الحد الفاصل

د . محمد محمد زيادة يكتب: البيئة والاستثمار

د . محمد محمد زيادة
د . محمد محمد زيادة

لا يخفى على منصف ما أنجزته مصرُ بقيادتها السياسية في ملف التنمية المستدامة؛ بدءًا ببرنامج الإصلاح الاقتصاديّ، ودعم ملف الأمن الغذائيّ، مرورًا بتنفيذ الإجراءات التحفيزية العديدة، التي ساعدتْ علَى إنجاز مشروعات قومية عملاقة، وصولًا إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

إلا إنَّ هذه الإجراءات التحفيزية قد عاقتْها بعضُ العوائق، التي تحتاج للتغلب عليها أنْ تبذل الحكومةُ مزيدًا من الجهد لاستكمال ذلك النهج الذي تتبعه القيادةُ السياسيةُ، وغاية هذا النهج القضاء على البيروقراطية، وإعلاء مصلحة الوطن؛ ولذا فإنَّ رغبةَ بعض الجهات -غير المبرَّرة- في التمسك ببعضٍ مِن اختصاصاتها، التي انتُزِعَتْ منها بموجب القوانين المنظِّمة؛ تخلق حالةَ من الازدواجيةٍ غير المرغوبة!

قانون تيسير الإجراءات مثالًا

وقد يكون من أبرز الأمثلة على ذلك، هو ما آل إليه "قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية، رقم (15) لسنة 2017"، الذي جعل حَقَّ متابعة الشأن البيئيّ -تيسيرًا علَى المستثمرينَ- مقصورًا علَى الهيئة العامة للتنمية الصناعية في المنشآت الصناعية كلها، باعتبارها الجهةَ الأكثر درايةً بفنيات كل صناعة، ولمعرفتها بالآلية المُثْلَى لتطبيق الاشتراطات البيئية بما لا يضر بالصناعة والاستثمار.

وبالفعل تقوم الهيئة العامة للتنمية الصناعية بهذا الدور من خلال إدارة حماية البيئة داخل الهيئة، تلك الإدارة المتخصصة في الشأن البيئيّ المتعلق بالمنشآت الصناعية، سواء بمراجعة الدراسات البيئية المقدمة من المستثمرين، أم بمتابعة تطبيقها في أرض الواقع، من خلال ما تقوم به من تفتيشات دورية وغير دورية على هذه المنشآت، غير أنَّ وزارةَ البيئة ترفضُ -عمليًّا- تطبيقَ هذا القانون في أرض الواقع؛ وهذا يتسبب في خضوع المشروعات الاستثمارية لتوجيهات بيئية كثيرة، ومتفرقة بين جهات متعددة؛ فوزارة البيئة تارةً، والتنمية الصناعية تارةً أخرى، فضلًا عن المحافظة التابع لها النشاط، ولن يمنع ذلك المحليات بأنْ تدلو بدلوها هي الأخرى؛ مما يُربِكُ المناخَ الاستثماريَّ، ويكلف الدولة المصرية نفقات -مباشرة وغير مباشرة- هائلة.

ومِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ جانبًا كبيرًا من هذه الازدواجية قد تم تلافيه في مراحل استصدار الرخصة الذهبية، غير أنَّ الإجراءات البيئية ظلتْ عائقًا أكثرَ صعوبةً حتى في هذه الحالة.

الأهداف الثلاثة لوزارة البيئة بين الواقع والقانون

ولو تفحصنا دورَ وزارة البيئة الرسميّ لوجدنا أنَّ له ثلاثة أهداف رئيسية -وَفْقًا لموقعها الرسميّ والقوانين المنظِّمة- أولها: التخطيط، ورسم السياسات المحلية، ومتابعتها للحفاظ علَى البيئة. وثانيها: دعم العَلاقات البيئية الدولية. وآخرها: التوصية باتخاذ الإجراءات اللازمة؛ للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية.

ومما يلفت الانتباه، ذلك التداخل الملحوظ بين جميع أهداف وزارة البيئة وأهداف بعض الوزارات الأخرى، تلك الوزارات التي نجحتْ في تحقيق إنجازات ملموسة في ملف التنمية المستدامة عبْرَ الأعوام الماضية؛ ففيما يخص التخطيط على الصعيد المحليّ فإنَّ رسمَ السياسة العامة، وإعدادَ الخطط اللازمة للحفاظ علَى البيئة، وتنميتها ومتابعة تنفيذها بالتنسيق مع الجهات الإدارية المختصة؛ هو ما يمكن أنْ يُنَفَّذَ -بكل سهولة- عن طريق وزارة التخطيط، خاصةً أنها تقوم -حاليًّا- بالدور الأكبر في ملف التنمية المستدامة.

وفيما يخص الرقابة والتشغيل والمتابعة لتطبيق الاشتراطات البيئية، فهو ما تقوم به -حاليًّا- جهاتٌ إداريةٌ عديدةٌ أخرى في أرض الواقع، كإدارات البيئة التابعة للمحافظات، أو إدارة حماية البيئة التابعة للهيئة العامة للتنمية الصناعية، وغيرها.

وزارة "الدولة لشئون" البيئة

لذا، يُعَدُّ إسناد بعض مهامِّ وزارة البيئة إلى الوزارات الأكثر تخصصًا أمرًا جديرًا بالدراسة؛ لما يحققه للدولة من تعزيز للكفاءة الإدارية، وتحسين لعملية التنسيق، وتخفيض للنفقات، وحفاظ حقيقيّ علَى البيئة، فضلًا عما يحققه من تيسير في الإجراءات، وجذب للمزيد من الاستثمارات، مع عودة وزارة البيئة إلى "وزارة دولة لشئون البيئة" -وزارة دون حقيبة- لتمارس دورها الأساسيّ في دعم العَلاقات البيئية بين جمهورية مصر العربية والدول والمنظَّمات الدولية والإقليمية، كما يمكن أنْ يكون هناك دورٌ لوزارةِ التعاون الدوليّ معها في هذا الشأن، خاصةً بعد ما حققته وزارة التعاون الدوليّ مِن إنجازات فعلية في ملف التنمية المستدامة عبْرَ الأعوام الأخيرة.