الشرق الأوسط .. الصدمة الثالثة هل يتحملها الإقتصاد العالمي ؟

مهند عدلى
مهند عدلى

 

كان لإندلاع الحرب الروسية الاوكرانية آثار صعبة علي الاقتصاد العالمي لأسباب متعددة أهمها أن البلدان يشكلان معا ثلث الإنتاج العالمي من الحبوب والمٌصدر الأكبر لها لكافة دول العالم والبديل الأول لسوق الحبوب الأمريكي غالي الثمن ومرتفع التكلفة هذا بالإضافة إلي الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة للعقوبات الأمريكية والأوروبية علي روسيا وفي المقابل عقوبات الأخيرة ضد الدول غير الصديقة مما كان له آثار مضاعفة علي سوق الطاقة العالمي لأن روسيا هي أكبر مٌصدر للنفط من خارج مجموعة منظمة أوبك.

ولم يلبث الاقتصاد العالمي يتحسس طريقه نحو التعافي ليدخل في مرحلة قلقة من الضبابية مع إندلاع النزاع في الشرق الاوسط في السابع من أكتوبر الماضي مع إجتياح حماس المفاجئ لسور غزة ومستوطنات محيطها وأسر مئات من الإسرائيلين وهي الصدمة المفاجئة علي غرار حرب ٦ اكتوبر ١٩٧٣ هذه الفجائية جعلت الإقتصاد الإقليمي والعالمي في حالة عدم إتزان في إنتظار ما ستسفر عنه  تطورات الأحداث .

فهناك تخوفات في حالة إتساع رقعة الصراع بغض النظر عن أسبابها وهو ما يرشحه الكثيرون في ضوء تزايد حدة العمليات وتمركز قوات ضخمة في منطقة شرق المتوسط من حاملات طائرات وغواصات وفرقاطات أمريكية وأوروبية وروسية بالإضافة الي تشابكات القوى الإقليمية بالمنطقة.

وبالنظر الي موقع المنطقة على خريطة قوى الإقتصاد العالمي  تصبح التخوفات من  مستقبل التداعيات الاقتصادية منطقية  فهي المصدر الرئيسي لصادرات النفط تاريخياً وإمدادات الغاز حديثاً وهي ملتقى خطوط نقل الطاقة والتجارة العالمية فهي منطقة شديدة الحساسية إقتصاديا وهناك الكثير من الأمثلة لأحداث جرت في المنطقة في العقود الماضية كان لها آثار كارثية علي الإقتصاد العالمي والتي يخشاها العالم إذا ما إتسعت رقعة الصراع ودخلت إليه أطراف أخرى إقليمية أو دولية ...

وفي محاولة للرصد والتوقع صدرت النشرة الشهرية  لأسعار السلع الأولية من البنك الدولي يوم ٣٠ أكتوبر الماضي (بعد ٢٣ يوم علي بدء الصراع) وتطرقت إلي الموضوع حيث ذكرت أنه على الرغم من أن الإقتصاد العالمي في وضع أفضل بكثير عما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي بما يسمح له بتلقي صدمة كبيرة في أسعار النفط إلا أن صراع الشرق الاوسط بالإضافة إلي إستمرار الإضرابات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا فإنه قد يدفع أسواق السلع الأولية العالمية لحالة من عدم اليقين وربما تصل إلي حد حدوث أزمات ضخمة بارتفاعات متوالية في الأسعار إذا ما تفاقم الصراع وربما تصل إلي حالة عجز عالمي إذا ما إتجهت الدول إلي إتخاذ إجراءات فردية إحترازية بوقف تصدير بعض السلع خاصة مع العجز المتوقع في هذه الحالة في إمدادات الطاقة وبالتالي إرتفاع أسعارها وأسعار كافة السلع الأخرى بالتبعية وهو السيناريو الأسوأ ضمن ثلاث سيناريوهات إفترضها التقرير تأتي إنعكاساً لمستوي التطور السياسي والعسكري للصراع فعليا ...

فإذا إتسع نطاق الحرب لأي سبب فإنها ستكون المرة الأولى التي يتعرض فيها قطاع الطاقة العالمي لأزمتين متتاليتين - الحرب الروسية الأوكرانية ٢٠٢٢ والشرق الأوسط ٢٠٢٣ - كما أنها ستكون الضربة الثالثة المتتالية للإقتصاد العالمي بإضافة تداعيات فيروس كورونا خلال عامي ٢٠٢٠ و ٢٠٢١  وهو مايشكل ضغط هائل قد يؤدي إلي إنهيار النظام الإقتصادي والمالي العالمي  خاصة وأن حالة عدم اليقين المسيطرة علي الأسواق سوف تدفع كبار المستثمرين للجوء للملاذات الآمنة مثل الذهب وسوق السندات الأمريكي بالإضافة إلي تراجع مصادر الدخل الرئيسي للعديد من الدول في قطاعات  حيوية مثل السياحة وزيادة الأعباء التمويلية ومعدلات الإنفاق العام في ضوء إرتفاعات أسعار الغذاء المتوقعة عالميا.

فهل سيصمد النظام العالمي أم أننا أمام مرحلة تشكل لنظام عالمي جديد ؟!

هذا ما ستجيب عليه أحداث الشهور القادمة.