إسرائيل تطلق المتشددين منهم لتهويد الأرض المحتلة منذ 1967

«المستوطنون».. أداة الصهاينة لقتل الفلسطينيين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: حسن حافظ

لا يمر يوم إلا ويرتكب فيه المستوطنون اليهود جريمة جديدة في حق الشعب الفلسطيني، فعلى مسمع ومرأى العالم تتم عملية ابتلاع الأراضي العربية فى الضفة الغربية، إذ تنشط الحركة الاستيطانية بهدف تهويد الأرض العربية وجعل فكرة إقامة الدولة الفلسطينية على أوضاع ما قبل 5 يونيو 1967، سرابا لا محل له فى أرض الواقع، بعدما أطلقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بلطجية الصهاينة يسرقون الأرض، ويرتكبون كل الجرائم غير الإنسانية التى تصل لمرتبة جرائم الحرب، تحت حماية ورعاية الدولة الصهيونية، وإذا كانت غزة تتعرض للقصف ومحاولات التهجير بقوة السلاح، فإن الضفة الغربية والقدس الشرقية تتعرض لمحاولة تصفيتها ومسخ هويتها العربية عبر تشجيع الحركة الاستيطانية.

◄ 86 % من مناطق نهر الأردن والبحر الميت تخضع لقانون مجالس المستوطنات

◄ 153 فلسطينيا بينهم 34 طفلا قُتلوا على يد المستوطنين اليهود في 2022

◄ 705 آلاف يهودى يعيشون فى 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية محتلة

◄  43 % من مساحة الضفة الغربية سقطت بيدهم تحت رعاية تل أبيب

بدأت حركة الاستيطان الإسرائيلي بعد هزيمة يونيو 1967، واحتلال العصابات الصهيونية كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن القانون الدولى اعتبر إسرائيل محتلة للأرض الفلسطينية بناء على قرار تقسيم أرض فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب الصادر فى 1948، لذا اعتُبرت إسرائيل قوة احتلال لا يسمح لها بتغيير حقائق الأرض والسكان، لكن الحكومات الصهيونية المتعاقبة لم تلق بالًا للقانون الدولي، وسمحت لليهود بإنشاء مستوطنات داخل الأراضى العربية المحتلة، كخطوة أولى قبل ضمها للدولة الإسرائيلية، إذ يعيش حاليا نحو 575 ألف إسرائيلى في مستوطنات في الضفة الغربية مقابل 2.9 مليون فلسطينى، بينما يقطن 230 ألف مستوطن فى القدس الشرقية مقابل 360 ألف فلسطيني.

ولتضمن تل أبيب نجاح المستوطنين فى أداء مهمتهم، سمحت لهم باستخدام كل أشكال العنف بما فى ذلك القتل ضد الفلسطينيين، وهو ما وثقه تقرير لخبراء أممين صدر فى ديسمبر الماضى، وأكد أن «المستوطنين الإسرائيليين المسلحين والملثمين يهاجمون الفلسطينيين فى منازلهم، ويهاجمون الأطفال وهم فى طريقهم للمدرسة، ويدمرون الممتلكات ويحرقون بساتين الزيتون، ويرهبون مجتمعات بأكملها مع إفلات تام من العقاب»، وأشاروا إلى أن عام 2022، «الأكثر دموية فى هذه المنطقة من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ أن بدأت الأمم المتحدة توثيق الوفيات بشكل منهجى عام 2005»، إذ قُتل ما لا يقل عن 153 فلسطينيا فى الضفة الغربية المحتلة على أيدى القوات الإسرائيلية والمستوطنين من بينهم 34 طفلا، خلال 2022، وأن «هناك أدلة مقلقة على قيام القوات الإسرائيلية فى كثير من الأحيان بتسهيل ودعم والمشاركة فى هجمات المستوطنين، ما يجعل من الصعب التمييز بين المستوطنين الإسرائيليين وعنف الدولة».

