يوميات الاخبار

من قلب تل أبيب.. «تحيا مصر» !!

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

الموقف المصرى  أشبه بأوركسترا تعزف لحنًا وطنيًا رائعًا، وما كان لها أن تقدم هذا اللحن المتناغم لولا وجود قائد للأوركسترا قوى حكيم متمكن من أدوات فريقه

عبر القناة الـ 13 الإسرائيلية الشهيرة، أطل الضيف اليهودى محللًا -من وجهة نظره- لأحداث غزة واتفاق الهدنة الأخيرة، وبنبرة حزينة، وبكلمات بدأت هادئة ثم انقلبت ساخرة، وتطورت لسب وقذف بألفاظ نابية ضد نتنياهو وحكومته وجيشه على طريقة «تبا لك» بترجمة الألفاظ الخارجة بالأفلام الأجنبية، ليختتمها قائلًا «يكفى إسرائيل ذلًا أننا ننتظر مصر لتعيد إلينا أسرانا، وأن نتابع الإعلام المصرى نستقى منه المعلومات الحقيقية الموثقة.


هذا المشهد يلخص مواقف عديدة بالأزمة غير المسبوقة والعدوان الهمجى الوحشى على قطاع غزة، وإذا ضممنا له مشهدًا مزدوجًا آخر، ستكون الصورة أكثر وضوحًا، مشهد قادة إسرائيل و قادة حماس وكل منهما يعرض اتفاق الهدنة باعتباره نصرًا له، وهنا الوقفة المهمة والواقعية فلا منتصر أو مهزوم بين حماس وإسرائيل رغم مرور 50 يومًا قتال بدءًا من أحداث 7 أكتوبر القوية والجريئة، وما تلاها من عنف وإجرام ووحشية إسرائيلية راح ضحيتها أبرياء غزة خاصة الأطفال والنساء، و بحيادية وتجرد نؤكد أن الفائز الأكبر الآن هى مصر، بثوابتها ونبلها وثقلها وشعبها البطل ومؤسساتها الوطنية، وقائدها الحكيم الصلب فى حب وطنه.
أما لماذا لم تنتصر حماس ولا إسرائيل وانتصرت مصر، سنحاول الإجابة على هذا السؤال أيضًا بواقعية وتجرد رغم كره الكارهين وتشكيكهم فى كل قولة حق ولمعة حقيقة.
تعادل النتائج وبشاعة المواقف
بداية حديثنا منصب على الأحداث الأخيرة فقط لذلك قلنا حماس وإسرائيل، وليس فلسطين وإسرائيل باعتبار طرفى الأزمة والمعادلة الحالية المعقدة، ثانيًا فإنه وليس بحكم أخوة الدم والعروبة ننحاز لفلسطين، لكن بحكم الإنسانية التى تلفظ المعتدى المغتصب الوحشى، وتحاول النصرة للضحية المظلوم ظلمًا غير مسبوق بالتاريخ الحديث، وأخيرًا وإن كنا نشجب القتل والدمار بدعاوى زائفة للدفاع عن النفس، ومع رفضنا قتل المدنيين، لكننا لن نستطيع ان نسلب شعبًا محتلًا مقهورًا حقه فى مقاومة جنود الاحتلال بكل أشكال المقاومة التى تمكنه من استعادة أرضه.


