«حل الدولتين».. الطريق لإنهاء الصراع| إسرائيل تخلق واقعا «ديموغرافيا» يقسم فلسطين لدويلات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

■ كتب: هانئ مباشر

على مدار عقود طويلة تبنت مصر ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية، تضمن حق الفلسطينيين المشروع فى إقامة دولة مستقلة، ومن أجل ذلك قامت الدولة المصرية بجهود متعددة المستويات والأبعاد، لخدمة ملفات القضية، للوصول إلى الهدف النهائى هو إقرار تسوية عادلة للصراع «الإسرائيلى - الفلسطيني» من خلال مبدأ حل الدولتين على حدود 1967، على أن تكون عاصمة فلسطين هى «القدس الشرقية»، والموقف المصرى ليس وليد اللحظة، فلدى مصر دور تاريخى تجاه القضية الفلسطينية، نجحت فيه على مدار السنوات فى وقف إطلاق النار وإعادة الهدوء الأمنى فى جميع الحروب الإسرائيلية الخمسة فى قطاع غزة (2008، 2012، 2014، 2021، 2022).. حيث تنظر مصر للقضية ليس باعتبارها دائرة من دوائر سياساتها الخارجية فحسب، بل قضية تدخل فى حسابات أمنها القومى المباشر.

■ الموف: إسرائيل ، البيج: فلسطين ، البمبه: منطقة دولية

◄ الحل لن يتحقق على حساب أطراف أخرى

◄ فرصة أخيرة لاتحاد القيادات والقوى الفلسطينية

وما لا يعرفه الكثيرون أن «حل الدولتين»، هو حل اقترحه «المفكر السياسى الأمريكي.. نعوم تشومسكى»، مباشرة بعد هزيمة العرب فى حرب 67، وعلى الرغم من كثرة تداول مصطلح «حل الدولتين» فى أثناء الحديث عن «الصراع العربى - الإسرائيلي»، فإن المقصود بهذا «الحل» قد يغيب عن الكثيرين.. فما المقصود بحل الدولتين؟!.. وما الصيغة التى يمكن تطبيقه بها؟!.. ولماذا يرفضه الفلسطينيون والإسرائيليون معاً؟!، إن رؤية «حل الدولتين» تقوم على مبدأ وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنبا إلى جنب بسلام، على أن تقزم دولة فلسطينية ضمن الحدود التى رسمت فى أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية فى 1967 والتى تم حينها رسم الخط الأخضر الذى يحدد الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التى يطالب الفلسطينيون بها عاصمة لدولتهم.

وفى 1988، أصدر الزعيم الفلسطينى الراحل، ياسر عرفات، إعلان الاستقلال الذى تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، معترفاً بذلك بدولة إسرائيل وبسيادتها على 78% من فلسطين التاريخية، ويحظى هذا الاعتراف بتأييد مُنظمة التحرير الفلسطينية التى تضم كافة الفصائل والأحزاب الفلسطينية ما عدا حركتى حماس والجهاد الإسلامى التى لا تعترف بإسرائيل، وبحل الدولتين وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضى فلسطين التاريخية، ومنذ 1947 تبنت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين مذيلا بخرائط تحدد حدود الدولتين، فى حين شكلت القدس كيانا ثالثا تحت إشراف دولي، ووقتها رفض القادة العرب هذا المقترح، وفى 2003 قدمت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط والتى تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة خارطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول 2005 مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان اليهودى فى الأراضى الفلسطينية.

◄ حل الدولتين
الدكتورة دلال محمود السيد، الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قالت إن «حل الدولتين»، الذى يقضى بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والذى ظل أساسا لأى تفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين منذ أوسلو 1993، مازال يمثل الحل الممكن لإنهاء الصراع، لكن هناك عقبات كبيرة أمام هذا الحل، تبدأ من تعنت إسرائيل فى أى تسوية، وإعلانها لمبدأ يهودية الدولة عام 2018، كما أن توسعها فى بناء المستوطنات فى الضفة الغربية وفى غلاف غزة يقف حائلا أمام أى تصور لدولة فلسطينية، وأخيرا انقسام الفلسطينيين أنفسهم منذ 2007، وتسبب هذا الموقف فى تراجع الاهتمام الدولى بتسوية القضية الفلسطينية؛ إلى أن أحيت عملية طوفان الأقصى القضية من جديد لتؤكد أنها قضية القضايا، خاصة أن إسرائيل تعمل على إحلال واقع جديد وتستقطع مناطق من شمال القطاع، وتريد أن توجد واقعا ديموغرافيا جديدا بتهجير سكان القطاع قسريا، لدولة أو لعدة دول إن أمكنها، وإزاء هذا الوضع المتأزم فى قطاع غزة، وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق كامل أهدافها. ومع انتهاء تصور دولة فلسطينية على الحدود السابق الإشارة إليها؛ طرحت مصر رؤية جديدة للخروج من هذا المأزق من خلال الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية وفرض واقع جديد، حيث قال الرئيس عبد الفتاح السيسى إن الدولة الفلسطينية المستقبلية يمكن أن تكون منزوعة السلاح مع تواجد قوات أمن دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لها ولإسرائيل.

