«أحباء تحت الركام في غزة».. قصص تبوأت الأمل مكانًا في ظُلمة الدمار 

دمار القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة
دمار القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة

في قطاع غزة، تأتي قصص الحب مكسورة ومختلفة عما نعرفه في باقي أنحاء العالم، حيث تتمازج لحظات العاطفة مع ظُلمات الحروب، وتتشابك روايات الحب مع تداعيات القصف والدمار في القطاع، وتتكرر مأساة فقدان الأحباء والأزواج لبعضهم بكل ضربة قصف تستهدف المنازل والأماكن العامة لتحولها لركام فوق رؤوسهم.

ورغم أن بعض هذه القصص تنتهي بفقدان بسبب القصف، يبقى الحب حاضرًا في قلوب الناجين، وتصبح رسائل الحب على الكفون البيضاء جواهرٌ من حرير، تختزن ذكريات الأوقات الجميلة وتروي قصصًا لا تُنسى.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على بعض قصص الحب في غزة التي تبوأت الأمل مكانًا في ظُلمة الدمار في هذا القطاع بعدما اندلعت الحرب في اليوم السابع من الشهر الماضي.


«راحت العائلة وبقى عفش البيت»

في يوم 2 نوفمبر الجاري، كان منزل محمد الكردي في جنوب غزة يعج بالتهاني استعدادًا لزفافه في اليوم التالي، وفيما كانت زغاريد أمه تغطي أصوات الانفجارات التي تتسارع من جراء القصف الإسرائيلي، كانت العائلة تجتمع في صالة المنزل، حيث كان الفرح يتغلغل بين أركانها رغم وحشية الظروف.

وفي تلك اللحظات الفارغة من الأمان، تفرقت العائلة فجأة وذهب محمد إلى غرفته، حيث بدلته البيضاء التي كان يحضرها للزفاف وبعض حقائب الملابس، وفيما كان يقوم بتجهيز نفسه لأمسية الفرح، اخترق منزله غارة إسرائيلية.

وفي ذلك السياق، خسر محمد والديه و5 من إخوته وأخواته و4 من أقاربه الذين نزحوا إليه، في حين نجا هو وحده من هذه الغارة التي أجلت حفل زفافه إلى مصير مجهول، وانقلبت حياته رأسًا على عقب، حسبما أفادت "إندبندنت عربية" الإخبارية.

وفي لحظات حزن عميقة، لم يكن يعلم محمد أن اللقاء الأخير مع أسرته كان قد حان، وأن الليلة التي كان يستعد فيها للبداية الجديدة كانت في الحقيقة وداعًا لكل أفراد عائلته، وتحدث محمد وقال، إن "والدتي كانت بجانبي في النهار، وذهبنا إلى السوق معًا في الليل، وسمعت زغاريدها، لكنني لم أحضنها، لقد ذهبت للأبد".

ويشير محمد، إلى أن والدته كانت مصرة على تعجيل زواجه بشدة بسبب الأوضاع الحربية، لكنه كان يرفض ذلك حدادًا على ضحايا مدينته، لكن مع إصرار والدته وتنازلًا عن مبادئه، قرر الزواج في ظل الدمار والقصف، ويقول محمد: "كانت أمي تتمنى أن تراني عريسًا، ألحت على عائلة العروس من أجل ذلك"، وأضاف محمد، تذكرت والدتي قائلةً لي: "محمد، بدي أشوفك في الكوشة وبعدها أموت، عشان خاطري لازم تتزوج، يا ماما غزة بدها العريس والشهيد، العريس لازم يجيب نسل عشان بلده"، وعلى الرغم من القصف والقنابل التي تتساقط، نزلت والدة محمد إلى السوق يوميًا لشراء مستلزمات حفل الزفاف لابنها، حيث كانت تخطط لجعل الزغاريد تعلو فوق دوي المتفجرات.

واستجاب الشاب محمد لأمه وقرر أن يكون فرحه بأبسط شكل وطابع، حيث وضع خطة ليحقق حلمه في أن يكون يوم زفافه لحظة فرح بسيطة، وقرر أن يقوم بزيارة بيت خطيبته ليصطحبها برفقة عائلتها، ويشارك في الاحتفالات بالتصفيق مع أهلها، ويستمع إلى زغاريد والدتها وحماته، حيث كانت خطته تتضمن أن يأخذ بيد عروسته ويقودها إلى منزله، ولكن القدر كتب له مجرد حلم لم يتحقق.
قتلت الغارة الإسرائيلية عائلة محمد ودمرت أجزاءً من شقته، ولكن غرفة العريس تحمل قصة بقاء، فقد كان يخطط لتحويلها إلى عش زوجية، فالجهاز الخاص بالعروس وحقائب الزفاف لا تزال هناك، مغطاة بغبار القنابل المتفجرة.

