احم احم !

وجهاً لوجه مع الديك الرومى الأمريكى !

هشام مبارك
هشام مبارك

فوجئت منذ أيام قليلة مضت وخلال تواجدى بالولايات المتحدة الأمريكية بثلاثة من أصدقائى الأمريكان يهاتفوني.كل منهم يعزمنى لتناول طعام العشاء معه،وقبل أن أعتذر لهم كعادتى، أكد كل منهم أنه لن يقبل اعتذارى هذه المرة لأنهم يحتفلون بعيد الشكر.

ولكن لأن كلا منهم يدرك أن هذا لن يكون سبباً كافياً لإغرائى بقبول الدعوة، أردف كل منهم قائلاً ما معناه :لا يفوتك الديك الرومى، تعالى لن تندم!.

ومثل أبطال أفلام حسن الإمام وحسام الدين مصطفى،فعلا مثلما يفعل البطل حال سماعه لخبر يحمل مفاجأة من النوع الثقيل، أصبح وجهى مسرحاً للعديد من الانفعالات التى تأرجحت بين الفرح لسماع خير حلو والحزن لأن الخبر اجتر عليه ذكريات عزيزة أخذ يتذكرها فى «فوتومونتاج» أى مشاهد سريعة وقصيرة ومتلاحقة بدون صوت وفى الخلفية موسيقى.

«ياه هو لسه فى حاجة اسمها ديك رومى؟!» هكذا سألت نفسى وأنا استعرض ذكرياتى مع الديك الرومى عندما كانت أمى عليها رحمة الله تقوم بتربيته فوق سطوح البيت.

كانت تطلق عليه «دكر المالطى» أو «المالطية» لو كانت أنثى وأتذكر كيف كان اللون الأحمر يثير هذا الدكر فكنت اتجنب ارتداء أى شىء يمت للأحمر بصلة عندما كانت أمى تكلفنى كالعادة للصعود للسطح ووضع الطعام لـ»دكر المالطى» الذى كان له طعام مخصوص يتناسب مع المكانة المتفردة التى يتمتع بها بين الطيور.

كان للديك الرومى هيبة ومكانة وله صيحة أيضاً متميزة.

ولأنى فعلاً ليس ممن يدعون أن لهم طلبات خاصة فى الأكل عموما ولا فى اللحوم ولا الطيور خاصة، فقد كنت أرى أن طعم الديك الرومى طعم عادى لا يستحق تلك الضجة التى تصاحبه، لذا وعندما سألنى أحد هؤلاء الأصدقاء إمعانا فى إغرائى بقبول عزومته، هيا يا رجل ألم تشتاق لطعم الديك الرومى؟!.
تقمصت دور الطفلة المعجزة فيروز فى فيلم ياسمين عندما قال لها جدها الباشا:أجيبلك شوكولاتة، فردت عليه: معرفش طعمها إيه عشان أقولك حلوة ولا لأ.

ولأن صديقى دانيال كان أكثر إصراراً على العزومة من جاك وريمون فقد وافقت على تلبية دعوته وداعبت الصديقين الآخرين متمنياً ألا يكون أهاليهما من المفاجيع وطالبتهما أن يحتفظ كل منهما لى بقطعة من «التركي» على جنب بحيث لو أعجبنى الطعم فربما تكون فرصة لتناول الديك الرومى معهما فى أيام اخرى وتصبح زيادة الخير خيرين وثلاثة.

لم يكذب دانيال الخبر وأعدت والدته مائدة عامرة بشتى أنواع اللحوم والطيور يتوسطها الديك الرومى الفاخر.الذى يتناول منه الأمريكيون سنويا ما يزيد على ٥٠ مليون ديك بمناسبة عيد الشكر وهو عيد أمريكى يحتفل به الناس هنا كنوع من المناسبات الثقافية ويرجع أصله إلى أوائل القرن السابع عشر عندما هاجر الأوربيون إلى القارة الأمريكية هرباً من اضطهاد الكنيسة الإنجليزية وقد تعرضوا للأهوال ومات منهم الآلاف قبل أن يستقروا فى الشاطئ الشرقى لولاية ماساسوتيس حيث تولى الهنود الحمر إنقاذ ما بقى منهم وشرعوا فى تعليمهم الزراعة وصيد الطيور والأسماك وبعد أن تحول المهاجرون إلى مواطنين أمريكيين قرروا إقامة مأدبة عشاء سنوية وأطلقوا على ذلك عيد الشكر لله على هذه النعم التى من الله بها عليهم.

ومن هذه النعم أن الديك الرومى فى موسم عيد الشكر يكون رخيصاً جداً.

لم أشأ أن أنكد على دانيال واللى خلفوه بتذكيره بمأساة أشقائنا فى غزة بعد أن لمست على الطبيعة تعاطف الشعب الأمريكى مع قضيتنا هذه المرة بعيداً عن سياسة إداراتهم المتعاقبة.