ثم لنقف على أعتاب أزمة غزة ميدانيا لنجد ما ذكرناه أنه لا منتصر ولا مهزوم بين إسرائيل وحماس، فإذا قلنا أن حماس حققت نصرًا ميدانيًا يوم 7 أكتوبر، لكننا نلمس نتيجته خسائر غير مسبوقة بأرواح الغزاوية الأبرياء، مع تهدم كامل للبنية التحتية بالقطاع، وهجرة جماعية لمواطنيه من شمال القطاع لجنوبه انتظارًا لما هو آت.
وإسرائيل ليست أفضل حالًا، فرغم العدوان البربرى غير المسبوق، ورغم الدمار بغزة فهناك أوضاع مشابهة لدى الإسرائيليين، قتلى ومصابون وخسائر عسكرية غير مسبوقة فى الصراع مع حماس، وهجرة داخلية تخطت 250 ألف إسرائيلى، ورغم بعض النجاحات التكتيكية للعدوان الإسرائيلى لكنه لا يوجد نصر استراتيجي واحدا، لم تقتل قيادة حساويه ثقيلة، ولم تدمر نفقًا أو موقعًا استراتيجيًا لحماس، ولم يفلح العدوان بكل إجرامه فى إطلاق سراح أسير واحد من المحتجزين لدى حماس!!
من تل أبيب،  تحيا مصر
أسترجع المداخلة التى ذكرتها بالقناة 13 الإسرائيلية، امتدادًا للنجاح والذكاء المصرى المتكامل والذى كان الإعلام جزءًا منه، القناة كانت تنقل خلالها بثًا مباشرًا لمغادرة الأسرى الإسرائيليين معبر رفح، وبالطبع كانت تنقل من القاهرة الإخبارية المشهد كاملًا، لتتحول التغطية إلى سى بى سى إكسترا والتى يكتب تحت اللوجو الخاص بها «تحيا مصر»!! حتى لو مصادفة، لكنها لقطة عبقرية.
فكل ما حدث خلال تلك الأزمة وحتى قبل اندلاعها وصولًا لاتفاق الهدنة يجعلنا نصرخ عاليًا «تحيا مصر»، وأذكر ما حاولته إسرائيل الوقيعة بين مصر وأشقائها عندما ذكرت أن مصر حذرتهم مسبقًا من يوم 7 أكتوبر، والحقيقة أن مصر حذرت الجميع من خطورة الأوضاع، حذرت تل أبيب كثيرًا أن جمود عملية السلام والتضييق على الفلسطينيين سيؤدى لانفجار الأوضاع، وهو ما حدث يوم 7 أكتوبر، والذى تؤكد كافة المعلومات انه لم يكن يعلم به أية قوى، حتى قيادات حماس بالخارج، وحذرت مصر كذلك الأشقاء الفلسطينيين من تبعات التمييز والانقسامات الداخلية الذى يضعف موقفهم، وحدث ما توقعته وحذرت منه مصر بخبرتها.
وفور اندلاع الأحداث ورغم سخونتها حددت مصر ثوابتها الثلاث بالأزمة وهى :- لا تهجير - ضرورة تدفق المساعدات-العودة لمفاوضات السلام، ونجحت مصر وبقوة فى الأولى والثانية، وتبذل جهودها لتنفيذ الثالثة وكل الشواهد تؤكد أنها ستنجح فى تحقيقها بنفس الكفاءة.
لماذا انتصرت مصر؟!
وعندما نقول إن مصر هى من انتصرت بأحداث غزة، فهذا ليس من قبيل التفاخر والانتماء لأم الدنيا، إنما بوقائع وأحداث على الأرض تقوى ثقتنا فى وطننا ومكانته إقليميًا ودوليًا، ونبدأ من النهاية، اتفاق الهدنة الأخير وإذا عرجنا منه بالذاكرة وحتى قبل الأزمة،الجميع لم يقف عن رؤية مصر وتحليلها للأحداث ومقترحاتها للحلول، فكان ما كان بغزة، نفس الشىء على المستوى الدولى، بداية الأزمة كان العالم يتحدث لغة مخالفة للغة مصر، الجميع يضغط لتنفيذ رؤية تل أبيب لتهجير سكان غزة إلى مصر «إيه المشكلة، أشقاء زى ملايين عندكوا وهنوفر لكم كل الإمكانيات لاستضافتهم» هكذا كان موقف معظم الدول، وتمسكت مصر برفضها التهجير شارحة وجهة نظرها تارة، محذرة من تبعاته على الجميع -خاصة أوروبا- تارة أخرى، ملوحة بمواقف وقرارات، ومن يريد أن يعرف نتيجة الموقف المصرى يراجع كلمات عديدة للرئيس الأمريكى منذ فترة «يشكر مصر ويؤكد رفضه للتهجير» نفس تصريحات قادة أوروبا والعالم، إذن النجاح المصرى دوليًا ومدويًا.
انتصرت مصر عندما نجحت فى فرض اتفاق الهدنة رغم المعوقات التى كانت تجعله مستحيلًا لكنه أصبح ممكنًا بفضل مصر وحكمة قيادتها ورجالها، وانتصرت عندما أصبحت الدولة الوحيدة التى يشكرها الجميع ويحج لقصر اتحاديتها طالبًا الرأى والمشورة والحكمة والقرار القويم.