أضافت: «أعتقد أنه لن تقبل إسرائيل بأى حال من الأحوال بمثل هذه الدولة الفلسطينية؛ حتى وإن كانت منزوعة السلاح، لأن هذا الحل يضيف السيادة للدولة الفلسطينية وبالتالى يمكنها إدارة اقتصادها بشكل مستقل، وهذا يعطى الفلسطينيين قدرا من الاستقلال عن الارتباط الاقتصادى بإسرائيل، ولا يوجد ما يضمن اتجاه الدولة الفلسطينية المحتملة لزيادة قدراتها العسكرية تدريجيا وسريا؛ وإذا تدخلت إسرائيل حينها سيكون «عدوان» على دولة ذات سيادة، كما لن توافق الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية سواء منزوعة السلاح أم لا فى الوقت الراهن، لانحيازهم الكامل مع إسرائيل ولأن هذا سيفرض عليهم إدانة أى فعل عسكرى لإسرائيل تجاه الفلسطينيين لاحقا».

وأوضحت أنه رغم أن الوقت الراهن يدفع لتوحيد الفلسطينيين تحت قيادة السلطة الفلسطينية، ألا أن حماس زادت شعبيتها كحركة مقاومة ضد احتلال إسرائيل، واستطاعت أن تحقق نتائج إيجابية فى هذا الصدد، ومن ثم يصعب استبعادها تماما من المشهد الفلسطيني، ولا يظهر تصور محدد لماهية السلطة الفلسطينية وتشكيلها التى يمكن أن تمثل نظام الحكم فى الدولة الفلسطينية المنشودة، لقد كان للحرب التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة وذلك بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من الشهر الماضى تداعيات كبيرة على المستوى الدولى ، تلك الحرب التى ارتكبت فيها إسرائيل جرائم إبادة للمدنيين العزل وجرائم حرب بخلاف تدمير البنية التحتية لقطاع غزة.

◄ اقرأ أيضًا | تصور مصري لدولة فلسطينية مستقلة يتجاوز المخططات الشيطانية لإسرائيل

◄ ضرورة!
الدكتور صلاح الطحاوى، أستاذ القانون الدولى بجامعة حلوان، قال إن بعد هذه الحرب الشعواء ومحاولات إسرائيل المرة تلو الأخرى تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء وهو الذى رفضته القيادة السياسية فى مصر على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي من أنه لا تصفية للقضية الفلسطينية على حساب مصر وأن سيناء خط أحمر وأن الحل السياسى هو السبيل الوحيد للقضية الفلسطينية وهذا لا يتأتى إلا بحل الدولتين، بل بات من المؤكد ضرورة حل الدولتين وذلك على ضوء قرارات مجلس الأمن ذات الصلة رقمى 242 / 338 الصادرين من مجلس الأمن الدولى والذى يتضمن القرار الأول ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها عام 1967 والتأكيد على هذا القرار فى القرار رقم 338 والصادر بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، لذا فلقد بات من الأهمية بمكان تفعيل هذين القرارين وذلك لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هذا والبيّن أن إسرائيل لن تقبل فى البداية هذا الحل إلا من خلال سياسة المقاطعة لها سواء من الدول العربيه وكذا من كثير من دول العالم خاصة وأن إسرائيل لا تحترم قرارات الأمم المتحدة.

◄ قلب الصراع
أما الدكتور جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية، العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السويس، فيقول إن رؤية مصر إزاء القضية الفلسطينية ثابتة حيث تتبناها منذ تأجج الصراع العربى الإسرائيلى حتى يومنا هذا فى ظل التطورات المختلفة بالقضية، ولقد كانت ومازالت مصر الطرف الأساسى فى كل هذه التطورات، وكانت الحاضنة السياسية والحاضنة الدبلوماسية والإنسانية لفلسطين، والمبدأ الأساسى الذى استقرت عليه الدبلوماسية المصرية أو السياسة المصرية هو حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو عام 1967 بحيث تكون لفلسطين دولة عاصمتها «القدس الشرقية»، مضيفًا أن مصر فى قلب الصراع العربى الإسرائيلى ولم تخرج من دائرة هذا الصراع منذ تأججه حتى يومنا هذا، ومصر هى الداعم الأول وفى ساحة المواجهة الأولى مع إسرائيل فى الصراع العربي، وذلك بداية من حرب 1948.