وقال الشاب: "أمام عيني راحت أمي وأبوي وأهلي، وما قدرت أنقذهم، راحت العائلة وبقي عفش البيت، يعني أخذوا مني أهلي وتركوا لي أغراض الزفاف، لا أعرف إذا أضحك أم أبكي، أضحك لأنه ما زال هناك شيء من ذكرى أهلي، أم أبكي لأن هذه الشنط ستذكرني بما حدث".


«كلمات بلغة الحزن على الأكفان.. رسائل حب مؤثرة لرحيل الأزواج»

وفي قصة أخرى، خُلدت ذكراها بالرثاء والحزن، حيث كتبت كلمات على أكفان لم يكن أحد يتوقع يومًا ما أن تكون تلك الكلمات جزءًا حقيقًا في حياة بعض الأشخاص، ولكن في قطاع غزة ووسط الدمار الذي يخلفه القصف الإسرائيلي هو أمر واقعي، كلمات صغيرة تعبر عن مدى الألم العميق حيال خسارة أحبائهم، فهذه الكلمات لم تكن مجرد حروف تُنطق، بل كانت رسائل مؤثرة تُنقل من الأفواه إلى الأرض بلغة الحزن لرحيل الأزواج.

جلس الزوج الفلسطيني، جهاد الكفارنة، بجوار كفن زوجته الشهيدة، ليقوم بوداعها بكتابة كلمات حزينة ومؤثرة، بعيون باكية ويد مرتجفة، من صدمة فقدانه شريكة حياته، وفي يده الأخرى، يحمل كفن ابنته الرضيعة "مسك"، فكان يحلم مع زوجته أن يُكونا أُسرة سعيدة، ولكن جاءت الغارات الإسرائيلية وحولت أحلامهم إلى أنقاض.

ورغم محاولات الأشخاص الذين كانوا بجوار الزوج لمنعه من الكتابة، إلا أن الرجل أصر على توثيق كلمات الوداع الأخيرة على كفن زوجته الأبيض، ورثى الرجل زوجته بكلمات من قلبه كانت عبارة عن رسالة حب أخيرة يودع فيها حبيبته قائلًا:" قلبي تسنيم محمود، قمري، عمري، حياتي، بحبك يا عمري شهيدة عمري"، وبهذه الكلمات أبى الزوج أن يترك زوحته الحبيبة تغادر هذه الحياة دون رسالة أخيرة تعكس عمق مشاعره، فكان بباله أنها لا تزال تشعر بهذا الحب، حتى وإن كانوا الآن في عوالم مختلفة.


«أحباء فرقتْهم الحرب وجمعهم القدر»

وفي باقي قطاع غزة، تتنوع قصص الفقد، قصة يرحل فيها أحد الزوجين والقصص الأخرى يمكن أن يكونا هما الاثنين رواية من بين روايات أحباء تحت الركام، فالزوج ميسرة الريس الذي كان إحدى تلك القصص المؤثرة هو وزوجته، تزوج من أشهر قليلة من اندلاع الحرب على غزة، كان هو وزوجته ينتظران بشوق قدوم طفلهما الأول، لكن المأساة ألمت بهم بشكل لا يمكن تصوره، حيث قضوا تحت ركام منزلهم بفعل القصف الإسرائيلي الذي ضرب القطاع خلال تلك الحرب القائمة.

وحسبما أفادت "العربية" الإخبارية، كانت ريم الفرا أيضًا، من بين الكثيرين الذين شاركوا في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، كانت تستعد لحفل زفافها، ولكن الموت جاء بشكل مفاجئ وأقرب مما كانوا يتوقعون، حيث سقطت الغارات الإسرائيلية على مدينتها محطمًا كل تلك الأحلام والتخطيطات.

وكذلك، هديل أبو سعدة، كانت تستعد ليوم زفافها، لكنها راحت هي وعائلتها ضحية للهجمات في اليوم الذي كان مخططًا لزفافها، مما جعل حلمها يتحول إلى كابوس، وتفقد حياتها وحياة عائلتها.

تلك القصص ستظل محفورة في الأذهان كغيرها الكثير والكثير من الروايات التي كتبت أسماءهم بأحرف من الألم والذكرى في هذا القطاع، وانقطعت حبال صلتهم مع أحبائهم إلى الأبد، قصصٌُ.. أظهرت وأعربت عن عُمق الألمِ والفُقدان الذي عاشه الأهل والأحباء والأزواج في غزة خلال تلك الحرب المُفجعة المأساوية المُدمرة والهادمة لأحلام وطموحات الكِبار والصِغار على أرض غزة المنكوبة..