أقسم إنى سأعاقب الحرس أشد العقاب لأنهم سمحوا لك بالتسلل إلى مكتبي.
لكنه فوجئ أن الجرس لا يعمل. ابتسم هولاكو. قال لنتنياهو: ألا تدرك أننا فى لحظة غير عادية. الطبنجة لا تعمل، والجرس لا يدق، حتى لو ناديت فلن يسمعك أحد. نحن خارج الحسابات الأرضية الآن. أنت فى حضرة رجل من العالم الآخر. لذلك فالقوانين الأرضية لا تعمل.
جلس نتنياهو على مقعده متعباً. قال له راجياً: أرجوك اتركنى فى حالي. أنا متعب. منذ شهر ونصف لم تعرف عيناى النوم.
- لم؟ هل تشعر بالندم لأنك قتلت النساء والأطفال؟ إياك أن تندم. لو ندمت سأسحب منك اللقب.
- أنت لا تعرف ما ينتظرني.


- ماذا ينتظرك؟
- ينتظرنى الكثير. الكثير جداً. ستشكل لجنة فى إسرائيل لمحاكمة القادة بعد الحرب على تقصيرهم الذى تسبب فى هزيمة السابع من أكتوبر، وسأحاكم على جرائم الفساد التى ارتكبتها، وكنت أريد تغيير القانون كى أهرب من المحاكمة، والمصيبة الأكبر أن هناك دعاوى عديدة أمام محكمة العدل الدولية لمحاكمتى كمجرم حرب. إننى رجل تعس. رجل يخشى المستقبل. مستقبلى السياسى انتهى، وربما أجد نفسى سجيناً بقية حياتي. إننى لم أعد صغيراً. إننى فى الرابعة والسبعين، هل يمكن أن أقضى بقية حياتى فى السجن؟ هل يمكن أن أموت سجيناً كما كان الفلسطينيون الذين يقفون فى وجهى يموتون فى السجن؟
- لا يا نتنياهو. لا أحب أن أراك منهاراً هكذا. تماسك يا رجل. لا يليق بسفاح القرن الحادى والعشرين أن ينهار هكذا.
- أنا فى النهاية إنسان. من حقى أن أضعف. أن أبكي.
وانهمرت دموع نتنياهو وراح ينهنه كالنساء. هنا اقترب منه هولاكو وراح يربت عليه قائلاً: تماسك يا رجل. تماسك. لا داعى لكل هذا الخوف. اسمع.. لك عندى فكرة رائعة.
- أية فكرة؟
- انتحِرْ. لو وجدت الدنيا كلها تقف ضدك فانتحر. لو انتحرت ستقطع الطريق على الجميع. لن يستطيع مخلوق أن ينال منك.
- لكن الله سيحاسبنى لأنى أزهقت روحي.


راح هولاكو يضحك بصورة هستيرية. ظل يضحك بلا انقطاع. لكنه تماسك أخيراً. قال لنتنياهو وبكلماته بقايا ضحك: ألا تخشى أن يحاسبك الله على آلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم وتخشى أن يحاسبك لأنك انتحرت وأزهقت روحك بيدك؟! أنت تهزل يا نتنياهو فى وقت لا يصح فيه الهزل.
- رغم كل شيء قد لا تصدق أنى رجل متدين.


- قل هذا الكلام لغيرى. ردد آيات التوراة ونبوءات أشعيا لتضحك على الإسرائيليين، لكنى أعلم أنك لست هذا الرجل التقى الورع. يا صديقى فى القتل، لابد أن تعلم أن القتل والإيمان لا يجتمعان.
- أرجوك. دعنى الآن. أنا متعب. لم أنم جيداً منذ السابع من أكتوبر، وحين أنام تطاردنى الكوابيس. أريد أن أستريح. أستريح.
للمرة الثانية سمع نتنياهو باب مكتبه يفتح. ظن أن هولاكو خرج. فتح عينيه ليتأكد من خروجه. فوجئ أن هولاكو غير موجود، وأن مدير مكتبه هو الذى دخل ليسأله: سيدى رئيس الوزراء، سمعت صوتاً فى المكتب، فدخلت لأرى مع من تتكلم. مع من كنت تتكلم يا سيدى؟
- لا أحد. لا أحد.