ويرى سلامة، أن حل مشكلة القضية الفلسطينية لن يتحقق على حساب أطراف أخرى، إن الحروب التى خاضتها مصر السبب الأول والأساسى فيها هى فلسطين، ومازالت فى قلب الوجدان المصري، وفى ظل التهديدات الكثيرة الإسرائيلية لقطاع غزة، فإن الموقف المصرى واضح بصورة كبيرة، حيث تسعى مصر إلى حل الدولتين بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسى على هذه الفكرة فى الكثير من اللقاءات الرسمية الدولية على فكرة أمن الدولتين وأن التهجير القسرى للشعب الفلسطينى لن يحل هذه القضية، كما أكد الرئيس أن حل الدولتين هو القرار الأمثل لفض هذا الصراع، لافتًا إلى أن إسرائيل تعتمد حاليًا على التأييد الأعمى الدولى لها، حيث هناك تحيز أوروبى واضح لإسرائيل، لذا بسبب هذا الدعم استطاعت إسرائيل السيطرة على 80% من فلسطين التاريخية، وتحرير هذه المساحة الكبيرة بحاجة إلى معجزة ووحدة عربية وتأييد دولى أيضًا يعترف بالحق الفلسطينى فى الأرض، مضيفًا أن إسرائيل دولة عدوانية تتميز بالمماطلة، وعقاب هذه الدولة سيكون من خلال تنفيذ قرار حل الدولتين.

◄ البدائل الأخرى
لكن ما هى البدائل لهذا الحل ـ أى حل الدولتين - فى ظل وجود ائتلاف حكومى فى إسرائيل يهيمن عليه اليمين القومى المتشدد ودعاة توسيع الاستيطان المنادين بضم الضفة الغربية المحتلة، بل إن الأقل تشددا فيهم يشترط لقيام دولة فلسطينية اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودى لدولة إسرائيل وهو ما يرفضونه، وفى المقابل وجود فصائل فلسطينية ترفض الفكرة من الأساس، ففى إسرائيل هناك مجموعة تؤيد فكرة إقامة دولة واحدة ثنائية القومية، يتساوى فيها الفلسطينيون والإسرائيليون أمام القانون، لكن هذا الخيار لا يقدم حلا للمسألة الديموغرافية ولاختيار رئيس من هذه المجموعة أو تلك، فى حين تنادى أصوات عديدة «الغالبية» بالحفاظ على الطابع اليهودى لدولة إسرائيل.

من جهته، يرى اللواء الدكتور نصر سالم، أُستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، أن فكرة «حل الدولتين» يصعب تنفيذها حاليًا وفق مُعطيات كثيرة، حيث يجب أن يسبقها تمهيد الأوضاع على الأرض، لكن البدء فيها مطلوب وضرورى على المستوى السياسي، لافتًا إلى أن «الأيديولــوجيــة الصهيونية» بطبيعتها، تتعارض مع مفهوم حل الدولتين لأنها تدور بشكل أساسى حول فكرة الدولة اليهودية على أرض إسرائيل التاريخية.. وفكرة دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تضرب فى العمق الأسس التى قامت عليها إسرائيل، لذلك فإن التعويل كثيرا على رضوخ إسرائيل عبر الحوار السياسى إلى حل الدولتين قد لا يكون واقعيا فى الوقت الحالى على الأقل، فالأيديولوجية الصهيونية، رغم التحديات ورغم المأزق السياسى الذى تمر به والذى تأزم خلال الحرب الحالية على غزة، مازالت تؤمن إيمانا قاطعا بفكرة الدولة اليهودية من البحر إلى النهر، والتوسع المستمر والجنونى فى بناء المستوطنات الإسرائيلية والوحشية التى رأيناها فى حرب إسرائيل مع غزة لا يعطى أى مؤشر ولو ضئيلا أن إسرائيل يمكن أن تذهب فى المدى القريب أو المتوسط لخيار الدولتين، فما أكثر الندوب التى تنذر بحروب قريبة قادمة.

أضاف، أنه فى المقابل فإن «الدولة الفلسطينية» معترف بها فى الأمم المتحدة بالفعل، والشرط الأساسى لتنفيذ «حل الدولتين» هو «وحدة الشعب الفلسطيني»، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض الواقع، كحل جذرى للقضية الفلسطينية بصفة عامة، وإذا لم يتوحد الفلسطينيون ويتبنوا رؤية جديدة ووضع الخطط اللازمة لتحقيقها، وإذا لم تتحد قياداتهم وقواهم فإن البديل ثمنه باهظ.