انتصرت مصر عندما نجحت بمكانتها ونضجها وقوة ونبل قيادتها أن تعيد صياغة علاقاتها إقليميًا سواء مع الأشقاء أو الأصدقاء، وكل هذا يتم طبقًا لوجهة نظر مصر لأنها عين الصواب والحكمة والمكانة.
الأسئلة الحائرة، والمهمة!!
وفى أحداث غزة، واستمرارًا لقوة ونجاح الدور المصرى، أنه تم بهدوء شديد دون متاجرة لا تجيدها مصر بالمواقف، وكم من مواقف قوية للغاية رفضت مصر الإفصاح عنها كعادتها، محتملة هجومًا من القريب المغرض قبل البعيد المتربص، دون ان تشفى غليل شعبها بالحقيقة لأنها كبيرة والكبير لا يتاجر بفضائله، لكن تبقى بعض التساؤلات التى لو بحثنا عن إجابتها لشعرنا بوطننا وصرخنا تحيا مصر.
تتذكرون بعض الهجمات الخطأ على حدودنا بداية الأزمة، هل تكررت تلك الأخطاء؟، إن عدم تكرارها يجب أن نضع أسفله «خطًا أحمر» !!
بعض السفلة الذين يتحدثون عن تسييرات اقتصادية غربية لمصر ملمحين بأنها ضمن صفقة سرية للتهجير، أى هبل بعد هذا، لكن هل يمكن لبعض عقلائنا توضيح أسباب تلك المساعدات وهل لها علاقة بمواقف مصرية قوية يحاول بعدها الغرب وبشدة التودد لمصر وقيادتها وجيشها؟!!
لماذا ترفض مصر التهجير بهذه القوة ؟ أشمل وأوفى إجابة شرح الرئيس السيسى للسبب فى احتفالية استاد القاهرة الخميس الماضى ولن أزيد عليها.
ويبقى السؤال الأخير والأهم، هل نجاح الدور المصرى بتلك الأزمة محليًا وعالميًا له علاقة بالتحديث الذى طال تسليح جيشها فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى؟!
البطل الحقيقى والجنود المجهولون
إن نجاح الموقف المصرى ليس وليد اللحظة ولا الصدفة، فمصر لها ثوابتها الراسخة منذ عقود تجاه القضية الفلسطينية، لكن تعاملها تلك المرة كان مختلفًا مع الحفاظ على تلك الثوابت، وهو موضوع يطول شرحه لاحقًا، لكنه موقف جاء أشبه بلوحة وطنية رائعة الإبداع، البطل الحقيقى فيها الشعب الذى أكد تحمله أية تبعات بطولة وقوة مواقف قيادته، ووثق فيها والتف حولها، بعده تأتى كافة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها بالطبع قواتنا المسلحة الباسلة والقوية التى لولاها لما عمل الجميع حسابًا للمواقف المصرية، وهناك صقور مصر ونسورها المحلقين عاليا حماية للوطن والمواطنين، وكل هذا جاء أشبه بأوركسترا تعزف لحنًا وطنيًا رائعًا، وما كان لتلك الأوركسترا أن تقدم هذا اللحن الوطنى الرائع المتناغم لولا وجود قائد للأوركسترا قوى حكيم متمكن من أدوات فريقه، ويثق فيه كل من خلفه يلتفون حوله ناظرين لإشارته التى تهدف لنجاح كل الفريق، وفعلًا قد نجح.
المتحدة، عاش!!
إذا كان المحلل الإسرائيلى وكلامه للقناة ال 13 الإسرائيلية قد ربط نجاح مصر فى تحرير رهائنهم، بنجاح إعلامها فى فرض كلمته وأن يصبح وبحق المصدر الأول والحقيقى والموثوق للخبر، فهنا وللمرة المليون نشيد بمنظومة إعلامية قوية اسمها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتى يعود إليها الفضل فى هذا النجاح الكبير، المتحدة يا سادة بكافة مكوناتها لم تنجح فقط فى فرض كلمة إعلامنا خلال تلك الإحداث، إنما إعادة رسم الإعلام المصرى ليعود رائدًا قائدًا قويًا إقليميًا ودوليًا، كلام كثير يقال فى هذا المجال لا تسعه تلك اليوميات، لكن وببساطة شديدة وكما هناك نجوم أمام الكاميرات والميكرفونات وحملة الأقلام، هناك جيش من الجنود المجهولين خلف كل هؤلاء صنعوا معا هذا النجاح ليعود لإعلامنا بهجته وقوته وبريقه الذى نثق انه لن يخبو مرة ثانية أبدًا طالما كانت هناك تلك المنظومة الناجحة المتميزة، فشكرًا المتحدة وعاش رجالها!!