ويعد فكر إقامة المستوطنات أساسيا فى فكر الدولة الصهيونية، إذ بدأت الحركة فى الاستيلاء على الأراضى العربية فى النصف الأول من القرن العشرين، واستمرت هذه السياسة بعد إعلان قيام الدولة الإسرائيلية، فتم بناء العديد من المستوطنات داخل الأراضى المحتلة، بما فى ذلك سيناء والجولان وغزة بعد هزيمة 1967، لكن تم تفكيك المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كما تم تفكيك المستوطنات الإسرائيلية داخل غزة عام 2005، عندما قررت تل أبيب الانسحاب من القطاع، لكنها لا تزال تحتفظ بالمستوطنات داخل الجولان السورية المحتلة، وتتصاعد الحركة الاستيطانية غير الشرعية داخل الضفة الغربية والقدس الشرقية، إذ توجد 176 مستوطنة معترفا بها من قبل الدولة الإسرائيلية، فضلا عن عشرات المستوطنات (نحو 186 بؤرة استيطانية) لا يتم الاعتراف بها لتجنيب الدولة الصهيونية الحرج على الصعيد الدولي، إذ يرى معظم دول العالم فى الاستيطان حركة غير شرعية وتمثل خرقا للقانون الدولى.

◄ اقرأ أيضًا | «حل الدولتين».. الطريق لإنهاء الصراع| إسرائيل تخلق واقعا «ديموغرافيا» يقسم فلسطين لدويلات

◄ إدانة أممية
جرائم المستوطنين لم تمر دون ملاحقة دولية، رغم توفير الدعم لهم من قبل الحكومة الإسرائيلية، والغطاء الأمريكى الذى يعرقل التحرك الأممى، لكن رغم ذلك خرجت أصوات من داخل الأمم المتحدة تندد بعربدة المستوطنين، إذ وجهت اللجنة الدولية لتقصى الحقائق بشأن المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى تقريرها لمجلس حقوق الإنسان، فبراير الماضى، اتهامات واضحة للجانب الإسرائيلي ترقي «إلى مستوى جرائم الحرب» التى يمكن للمحكمة الجنائية الدولية النظر فيها بخصوص عمليات بناء المستوطنات، وما تجره عمليات البناء على حقوق وحياة المواطنين الفلسطينيين، وهو يستند هنا على قرار محكمة العدل الدولية الصادر فى 2004، الذى أدان الحركة الاستيطانية لتهديدها حق تقرير المصير للفلسطينيين.

التقرير ذكر حقائق مفزعة، إذ بدأت حركة الاستيطان بعد هزيمة يونيو 1967، التى عملت على بناء 250 مستوطنة، بما سمح بتوطين 8% من الإسرائيليين فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهى الأراضى التى أقرت الأمم المتحدة أنها تابعة لفلسطين منذ قرار التقسيم الأول فى 1948، وأن الحكومة الإسرائيلية عملت على إقصاء الإدارة الفلسطينية من الإشراف على المستوطنات التى أصبحت تخضع لإشراف أمنى وإدارى من قبل مجالس من المستوطنين اليهود الذين يخضعون بدورهم للدولة الإسرائيلية، ما يجعل 86% من مناطق نهر الأردن والبحر الميت تحت نطاق قانون مجالس المستوطنات الإقليمية التى تستغل الموارد الطبيعية فى تلك المناطق وتحرم منها الفلسطينيين.

وكشف التقرير الأممى الوضع المأساوى على الأرض بلغة الأرقام، إذ أثبت أن المساحة المحسوبة على المستوطنات فى نطاقاتها المحاطة بسياج لا تتعدى 3% من مجموع مساحة الضفة الغربية، لكن المساحة الفعلية المخصصة للمستوطنات والمدارة من قبل المجالس الإقليمية للمستوطنات تفوق 43% من مجموع مساحة الضفة. وفيما يتعلق بالمستوطنين فى المنطقة (ج) التى تشكل نحو 61% من مساحة الضفة، فيقدر بحوالى 320 ألفا يعيشون بجانب 150 ألف فلسطينى، وفى القدس الشرقية تم إدخال 200 ألف مستوطن للعيش بجانب حوالى 390 ألف فلسطينى.

ويرصد التقرير كل أشكال التمييز التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية لصالح المستوطنين اليهود، بما فى ذلك التمييز فى مجال حرية التنقل، وفى المجال الاقتصادى والأوضاع الحياتية عموما، إذ تتعمد تل أبيب معاقبة الفلسطينيين بمختلف الوسائل ومنها تقليص حقهم فى المياه، إذ يصل معدل استهلاك الفلسطينى اليومى إلى 75 لترا يوميا، بينما يصل معدل استهلاك المستوطن الإسرائيلى إلى 400 لتر يوميا، كما تطبق إسرائيل نظامين قانونيين مختلفين، أحدهما على المستوطنين الإسرائيليين، والآخر على الفلسطينيين، وفى الوقت الذى تُعرض فيه حوالى 95% من حالات الإجرام التى يتسبب فيها الفلسطينيون على العدالة، تبقى حالات الإجرام التى يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون بدون تحقيق فى أغلب الأحيان.

