..ليس المطلوب أن يكون في جيبي مصحفًا أو تملأ وجهي لحية كثيفة تثير الرعب لكل من يراني مع وجه عابس ومسواك أضعه في جيب جلبابي الأبيض القصير وبجانبه زجاجة المسك، كي تحكم على إيماني؛ ما جدوى الإيمان مع سوء الخلق؛ فالأخلاق سبقت الأديان وهي أساس أي حضارة إنسانية.
أكثر ما كان يهدد الدولة المصرية في الماضي، تحديدًا قبل 11 عامًا من الآن هو التعصب الأعمى، الذي هو مظهر من مظاهر التخلف الحضاري؛ حين يتعصب الإنسان لصوت وأفكار جماعته، ويتعالى بإسلامه ويظن أنه وحده وجماعته الذي يمتلك الحقيقة المطلقة والدين، وأن العقيدة تعني اسمه واسم جماعته وهذا ما رأيناه حين حكم مرسي البلاد في 8 يوليو سنة 2012، فكان من وقت لآخر يطل علينا برأسه البغيض وصوته المقيت مهددًا ومتوعدًا الشعب كله ممثلاً في قضائه، وأزهره، ومثقفيه، وصحفيه، وكتابه، وإعلاميه، وفنانيه، وكادت البلاد أن تتحول في ظل حكم جماعة رجعية ظلامية إذا استمرت قليلاً إلى حالة احتراب أهلي.
ويوم أن طوى الشعب بثورة هي أعظم الثورات في تاريخ مصر الحديث، صفحة الجماعة الإرهابية التي حملت السلاح والقنابل وفخخت السيارات أكثر مما حملت المصاحف والتزمت تعاليم القرآن الكريم؛ خرج المصريون جميعًا يغنون للحرية، لقد دفعت "روح مصر" هذا الشعب العظيم، إلى حيث قراره الرائع في 30 يونيو بثورة حماها الجيش وأنقذت البلاد من براثن الشر والتمزق، ثورة فضحت خسة هذه الجماعة؛ فمخطئ من يظن أن هناك فروقًا بين تنظيم داعش وبيت المقدس مثلاً وجماعة الإخوان الإرهابية، والحقيقة أن من يقرأ تاريخ هذه الجماعة يكتشف وبلا أي عناء في التفكير وباستخدام أبسط قواعد المنطق أن "التنظيم السري" المسلح الذي كان الذراع العسكري للجماعة الإرهابية، هو الملهم لكل التنظيمات والجماعات المسلحة التي تظهر ونقرأ عنها حتى الآن بدءًا بالقاعدة في أفغانستان وانتهاءً بـ "بوكوحرام" في نيجيريا.
فمثلما انطلقت الصهيونية من دعوة توراتية كاذبة كانت السبب في تعبئة وحشد اليهود في الشتات وربطهم زعمًا "بأرض الميعاد" والعودة إلى فلسطين لقيام الدولة الصهيونية؛ نشأت جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي في مصر بشعار رفعه أمير شجرة الإرهاب في العالم حسن البنا حين قال: "الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف"، وتحت هذا الشعار أجاز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصّر علي العداء والتحريض على حرب المسلمين، كما يجوز التجسس على أهل الحرب، وأن يتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين، ويقترح مُنظر الإرهاب والسلفية الجهادية سيد قطب للقضاء على الجاهلية لابد من إعادة عملية بعث للإسلام، الإسلام الصافي، إسلام البعثة وإسلام الصحابة، يقول نصًا في هذا الشأن: "لابد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعا، تمضي وهي تزاول نوعًا من العزلة من جانب، ونوعًا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة"، وهي نفس أفكار الكاتب الباكستاني أبو الأعلى المودودي الذي تأثر به، وكان يوصي أتباعه داخل جماعة الشيطان بقراءة ودراسة وفهم كتبه.
أوجه الشبه ونقاط التماس بين الجماعة الإرهابية والصهاينة كثيرة؛ فجماعة الإخوان هم أول تنظيم تكون تحت الأرض مثل الديدان؛ لتنفيذ أهداف قذرة، يعتمدون في ذلك على لي نصوص القرآن وأحداث تحدثت عنها السيرة النبوية؛ لتبرير شرعية التخريب وعمليات الاغتيال والتفجيرات، وهذا ما فعلته العصابات الصهيونية عبر التاريخ متدثرة بالظلام؛ لتدبير المكائد وإشعال الفتن والحرائق والاغتيالات؛ فمع نهاية القرن التاسع عشر شكلت "المنظمة الصهيونية العالمية" عصابة عسكرية هي "الهاجاناه" على أنقاض منظمة "هاشومير"، وأخذت "الهاجاناه" على عاتقها مهمة ممارسة الإرهاب ضد العرب، وأصبحت الذراع العسكرية للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية، الإخوان الإرهابية يحكمهم الأصول العشرين التي وضعها إمام التكفير لكل الجماعات الإرهابية اليوم البنا الساعاتي، وبعد أن صاغها أخذ البيعة عليها، يقابلها بروتوكولات حكماء صهيون وعددها 15 بروتوكولًا، وهي قواعد أو وثيقة تتحدث عن خطة لغزو العالم؛ فما جاء في تعاليم الأصول العشرين للبنا وبرتوكولات حكماء صهيون من نصوص، تجدهما وجهان لعملة واحدة هي نظرية المؤامرة الجاهزة للتطبيق في أي وقت، مثلًا البرتوكول الأول من حكماء صهيون ينص علي: "إن الجمهور البربري وتصرفاته في كل مناسبة على هذا النحو، فما أن يضمن الرعاع الحرية حتى يمسخوها سريعًا إلى الفوضى، والفوضى في ذاتها قمة البربرية، حسبكم فانظروا إلى هذه الحيوانات المخمورة"، وهي دعوة صريحة لا لبس فيها لاستخدام العنف والإرهاب فيبيحون قتل الأطفال والرجال وسبي النساء؛ لظنهم كل من ليس على اعتقادهم حيوان، ذات ما جاء نصًا في تعاليم الإخوان التي هي بمثابة دستور للجماعة، تقول أحد تعاليمهم: "إن وحدة الأرض الإسلامية كوحدة الأمة الإسلامية، لا يجوز أن يقف أمامها حائل، ومن حال دون ذلك فقد أهدر دمه وماله ولو كان مسلمًا"، وهي الفكرة التي كانت تسعى لتحقيقها الجماعة الإرهابية؛ بتوطين واحدة من فروعهم وهي حماس في شمال سيناء لتكون ذراعها العسكري، وهي نفس دعوات الاحتلال الصهيوني التي تنطلق من وقت لآخر بتهجير أهل غزة في سيناء، التي قوبلت برد حاسم وقاطع من الرئيس عبد الفتاح السيسي برفض دعوات التهجير، بل وأجبر الرئيس العالم كله شرقه وغربه على احترام أمن مصر القومي.
نعم، الحقيقة تدركها الحواس قبل العقل؛ وكما قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران: "أيها المراؤون، توقفوا عن الدفاع عن الله، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله".