«الصياد والبحر».. قصة قصيرة للكاتب محمد محمود غدية

محمد محمود غدية
محمد محمود غدية

ألقى صنارته فى النهر، بعد تأكده من وجود الطعم بها، جلس يتأمل النهر فى هدوء تام وسكون، المخلاة جواره فارغة فى انتظار الصيد الوفير، من أسماك البوري والبلطي وما يجود به النهر، تحسبه للوهلة الأولى صياد ماهر، دون أن تدرك أنها المرة الأولى، التي أشار عليه بها أحد الأصدقاء بعد فشله في زحزحة الهم ومحاولة لتطهير الروح من العفن العالق بها، الصنارة لا تحتال عليه بالكذب فهي تارة تأتيه فارغة، وفي أخرى تأتيه بالخير، وحدها الطبيعة تزهو وتزهر بعد العواصف، بينما يتهدم الإنسان ويسقط.

أشرقت الشمس من وراء السحب، وبادلت الصياد الضياء والابتسام، لا يدري هو من اختار النهر أم النهر الذى اختاره ليسمع حكاياته، ويمنحه الحب الذى افتقده، لا يرى غير جفاف الأشياء حوله، حكاياته شتائية الطقوس لا يعتذر عنها، الألم بداخله له ضجيج يطحن عظام الصمت، يحكى عن امرأة تسير فى بهو الروح، يرتاح على أعتاب أهدابها، تعيش الطيور على مطر ابتسامتها، في عينيها قدرة مدهشة في التأثير على محدثها، ومحاصرته وتهيئته للتسليم بما تريد، تريد الحب دون انتقاص.

خرجت من صدره آه مجروحة، ارتعد لها النهر، يكمل الحكاية، بينما يعبران الطريق تحت الشمس التي مست شغاف قلبهما، انكسر الحلم مثل زهرة هجرها المطر وندى الصبح، أضحى كل من هما مدينة غابرة، تسكنها الأشباح.

أمسك به الليل الضوء في عينيه شحيحا كمخلاته الفارغة، تستفيق روحه من غشاوة الرؤى وتسري نسمة خفيفة تتسلل إلى رئتيه، حين أبصر كف النهر الممتدة نحوه، مثل يد أم حنون بولدها، لأول مرة يرى الليل رائقا وشفافا وصافيا، يشرب أشعة القمر ويرتوي بالضوء، طارحا على كتفيه الصنارة ومخلاته الفارغة، مودعا النهر بعد رواء شجر روحه، وتخفف أحماله التي حملها عنه النهر.