◄ أمر واقع
وفى أكتوبر 2022، خلص التقرير الأول الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، «إلى وجود أسباب معقولة تدعو للاستنتاج أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بات غير قانونى بموجب القانون الدولى نظرًا لاستمراره وسياسات الحكومة الإسرائيلية للضم بحكم الأمر الواقع»، وفضح التقرير خطوات الحكومة الإسرائيلية للعمل على تعزيز المشروع الاستيطانى وتوسّعه، بما فى ذلك البيانات التى أدلى بها مسئولون إسرائيليون حول النيّة لاستمرار السيطرة الدائمة على الأرض، بما ينتهك القانون الدولي، واستنتجت لجنة التحقيق أنه تقع على إسرائيل، إثر استمرارها باحتلال الأرض بمفعول القوّة، مسئوليّات دولية ولا تزال مسئولة عن انتهاك حقوق الفلسطينيين.

وقالت نافى بيلاى، رئيسة لجنة التحقيق الأممية، بشكل واضح إنه «نتيجة تجاهل القانون الدولى فى إنشاء المستوطنات أو تسهيل إنشائها، ونقل المدنيين الإسرائيليين بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لهذه المستوطنات، مهّدت الحكومات الإسرائيلية المتتالية لوقائع على الأرض لضمان السيطرة الدائمة على الضفّة».

وخصّصت لجنة التحقيق قسمًا كبيرًا من تقريرها لمراجعة تأثير سياسات الاحتلال والضم بحكم الأمر الواقع على حقوق الفلسطينيين، منوّهة بالبيئة القسرية الرامية لإجبار الفلسطينيين على مغادرة منازلهم وتغيير التركيبة الديموغرافية لبعض المناطق، ورصدت وقائع هدم المنازل وتدمير الممتلكات والاستخدام المفرط للقوّة من قبل قوى الأمن والاعتقالات الجماعية، والعنف من قبل المستوطنين.

واستند التقرير على قرار مجلس الأمن رقم (2334)، الصادر فى 23 ديسمبر 2016، وحث صراحة على وضع نهاية للمستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وطالب تل أبيب بالتوقف عن الاستيطان فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وإقرار مبدأ عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات فى الأرض المحتلة منذ يونيو 1967، وهو القرار الذى يعد وثيقة تاريخية فى إدانة المجتمع الدولى للمستوطنات الإسرائيلية والمستوطنين وعدم شرعية أى محاولة للاستيلاء على الأراضى الفلسطينية، كما يثبت ذلك القرار الحق الفلسطينى فى الأرض، ويشكل الإطار القانونى للتحرك على الساحة الدولية لإدانة حركة الاستيطان وعدم شرعنتها.

وبناء على التقرير الأول للجنة الأممية، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2022، قرارًا يقضى بالطلب إلى محكمة العدل الدولية أن تصدر فتوى بشأن الآثار المترتبة على انتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار فتواها حول السؤال التالى: «ما الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها، بما فى ذلك التدابير الرامية لتغيير التكوين الديموغرافى لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها؟»، كما طالبت الأمم المتحد بضرورة منع جميع أعمال العنف والمضايقة والاستفزاز والتحريض التى يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون وجماعات المستوطنين المسلحين، خصوصا ضد المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال».

من جهته، قال عبدالقادر ياسين، المؤرخ والمفكر الفلسطينى، ل«آخرساعة»: إن الحركة الاستيطانية امتداد طبيعى لأعمال العصابات الصهيونية التى ارتكبت المذابح لتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم منذ بداية نشاط الحركة الصهيونية فى الأرض العربية، وما يجرى الآن على الأرض هو محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل عملى عبر الاستيلاء بالقوة المسلحة للمستوطنين على الأراضى العربية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، لضمها للدولة الإسرائيلية، ليظل حلم إقامة الدولة الفلسطينية حبرا على ورق، لأن المستوطنات اخترقت الضفة الغربية وتركتها مهلهلة ومقطعة الأوصال بسبب شبكة المستوطنات.

وأشار إلى أن المخطط واضح للجميع إذ تسعى الحكومة الإسرائيلية لتوفير ظروف طاردة للسكان العرب، مع السماح للمستوطنين اليهود بممارسة كل أشكال العنف والاستفزاز للفلسطينيين من أجل الاستيلاء على الأراضى العربية.